مقالات
قراءة جديدة لشهداء حامية البرلمان .. الأسطورة الخالدة
شمس الدين العجلاني – صحيفة الوطن
هل منا مَنْ يعرف شهداء حامية البرلمان السوري الذين قضوا دفاعاً عن معقل الديمقراطية السورية؟
هل اللوحة الاسمية لشهداء حامية البرلمان الموجودة في البرلمان «مجلس الشعب» هي صحيحة؟
هل قامت جهة مسؤولة بتوثيق أسماء وصور شهداء حامية البرلمان؟
كل هذه الأسئلة كانت تدور في ذهني منذ عام 1996م حين كنت أعمل في مجلس الشعب، ومنذ تلك الأيام وأنا أحاول توثيق أسماء شهداء الحامية وصورهم وأجمع ما استطعت من سيرتهم الذاتية، مع الأخذ بعين الاعتبار غياب أي وثيقة ذات قيمة تاريخية عن أرشيف مجلس الشعب، وهذا ليس وليد اليوم أو الأمس، إنما منذ عشرات عشرات السنين والبرلمان السوري يفتقد الوثائق.
ونحن الآن في رحاب ذكرى المجزرة الفرنسية بحق البرلمان السوري «29 أيار» نحاول قراءة من هم شهداء حامية البرلمان السوري وندعو لإقامة نصب تذكاري يمجد الأسطورة الخالدة أسطورة شهداء البرلمان:
لوحة شهداء الحامية
في قاعة الشهداء في مجلس الشعب «استراحة الأعضاء» هنالك لوحة في صدر القاعة كتب عليها: (شهداء العدوان الفرنسي من رجال الشرطة والدرك الذين سقطوا دفاعاً عن مجلس النواب 17 جمادى الآخر 1364 و29 أيار 1945) وتذكر هذه اللوحة 28 اسماً وهم: «سعيد القهوجي– محمد طيب شربك– شحادة إلياس الأحمر– برهان باش إمام– مشهور المهايني– محمود الجبيلي– حكمت تسابحجي– إبراهيم فضة – محمد حسن هيكل– يحيى محمد الباقي– زهير منير خزنة كاتبي– ممدوح تيسير الطرابلسي– محمد أحمد أومري– محمد خليل البيطار– سعد الدين الصفدي– ياسين نسيب البقاعي– زيد محمد ضبعان– عيد فلاح شحادة– أحمد مصطفى سميد «وردت الكنية أيضاً في مصادر أخرى سعيد أو سيد»– أحمد محمد القصار– إبراهيم عبد السلام– جورج أحمر– محمد عادل مدني– واصف إبراهيم هيتو– عبد النبي برنية– طارق أحمد مدحت– سليمان أبو أسعد» هم شهداء البرلمان، من دون أن تذكر رتبهم العسكرية أو تبعيتهم للشرطة أم للدرك، ولم تذكر هذه اللوحة إن كان هنالك من نجا من هذه المجزرة، وفي مجلس الشعب ليس هنالك شيء آخر عن هذه المجزرة الفرنسية.
هل هنالك لوحات أخرى
بأسماء الشهداء؟
كان هنالك عدة لوحات أو نصب تذكارية لأسماء شهداء حامية البرلمان، ففي عام 1957م قام رئيس مجلس النواب آنذاك أكرم الحوراني بوضع لوحة رخامية سوداء كبيرة في صدر قاعة استراحة النواب (القاعة التي ارتكبت فيها المجزرة الفرنسية) حملت أسماء الشهداء وأسماء مدنهم، وأراد الحوراني من ذكر مدنهم للدلالة والشهادة على اشتراك الشعب العربي في سورية من كل مدنه وقراه، ومن كل طوائفه، بالدفاع عن تراب الوطن والحريّة والديمقراطية حتى الاستشهاد، وكان الحوراني يعتبر كلا الشهيدين سعيد القهوجي، وطيب شربك، هما أبطال معركة البرلمان، لذا عزم على إقامة نصبين تذكاريين لهما في مدخل بناء البرلمان، ولكن انتهاء ولاية الحوراني طوى هذا المشروع وذهب في أدراج الريح، ولم يفكر أي رئيس برلمان بتخليد ذكرى هذه المعركة البطولية، رغم أن عدداً من النواب اقترحوا إقامة نصب تذكارية للشهداء عندما شرع سعد اللـه الجابري رئيس المجلس النيابي، بإصلاح ما تخرب من بناء مجلس النواب إثر الاعتداء الفرنسي عليه، وهنا نذكر أن اللوحة التي وضعها الحوراني أزيلت ووضع عوضاً منها لوحة أخرى (وهي الموجودة الآن) بالمواصفات نفسها ولكن أزيل منها أسماء المدن (وقد يكون عدل في أسماء الشهداء) ولم يتبين لنا متى تم ذلك، وهنا لا بد من الإشارة إلى أن الأسماء الحالية لشهداء البرلمان والتي تحملها اللوحة الرخامية أسماء غير دقيقة ويجب تدقيقها وتصحيحها إضافة إلى طباعة بروشور أو صور بعدة لغات للتعريف بهؤلاء الشهداء، وإحياء لذكرى هذه المجزرة الإرهابية.
