مقالات
هاشم الأتاسي حياته – عصره (6) .. اجتماع المؤتمر السوري العام في 6 آذار 1920
عهد الاستقلال الأول- الحكومة العربية
محمد رضوان الأتاسي
هاشم الأتاسي حياته – عصره.
الفصل الثالث – عهد الاستقلال الأول -الحكومة العربية- اجتماع المؤتمر السوري العام في 6 آذار 1920م.
التأم المؤتمر السوري في السادس من آذار عام 1920م، وبينما كانت تلقى في المؤتمر كلمة الأمير فيصل “كانت أصوات المتظاهرين خارج المؤتمر تنادي بالاستقلال، ووجوب الدفاع، وتأليف حكومة ديمقراطية، وأن يتوج فيصل ملكاً على سوريا، على أن يكون ملكاً دستورياً وديمقراطياً عادلاً”.
ودعا هاشم الأتاسي المؤتمر السوري للإنعقاد في اليوم التالي السابع من آذار عام 1920 حيث ناقش وأقر جوابه على خطاب الأمير فيصل.
جواب المؤتمر السوري على الخطاب الذي ألقاه الأمير فيصل في السادس من آذار عام 1920م:
(يا سمو الأمير
بكل فخر وابتهاج سمع المؤتمر العام الممثل للأمة السورية خطاب سموكم الملكي الذي شرحتم فيه الغاية النبيلة من دخول العرب في صفوف الحلفاء دفاعاً عن قضيتهم، وطلباً لاستقلالهم وحريتهم، وأبنتم موقف البلاد الحاضر تجاه الأزمات السياسية، وأعربتم عن حسن نيات الحلفاء الكرام وأقطاب السياسة الأوربية بشأن استقلال البلاد العربية عامة وبلادنا السورية خاصة، واستناداً إلى عهودكم ووعودهم.
إن الأمة العربية في الوطن والمهاجر يا سمو الأمير المعظم، لم تقم جمعياتها وأحزابها السياسية في زمن الترك بمواصلة الجهاد السياسي ولم ترق دم شهدائها الأحرار، وتثر على الحكومة التركية، إلا طلباً للاستقلال التام والحياة الحرة، بصفتها أمة ذات كيان مستقل، ومدنية خالدة وقومية خاصة، لها الحق في أن تحكم نفسها بنفسها.
وقد دخلت الحرب العامة في جانب الحلفاء استناداً على عهودهم المقطوعة لجلالة والدكم المعظم، والوعود الرسمية السياسية التي جهر بها أقطاب سياستهم، واقتناعاً بتحقيق مبادئ (الرئيس ويلسن السامية)، المقررة لحرية الشعوب واستقلالها وحفظ مصالحها وإعطائها الحق في تقرير مصيرها، كما تفضلتم في خطاب سموكم العالي.
وإن ما قام به جلالة والدكم المعظم وما قمتم به سموكم من الأعمال الجليلة كان أعظم عامل في الظفر وانتصار القضية العربية مما أوجب ابتهاج العرب عامة، والسوريين منهم خاصة، الذين جاهدوا معكم حق الجهاد في سبيل الوصول إلى هذه الغاية المقدسة، غاية الحرية، والاستقلال التام.
لذلك فإن الواجب الأول محتم على هذا المؤتمر الذي يتكلم بلسان الأمة، ويترجم عن عواطفها وآمالها، ترتيل آيات الشكر والثناء على جهاد جلالة والدكم المحمود، وجهاد سموكم، وتكرار الدعاء الخيري بتوفيق جلالته وسموكم وسمو أخوتكم وآل بيتكم الكريم، الذين اشتركوا معكم في سبيل استقلال البلاد وتحريرها، وكانوا معكم أكبر عون لهذه الأمة في تحقيق آمالها ورغباتها. على أن وقوفكم وقفة الأبطال في ميادين الحرب لم يكن أعظم من وقوفكم موقف الدفاع عن قضيتنا الحقة في ميدان السياسة الخارجية الذي خلد لكم في بطون التاريخ أعظم الأثر.
إن تنويه سموكم بالظفر الذي تم بالعالم، وإنه “لم يكن عسكرياً فقط بل هو سياسي قبل كل شيئ، لأنه ظفر الحق على القوة والحرية على الاستعباد “قد أثلج صدور أعضاء المؤتمر الذين استمعوا في العاصمة بصفتهم ممثلي الأمة السورية ليقتطفوا من حدائق الحرية ثمرة جهادها المقدس، وقد زاد اطمئناننا تصريح سموكم عن رحلاتكم بأن اختباركم ومخابراتكم مع الساسة لم تبقى مجالاً للشك في حسن نية الحلفاء نحو بلادنا المحبوبة.
إن الأمة يا سمو الأمير تعتمد في قضيتها السياسية على حقها الصريح في الحياة، واثقة بأن الحق يؤخذ ولا يعطى. كما صرحتم بذلك مراراً، على أننا كأمة حرة مدنية تريد حرية واستقلالاً تاماً وتود في الوقت نفسه أن تسعى لأن تكون سياستها في المستقبل سياسة صلح ووئام مبنية على الثقة المتبادلة والمنافع المتقابلة التي لا تمس باستقلالنا التام.
