مقالات
خالد محمد جزماتي: أنا ورئيس فرع أمن الدولة بطرطوس
خالد محمد جزماتي – التاريخ السوري المعاصر
(1)
كان المقدم إبراهيم الصالح المولود في بلدة القريتين رئيسا لسرية الشرطة العسكرية في تدمر ومن مسؤوليته سجن تدمر وهو قريب لرئيس مخابرات أمن الدولة في سورية المدعو نزيه زرير.
فسارع إلى إصدار قرار بتسليمه مخابرات أمن الدولة في حماة بعد اغتيال الرائد محمد غرة رئيس أمن الدولة في حماة، ولكن المقدم إبراهيم الصالح رأى نفسه مستهدفاً فطلب نقله فتمت الاستجابه له وتم تسليمه أمن الدولة المشكل حديثا في طرطوس..
هناك تعرفت عليه وأصبحنا نلتقي بشكل يومي… وفي يوم من الأيام تكلم معي هاتفياً وطلب مني النزول من البيت فنزلت وذهبنا معا نتنزه بالسيارة… وكان دائم النقد للنظام، تصوروا رئيس فرع أمن دولة ينقد وبشكل لاذع الدولة ونظامها.
وبعد طول كلام سألني هل الأخوان حيان وقتيبة الجزماتي من أقربائك، قلت نعم.
قال لا تقل ذلك لغيري، لقد تم قتلهما في سوق الطويل بعد معركة دامية، وتابع قائلاً: يازلمه ما أرجلهما، هجموا على فصيلة من الوحدات الخاصة صارخين، خسئتم يا كلاب وهم يطلقون النار من مسدسين عيارهما متواضع، واستمر هجوهما حتى نالا الشهادة..
أخيراً الشهيد حيان الجزماتي كان عمره سنة عشر عاماً وأخاه قتيبة الجزماتي عمره خمسة عشر عاماً، والحمد لله أولاد ابن العم جميل الجزماتي سبعة ..
(2)
بعد عصر أحد الأيام رن الهاتف في بيتي وكنت أسكن في منزل بشارع الميناء، فكان على الهاتف المقدم ابراهيم الصالح، وقال لي سأمر على بيتك لنذهب سوية إلى المرفأ للإشراف على استلام 200 سيارة لصالح أمن الدولة،
ذهبنا سوية إلى المرفأ وبدأ انزال السيارات التي كانت من مختلف الموديلات، وعند الانتهاء قال لي: تم تخصيص فرعي في طرطوس 17 سيارة ..يازلمه وين بدي روح فيهم .
زوجتي أم فؤاد لديها سيارتان والفرع ليس بحاجة..والله مافي مكان عندي لتلك السيارات .. على كل حال مبدئياً سأفرز لأم فؤاد حبيبة قلبي سيارة إيطالية فيات 131 ليصبح تحت تصرفها ثلاثة سيارات… والجميع يعلم كيف ضباط الجيش يتنافسون في تأمين الواسطة المفيدة لتسلم أي منصب في الجيش في ملاكه سيارة.
تلك إحدى دلائل السقوط ..فالضابط في مثل هذه الحالات لن يحارب إذا دعا الداعي …وسلامتكم
(3)
خضعت للتحقيق بعد اعتقالي لمدة 42 يوماً ..كان التحقيق غالباً يجري في ساعة متأخرة من الليل ..يأخذني السجان وأنا مطمش العينين وفوراً بعد الدخول الى غرفة التحقيق ينزعون الثياب عني حتى أصبح عارياً الا من الكلسون. والذي يلبس الشورت يكون محظوظاً أما السليب فكان سيئاً جدا في مثل هذه الظروف..
في إحدى أيام التحقيق جثيت على ركبتي عارياً الا السليب ..وبدأ جلادون ثلاثة يضربونني بكرابيجهم كما يفعل الحداد وعماله، وذلك بدون أي سؤال …وبعد أن أنهكوني أداروني إلى الحائط وأراحوني بضع دقائق وصبوا علي الماء ..وقالوا لي انتبه السؤال يا جزماتي ..ماذا كان المقدم ابراهيم الصالح يقدم اليك من معلومات ..