كما كان هنالك نصب تذكاري من الرخام نقش عليه أسماء شهداء حامية البرلمان، وكان في قلعه دمشق، وقد اعتبر هذا النصب عدد الشهداء 25 شهيداً. ولا نعلم الآن أي شيء عن هذا النصب، وقد شوهد عام 1958م.
و ادهم الـجندي نشر في كتابه تاريخ الثورات السورية في عهد الانتداب الفرنسي الصادر عام 1960 م، لوحة بأسماء شهداء حامية البرلمان، تتطابق أسماؤها مع أسماء اللوحة الموجودة الآن في مجلس الشعب مضافاً لبعض الأسماء الرتب العسكرية والمحافظة والمنطقة.
التدقيق بأسماء الشهداء
لدى التدقيق مع بعض صور سجلات وزارة الداخلية حول صحة أسماء شهداء الحامية تبين أن هنالك اختلافاً في كتابة الأسماء بين وزارة الداخلية واللوحة الموجودة في مجلس الشعب. كما تشير لوحة مجلس الشعب أن هؤلاء استشهدوا يوم 29 أيار، على حين سجلات وزارة الداخلية تشير إلى أن بعض هؤلاء الشهداء استشهد بتاريخ 3 حزيران، على حين يذكر العقيد المتقاعد إبراهيم غازي أسماء مختلفة عن سجلات وزارة الداخلية واللوحة الموجودة في مجلس الشعب بحيث يضيف اسمين إلى أسماء الشهداء هم شهير الترياقي وحسان بهاء الدين، وفي الوقت نفسه يشطب اسمين من الشهداء هم زهير خزنة كاتبي وأحمد مصطفى سميد (سيد)، ويعتبر الشهيد الدركي حكمت التسابحجي طبيبا أصيب وهو يحاول إسعاف المصابين من مرتب المجلس النيابي. على حين يقول العميد المتقاعد وليد عاروض: (استشهدوا جميعاً وعددهم 28 شهيداً ولم ينج إلا اثنان هما شهير الشرباتي وإحسان بهاء الدين اللذان نجوا بأعجوبة واثنان آخران جريحان كادا يدفنان بين الأموات هما إبراهيم الشلاح ومحمد مدور وقد مثل بأجساد الشهداء أشنع تمثيل وقد شوهدت بعض الجثث بلا آذان وبعضها مقطعة الأيدي وبعضها مفقودة العينين كما شوهدت آثار السواطير على أجسامهم) كما أن وزارة الداخلية والعقيد المتقاعد إبراهيم غازي والعميد المتقاعد وليد عاروض يذكرون الشهيدين الحيين محمد مدور وإبراهيم الشلاح، على حين لوحة مجلس الشعب لا تذكر عنهم أي شيء.
المعروف أن الشهيد سعيد القهوجي هو قائد حامية البرلمان وبعد استشهاده تولى القيادة الشهيد طيب شربك، ولهذا الأمر لم يشر أي نصب تذكاري أو لوحة الأسماء لشهداء البرلمان!
الآن
نحن الآن في رحاب ذكرى مجزرة البرلمان السوري التي ارتكبتها فرنسا، ترى خلال هذه السنين الطويلة منذ عام 1945 إلى الآن ماذا عملنا تخليداً لهؤلاء الشهداء الذين قضوا بشجاعة دفاعاً عن الوطن ممثلاً بمجلس النواب رمز الحرية والديمقراطية والاستقلال، وإحياء ذكرى مجزرة إرهابية ارتكبها من يدعون الحرية والإنسانية.!