إن المؤتمر السوري يقدر يا سمو الأمير مهمته الخطيرة حق قدرها، وهو يرى أن موقف البلاد السورية من الوجهة الاحتلالية المؤقتة التي قضت بها الظروف الحربية، قد آن أن تنتهي وفقاً لأماني البلاد، وإنقاذاً لها من مشاكلها الحاضرة.
فقد مضى عام ونصف والبلاد لا تزال رازحة تحت أثقال الاحتلال والتقسيم العسكري الذي ألحق بها أضراراً جمة، وأوقف سير أعمالها الاقتصادية والإدارية، وأوقع الريبة في نفوس أبناءها من مصيرهم، فاندفع الشعب في كثير من أنحاء البلاد وقام بثورات أهلية في المناطق المحتلة، مطالباً باستقلال بلاده ووحدتها، لذلك ولما نشاهده يومياً من عزم الأمة الأكيد على المطالبة بحقها ووحدتها، والعمل على الوصول إلى ذلك بكل الوسائل، واستناداً على حقنا الطبيعي والشرعي في الحياة الحرة، وحق تقرير المصير، وعلى دماء شهدائنا المراقة وجهدنا الطويل في هذا السبيل الشريف، وعلى العهود والوعود والمبادئ السامية التي صرح بها الحلفاء الكرام، وقد اجتمعنا بصفتنا ممثلي الأمة السورية في جميع أنحاء القطر السوري وقررنا بإجماع الرأي:
استقلال بلادنا السورية التي منها فلسطين بحدودها الطبيعية، استقلالاً تاماً لا شائبة فيه، مبنياً على الأساس المدني النيابي، وحفظ حق الأقلية، ورفض مزاعم الصهيونيين في جعل فلسطين وطناً وقومياً لليهود أو محل هجرة لهم.
وقد اخترنا بإجماع الرأي سموكم ملكاً دستورياً على البلاد السورية، نظراً لما امتزتم به من الحكمة وسداد الرأي في جليل الصفات، ولما قمتم به في ميادين الحرب والسياسة من الأعمال الخالدة لمصلحة الأمة، ولما عرفتم به من حبكم للحرية والدستور وإخلاصكم للبلاد والأمة.
وقد ضربنا موعداً لمبايعة سموكم رسمياً نهار الإثنين في 17 جمادى الثانية 1338 و 8 آذار 1920 الساعة الثالثة بعد الظهر، وأعلنا إنحلال الحكومات الاحتلالية في المناطق الثلاث، على أن تقوم مقامها حكومة ملكية مدنية مسؤولة تجاه مجلس الأمة، وعلى أن تدار مقاطعاتها على طريقة اللامركزية الإدارية، وعلى أن تراعى أماني اللبنانيين في إدارة مقاطعتهم لبنان ضمن حدوده المعروفة قبل الحرب بشرط أن يكون بمعزل عن كل تأثير أجنبي.
هذا وإننا نحتفظ باسم الأمة بصداقة الحلفاء، محترمين مصالحهم، ومصالح سائر الأجانب كل الاحترام.
وإن لنا الثقة في أن يتلقى الحلفاء عملنا هذا المستند على الحق الطبيعي والشرعي بما نتحققه فيهم من نبالة القصد وشرف الغاية، فيوافقون على استقلالنا التام وإجلاء جنودهم عن المنطقتين الغربية والجنوبية، أي الساحل وفلسطين، فيقوم بحفظ وإدارة الشؤون فيها الجند الوطني والإدارة الوطنية، مع الإحتفاظ بالصداقة المتبادلة، لتتمكن الأمة السورية من الوصول إلى غاية الرقي وتكون عضواً عاملاً في المجتمع الدولي.
ولما كانت الحكومة التي قررنا تأليفها هي حكومة مسؤولة تجاه الأمة، فقد قررنا بقاء محلسنا هذا، لسن القانون الأساسي التي تبين فيها أساسات الحكم في البلاد من جهة وتكون الحكومة مسؤولة تجاهه في كل ما يتعلق بأساس استخدام البلاد التام من جهة أخرى، إلى أن تتمكن الحكومة من جمع النواب وفقاً للقانون الذي سيوضع في هذا الشأن.
وقبل أن نختم عرضتنا، لا نرى بداً من أن نذكر بملء الفخر الخدمات الجليلة التي قام بها اخواننا العراقيون في سبيل النهضة العربية في سني الحرب، وإننا لا نزال نؤيد طلبنا السابق بإعطاء العراق حقه من الحرية والاستقلال التام. وإننا نعضد اخواننا العراقيين في جميع مطالبهم الاستقلالية. ورفع الحواجز الاقتصادية بين القطرين الشقيقين، عارضين أخلص شعائر الطاعة والإخلاص.
والله يؤيد مولانا المعظم، ويلاحظ هذه الأمة بعين عنايته الصمدانية.
آمين”.
رئيس المؤتمر
هاشم الأتاسي
وبقية التواقيع
هكذا تضمن هذا الجواب رأي المتشددين بإعلان الاستقلال التام، ووحدة جميع المناطق السورية، ورفض وعد بلفور، وتنصيب الأمير فيصل ملكاً دستورياً ديمقراطياً على سوريا. وصاغ المؤتمر السوري قراراً عاماً بإعلان استقلال سورية، قام وفد من المؤتمر السوري برئاسة هاشم الأتاسي بتسليم نسخة موقعة منه باسم المؤتمر إلى الأمير فيصل.