فأجبتهم بالنفي القاطع ..قالوا ..عندنا معلومات أنك حضرت معه تحقيقات لبعض نشطاء اليسار الشيوعي المعتقلين (فعلاً كانت معلوماتهم صحيحة) ..فنفيت ذلك بشكل قاطع وحاولت مدحه بولائه المطلق للرئيس الملهم الخالد..
أعادوا الكرة بضربي ولكن كان ذلك بالدولاب.. والله الخبير العليم ..بعد ذلك نادوا على السجان ليأخذني إلى الزنزانة رقم 14 ..ولا أحد يمكنه تصور كيف وصلت الزنزانة والسجان المجرم برغم حالتي ينكشني في مختلف المواضع من جسدي بمفاتيح الزنازين.
بعد انتهاء التحقيق معي قمت بتنفيذ الأمر بدمغ بصمتي وحمدت الله على ذلك بعد تمنياتي الموت بعد كل جلسة تحقيق .. ولكن فجأة في إحدى الليالي فتح باب الزنزانة فجأة وناداني السجان بفظاظة .. واقفاً ..ومسكني من عنقي وسار بي الى باب غرفة في الطابق الثاني لأن زنزانتي كانت تحت الأرض وطبعاً أنا مطمش العينين ..وبعد لحظات وطبعاً الخوف يحيط بي أدخلني إلى الغرفة ..وشعرت أن في الغرفة جمعاً من الرجال وأكيد كانواً ضباطاً وقال أحدهم لي …يا جزماتي ..سنسألك سؤالاً واحداً وعليك الإجابة بشكل مختصر جداً ..هل حصلت على أية معلومات أمنية من المقدم ابراهيم الصالح …فأجبتهم ..أبداً أبداً ..كنت وإياه أصدقاء نسهر في منتزهات طرطوس والجبل ..قالوا لي يكفي ..نادوا على السجان وأمروه باعادتي إلى الزنزانة وقالوا له …لا تهينه ….
(4)
ومضت الأيام وتوالت الشهور والسنين وأخلي سبيلي بعد سنين عشرون وشهور خمسة .. وأول شيء رأيته في الطريق قبل دمشق من المركبة التي تقلني وبعض السجناء قاصدين سجن التحقيق العسكري لاستكمال إجراءات إخلاء السبيل ..
رأيت لوحة مكتوب عليها ..حمزة قصاب باشي وهو من حارتي أعرف أباه جيدا ..وهام فكري في الماضي السحيق ..لوحات جميلة لبلدتي حماة المظلومة ..وكنت أقول في نفسي لن أعتب على أحد إذا أبى تهنأتي باخلاء سبيلي ..
المهم وصلت حماة وبقيت أستقبل المهنئين طيلة ثلاثة أشهر ليلاً ونهاراً ومنهم العميد البحري عبد الكريم الحاج ابن قرية بحنين التابعة لطرطوس والعميد بولص فرح ابن حوران ومنهم المقدم نجم الدين جمال ..وأيضا شيخ المحامين في طرطوس المناضل محمود يونس أبو زياد ابن قرية بريصين التابعة للشيخ بدر ..وكثير من الأصدقاء من حماة واللاذقية وطرطوس …
وقد مر أحد الطراطسة على العميد المتقاعد إبراهيم الصالح صاحبنا الذي نتحدث عنه في حمص حيث يقيم وبشره بحريني التي حصلت عليها وقال له ..ما رأيك أن نذهب سوية إلى حماة لتهنئة المقدم خالد صاحبك الحميم ..لكنه أعتذر وقال له سلملي عليه وقل له مبارك وربما أزوره بعد حين ..وابن طرطوس هذا مازال حيا وكثيرا ما سهرنا نحن الثلاثة معا ..وأعتقد وربما أكون مخطئاً أن الرجل ما زال خائفا بالرغم من تقاعده وبعده عن مراكز القوة ..وقد توفاه الله منذ عدة سنوات …