مع الأسف الشديد لم يعمل أي رئيس برلمان خلال هذه السنوات الطويلة الماضية عملاً مميزاً في سبيل ذلك، كنصب تذكاري، أو إصدار كتيبات وطباعة صور الشهداء والمجزرة، أو حتى إقامة ندوات تاريخية… «تقوم وزارة الداخلية بإقامة معرض فني بهذه المناسبة» إنما جرت العادة منذ عدة سنوات أن يقوم رئيس البرلمان صباح يوم 29 أيار «الذي اعتبر يوم قوى الأمن الداخلي في سورية» باستقبال وزير الداخلية وعدد من ضباط الشرطة في قاعة استراحة النواب (القاعة التي شهدت المجزرة الفرنسية) ويتبادلون معهم الكلمات الطيبة في هذه المناسبة. ومن ثم تقيم وزارة الداخلية احتفالاً جماهيرياً خطابياً بهذه المناسبة (وعفا اللـه عما مضى)، وكان يحضر هذا الاستقبال فيما مضى كل من الدركيين محمد مدور وإبراهيم إلياس الشلاح قبل وفاتهما، وهما من الناجين من هذه المجزرة، واللذين أطلق على كل منهما لقب الشهيد الحي، مع العلم هنالك شهيد حي آخر تم تغييبه ولا يوجد سبب لذلك وهو محمد نعيم عناية!
نصب تذكاري لشهداء البرلمان
والآن نقول في عام 1945 حصلت مجزرة البرلمان، ونحن اليوم نحتفل بالذكرى الثانية والسبعين لهذه المجزرة التي استشهد خلالها حامية البرلمان السوري حين واجهت قوات المستعمر وصمدوا في وجه عمليات التدمير الوحشية ليسطروا إلياذة خالدة وأسطورة لا تنسى في الدفاع عن الوطن والمواطن، لم يدافع هؤلاء الأبطال عن أنفسهم وأرواحهم بل دافعوا عن كرامة وعزة شعب بكامله وحرية أمة تصبو إلى التحرر والانعتاق من سيطرة الاستعمار بكل أشكاله وألوانه. لقد كانت دماء رجال الدرك والشرطة السوريين من حراس البرلمان، الذين سقطوا برصاص جنود المستعمرين، التعبير الأعمق عن قدسية الوطن ومعاني الوطنية. لذا وجب علينا ألا ننسى هؤلاء الأبطال.. لقد وجهنا نداءً أو رجاءً… هنا في صحيفة «الوطن» يوم28/05/2012 تحت عنوان: «دعوة لإقامة نصب تذكاري في حديقة مجلس الشعب» ونعيد المطالبة بإقامة نصب تذكاري لشهداء حامية البرلمان السوري في حديقة مجلس الشعب «وتشغل حديقة مجلس الشعب الجهة الجنوبية من الأرض وتصل مساحتها لحوالى عشرة آلاف متر مربع» يمجد بطولتهم متضمنا صورا لهؤلاء الأبطال مع لمحة عن حياتهم، ولمحة عن المعركة التي خاضوها إضافة للصور التي أخذت عقب الاعتداء الآثم ليبقوا منارة يحتذي بها أبناء الوطن، وعدم الاكتفاء بوضع أسمائهم في استراحة أعضاء مجلس الشعب رغم وجود ملاحظات تاريخية على هذه الأسماء.
لا بد من الاهتمام بالوثيقة، فالتوثيق خير شاهد على التاريخ. وهو ذاكرة الشعوب والعمود الفقري لأي عمل، ونجاح أي مشروع أو أي دراسة يتوقف على المعلومة والبيانات التي لا يمكن الحصول عليها إلا من خلال الحفظ السليم والتوثيق العلمي المدروس.
فالوثائق هي مادة مهمة للتأريخ والبحث، لذلك تعتبر الوثائق «خزائن التاريخ»، فهي مجمع للخبرات والتجارب التي لابد من معرفتها للسير على الطريق القويم.
وارتقى حماة البرلمان أصحاب الأسطورة الخالدة، إلى رحاب رب كريم، وهم في قلوبنا وقدوتنا.