صورة وتعليق
صناعة الجبنة لدى احدى العائلات في حلب في خمسينيات القرن العشرين
تعود الصورة إلى فترة أواخر الخمسينات تقريباً، توثق لإحدى عادات أهالي مدينة حلب، صناعة وتشكيل شلل الجبنة مشللة، إحدى أطيب أنواع الجبن والمشهورة في حلب.
الصورة مأخوذة من داخل بيت عائلة المرحوم جورج مرجانه (روم أورثوذكس وأصل العائلة من مدينة إدلب) وزوجته أوديت بنت عبدالله طويل والكائن في منطقة السليمانية بجانب مدرسة بني تغلب والتابعة لطائفة السريان الأرثوذكس.
نرى في الصورة كلاً من:
من اليسار السيدة بهية حايك (قريبة العائلة)، الطفلة كلود مرجانة، وبجانبها أخيها جوزيف مرجانة، وبجانبه جده عبدالله طويل، الطفل عبد الله طويل (لاحقاً سيتزوج من بنت خالته كلود مرجانة)، جميلة بسيريني، مارين قمز زوجة عبد الله طويل، وابنتها أوديت طويل زوجة جورج مرجانه.
في هذه الصورة القديمة مشهد بديع من الذاكرة الحلبية الجماعية، تحضير المونة، خاصة مونة الجبنة مشللة حيث تجتمع النساء ويتسامرن أحاديث العائلة والأصدقاء والجيران التي لا تنتهي، للتسلية وتمضية الوقت خلال تحضيرهنَّ لتلك المونة.
نُطلّ على مشهد نابض بالحياة من قلب مدينة حلب، حيث تتجلّى روح العائلة والعمل الجماعي في أبهى صورها. تقف نساء من أجيال مختلفة في ساحة بيت عربي قديم، محاطات بضحكات الأطفال ونظرات الجد المتأملة بطربوشه القديم وزيه التقليدي، بينما تنشغل الأيادي بخيوط الجبنة المشلشلة، تلك التي تُجدَل كأنها خيوط من الذهب الأبيض، التي تم نقعها ومزجها لأسابيع مع حبة البركة ومحلول محلي قبل بداية عملية التشليل والتي هي الأصعب والأدق، تستلزم عمل جماعي، في طقوسٍ شبه مقدسة من المحبة والحنين.
تتوسط الصورة امرأة مسنّة، يعلو وجهها التعب الممزوج بالرضا، وهي تمسك بخيوط الجبنة وتفردها بحنكة من اعتادت هذه الصنعة منذ سنين. بجانبها نساء يضحكن ويتبادلن أطراف الحديث، وأطفال يحملون الصحون الصغيرة وشلل الجبنة، هي فرحة كبيرة وتسلية مميزة لهم، يشاركون الكبار في هذا العمل وهذا العيد المنزلي بكل براءة وفرح. أما الرجل ذو الطربوش في الخلف، فهو يراقب المشهد كحارس لذاكرة لا تذبل.
الجبنة المشللة هنا ليست مجرد طعام، بل حكاية حلبية متوارثة من جيل لجيل، تُروى بالأيدي والعيون، وتُعجَن بالحب والتقاليد. هي لحظة من الزمن، عالقة بين عتبات الحوش ودفء العائلة، تُجسّد هوية حلبية عريقة، حيث كانت البيوت تفيض بالكرم، والساحات تمتلئ بروائح اللبن المسلوق، ونبض الحياة يُعزف بأنامل الأمهات والجدّات.
صورة توثّق أكثر من لحظة… إنها ذاكرة حلبية حيّة لن تموت، قد نقلها أبناء حلب معهم لكل بلدان العالم، ومنهم السيدة ميري عبجي وزوجها فريدي كعدة، حيث كانا أول من أسس أول معمل جبنة في شمال أمريكا يختص بجميع أنواع الجبنة السورية وخاصة المشللة من أربعين عام.
الصورة من أرشيف الروائية ماريا كبابة (حفيدة بهية الحايك مرجانة).
توثيق الأسماء السيدة كلود مرجانة مشكورة.
توثيق ونشر جاد موصللي
