التراث اللاماديمحافظة دمشق
البدوي .. من الحكايات الشعبية الشامية

البدوي .. من الحكايات الشعبية الشامية
توثيق الباحث نزار الأسود
كان ياماكان، يا قديم الزمان، نحكي لما ننام، لما نصلي على النبي العدنان، حتى كان.
كان في قديم الزمان، بدوي يعيش حياة كفاف وفقر في الصحراء.
كان مأواه خيمة من ألياف القنب، وله زوجة وأولاده ثلاثة، عليه رعايتهم وإطعامهم، وليس لديه إلا عنزة لطعامه وشرابه.
وذات يوم، دخل الملك ووزيره غرفة الريش للتنكر، والإطلاع على أحوال الرعية عن كثب. فكان أن وصلا إلى البدوي وشاهدا ما عليه من فقر، ومع ذلك فقد أمر البدوي زوجته أن تذبح العنزة احتفاء بالضيوف، ولم ينفع مع البدوي شئ. لا توسلات زوجته، ولا رجاء الملك فقد غلب عليه الكرم.
وبعد أن أكل الملك من العنزة، شاور وزيره فيما يجب أن يفعله لينعم على البدوي، فأشار عليه، أن يكتب له انعاماً في ورقة، وأن يقابل الملك في المسجد الأموي وقت صلاة الجمعة، وأن يقدم له الورقة، فينعم عليه.
ظل البدوي منذ زيارة الملك، في يوم السبت إلى يوم الجمعة بلا أكل إلا ما ندر، ثم شدّ الرحال يوم الجمعة صباحاً، فرحاً، إلى المسجد الأموي في دمشق. وفي الطريق كان يدعو ربه، ويشتكي إلى الله من الضيق والجوع. فوجد قطعة نقدية عثمانية، اسمها أبو المية، فقال: هذه لي، فاشترى بها طعاماً…! ثم وجد أبو المية، فقال: هذه للناقة أشتري بها علفاً، ثم وجد مرة ثالثة أو المية فقال: هذه للحمام وللحلاق، قبل أن أدخل المسجد الأموي وأصلي الجمعة.
وبينما كان البدوي يصلي الجمعة، نظر فوجد الملك في مقدمة الصفوف ومن حوله الوزراء والأعيان ومشايخ المسجد الأموي، فأخرج الورقة، وهمّ بتخطي رقاب الناس إليه ومدافعة مزدحم الناس ليصل إلى الملك، من أجل العطاء.
عندما وجد الملك برفع يديه إلى السماء ويدعو، فقال: لمن حوله، لمن يدعو الملك؟
فقيل له: الملك يدعو ويطلب من الله تعالى. فقال في نفسه آسفاً: أعيد بطلب من عبد؟ هو يطلب من الله تعالى، وأنا أطلب منه. لا والله لا أفعل هذا ابداً. فخرج من المسجد وحرك حماره عائداً إلى ضيعته، ومزق الورقة.
وفي الطريق، جلس البدوي ليستريح وأخذ يدعو ربه، فوجد حلقة في الأرض فرفعها فوجد تحتا قلّة من الذهب. ففرح بها وعاد إلى المدينة، حيث اشترى الجمال والنعاج والحمير وما لذ وطاب من طعام ولباس وأدوات. كما اشترى خيمة ومونة، وأربعة أكياس من قشر القنب ليحمل ما تبقى لديه من الذهب.
فنقل المال والمتاع على ظهر الناقة. وقال: سيري يا مباركة. ووصل إلى الضيعة مزهواً من أعيانها، فالخير يخير والشر يغير، ورغيف عيش حاجة الجوعان.
وبعد مدة ظن الملك أن البدوي مات جوعاً وفطن إلى ما فعل، وندم ودخل غرفة الريش للتنكر مع وزيره وقرر زيارة البدوي، فلم يجد خيمته، ولم يجد شيئاً، وفاته أن البدوي قد أصبح شيخ العربان.
وعلى حين غرة، شاهد العربان الدرويشين، فقال للملك: أنا من رأى الخير على وجهك يا درويش، وعزمه، وعزم جميع العربان، وغناء ورقص وطعام وحفلات حتى كادت الشمس تغيب. ثم خطر للدرويش أن يسأل الشيخ عن البدوي فقص عليه القصة وأخبره بما حصل.
وهنا غار الوزير وقال: كيف يصبح هذا المسكين شيخ العربان، وصاحب مال وجاه؟ فقال للملك وهو يوغر صدره عليه: غداً يلبس هذا البدوي لباس الملك ويقطع رأسك يا ملك الزمان، والأفضل لك أن تقطع رأسه منذ الآن وقبل فوات الأوان.
قال الملك: وكيف؟؟ قال الوزير: قل به لقد رأيت في منامي أحد الناس يقول لي: بو بو بو فما تفسير هذا المنام؟؟ أيقن الوزير في سره أن البدوي سيقول في تفسير هذا المنام (عواء كلب) وعندئذ سيغصب الملك، ويقطع رأس البدوي، فكيف يعّوي الكلب عليه.. ؟؟
إلا أن البدوي قال: المنام منام حلو.. منام خير وبركة. فأول (بو) الله لا يطفئ من إسلامك ضوء. وثاني (بو) عمره شجرة ما وصلت للجو. وثالث (بو) لا تخل معك ولا جنبك محضر سوء. وهنا عرف الملك ما المقصود من تفسير المنام. وعرف أن وزيره وزير سوء.
نادى الملك السياف، وقال له: اقطع رأس الوزير، وبعد ذلك أصبح البدوي وزير الملك.
وتوتة توتة خلصت الحتوتة.
انظر:
