You dont have javascript enabled! Please enable it!
اختيارات المحررمختارات من الكتب

هاشم الأتاسي حياته – عصره .. العمل في الإدارة العثمانية

محمد رضوان الأتاسي

هاشم الأتاسي حياته – عصره ..

الفصل الثاني – العمل في الإدارة العثمانية

 بدأ هاشم بإطلاق لحيته في اسطنبول وكان ما يزال فتى يافعاً، وحين عاد إلى حمص للزواج بعد انتهاء دراسته العليا عام 1894 في اسطنبول، كانت لحيته قد اكتملت، فهو كان يجبّ أن يبدو بمظهر الرجل الناضج وأكبر من عمره الحقيقي، وثد اضطر لتكبير عمره سبعة أعوام في سجل النفوس ليصبح سنّه مناسباً لتحقيق شروط أول وظيفة إدارية عُين فيها في بيروت عام 1893 وهي :”بمعية والي بيروت”.

من هذه الشروط أن يكون المعّين لها قد تجاوز السابعة والعشرين من عمره (ولهذا مازال تاريخ ميلاده الرسمي في قيود النقوس في حمص هو 1866، بينما تاريخ ميلاده الحقيقي هو 1873″. وتعني هذه الوظيفة بشكل ما إنه كان  مساعداً للوالي أو أمين سره أو مدير مكتبه. وبقي في بيروت بهذا المنصب ثلاث سنوات أنجبت زوجته خلالها بكره سري عام 1895 وثاني أبنائه ناظم عام 1897م.

وفي حين كانت دراسته في حمص وبيروت باللغة العربية مع دروس بالفرنسية في بيروت، كانت دراسته العالية في اسطنبول باللغتين التركية والفرنسية. فأجاد إلى جانب العربية لغته الأم: الفرنسية والتركية.

أثناء إقامته في بيروت وعمله فيها توطَدت علاقاته مع الكثيرين من أبناء لبنان وشبابها الذين تبوؤوا فيما بعد مراكز الزعامة في لبنان، منهم على سبيل المثال: الأمير شكيب أرسلان، وسليم “أبو علي سلام” وأمين بيهم، وعمر الداعوق، ورضا الصلح، وغيرهم من آل الأسعد والخليل وحمادة  وجنبلاط وإدة ولحود والتويني وسرسق والرياشي والخازن والخوري.

في عام 1897 عُين بمنصب قائمقام قضاء المرقب “الذي تحول إسمه فيما بعد إلى قضاء بانياس”، وبقي فيه أكثر من عام بقليل، وصادق أهالي هذه المنطقة.

ثم عُين قائمقاماً لقضاء صهيون “كان اسمه أيضاً قضاء بابنا، تحول فيما بعد إلى قضاء الحفة، كما تحول اسم قلعة صهيون إلى قلعة صلاح الدين في أواخر خمسينيات القرن العشرين”، وفي الحفة أنجبت زوجته ابنته الأولى روحيه.

ثم عُين من جديد قائمقاماً لقضاء المرقب وأقام في مدينة بانياس هذه المرة ثلاث سنوات حتى عام 1902 حيث أنجبت زوجته ابنته الثانية  صبيحة.

ومنها نُقل إلى قضاء صفد في فلسطين ومكث فيها أقل من عام بقليل، عُين بعدها عام 1903 قائمقاماً لقضاء صور وجبل عامل في لبنان. منها نقل إلى قضاء السّلط جنوب دمشق “في المملكة الأردنية الهاشمية حالياً” حيث مكث ثلاث سنوات تقريباً شغل فيها لفترة منصب متصرف الكرك بالوكالة، وفيها أنجبت زوجته ابنه عدنان.

ثم انتقل من جديد إلى الساحل السوري الشمالي قائمقاماً لقضاء جبلة حوالي العام الواحد، نُقل بعدها إلى قضاء عجلون حيث أنجبت زوجته ابنته السادسة شهيمة، قبل أن يُعين قائمقاماً في مدينة بعلبك لقضاء البقاع والهرمل حيث أنبجت زوجته ابنه الأصغر رياض عام 1910م.

شغل بعدها منصب قائمقام حاجين لعدة أشهر، حيث طلب نقله منها لعدم مناسبة هوائها لصحته، فعُيّن قائمقاماً ليافا في فلسطين عام 1912م.

في عام 1913 رُقّي إلى منصب متصرف لواء (محافظ)، وَعُيّن متصرفاً على لواء حماه وحمص. بقي في حماة أقلّ من عام واحد، عُين بعدها متصرفاً على لواء عكا، وكان يضم شمال فلسطين وقسماً من جنوب لبنان.

بعد اندلاع الحرب العالمية الأول نُقل متصرفاً على لواء جبل بركات بالأناضول الجنوبي لعدة أشهر، عُيّن بعدها متصرفاً على لواء بوردور في الأناضول الغربي الأوسط. وبقي في مدينة بوردور حتى انتهاء الحرب وهزيمة العثمانيين، فعاد إلى مدينته حمص. وقد أقام أهالي مدينة بوردور ووجهاؤها احتفالاً تكريمياً قبل مغادرته مدينتهم، بالرغم من غضبهم الشديد وقتئذ كأتراك على العرب بسبب الثورة العربية الكبرى ومشاركة العرب للحفاء في تحقيق هزيمة الإمبراطورية العثمانية الإسلامية.

وقد زاره وفد من أهالي هذه المدينة بعد حوالي الأربعين عاماً في حمص (1955) وقدموا له كهدية صورة حديثة لمدينتهم، عربوناً لمحبتهم له واعترافاً له بالخدمات الجليلة التي قدمها لمدينتهم ولوائهم أثناء الحرب العالمية الأولى.

من الواضح أن تعيينه في الأناضول بعد اندلاع الحرب العالمية الأولى، كان بهدف إبقائه تحت المراقبة المباشرة للسلطات العثمانية،  لإبعاده عن أصدقائه وأبناء جلدته العرب الذين شارك الكثير منهم في الثورة العربية الكبرى بقيادة الشريف حسين.

خلال إقامته في المدن السورية واللبنانية  والفلسطينية والأردنية صادق أهالي هذه المناطق، ودامت هذه الصداقات طويلاً حتى بعد تقسيم بلاد الشام وانفصال هذه المناطق عن بعضها.

وربما كان انتخابه بأكثرية ساحقة (شبه إجماع) عام 1919 رئيساً للمؤتمر السوري من قبل مندوبيين ممثلين لجميع مناطق بلاد الشام نتيجة لهذه الصداقات التي نسجها خلال إقامته المتنقلة في هذه المناطق حوالي الربع قرن.

كانت حياته الإجتماعية والعائلية متغيرة حسب ظروف المدن والبلدات والمناطق التي أقام فيها. ففي بيروت وعكا ويافا وحماه كانت الظروف المعيشة متطورة وعصرية نسبياً وفيها بعض التقدم والرخاء. وفي بقية المناطق كانت الظروف أكثر صعوبة وقساوة والحياة أكثر بساطة وتقشفاً. لكنه استمتع في جميع الأماكن التي أقام فيها. فهو كان يهوى طوال حياته المشي على الأقدام كل يوم في الريف خارج المدن، حيث الهواء النقيّ النظيف، وهذا أُتيح له حيثما حلّ.

كما كان يجبّ القراءة والمطالعة، ولم يكن من الصعب عليه الحصول على الكتب التي كان يرغب في قراءتها. وكان من طبيعته التواصل مع الناس من جميع الأوساط والثقافات والطبقات، وهذا أيضاً أتيح له في جميع المناطق التي تنقّل فيها.

أودع ابنيه الكبيرين سرّي وناظم في مدرسة ابتدائية ذات نظام داخلي في مدينة زحلة. ثم أرسلهما عام 1912 إلى باريس لمتابعة دراستهما الثانوية فيها. ولما اندلعت الحرب العالمية الأولى عام 1914، انتقل ابنه البكر سرّي إلى جنيف في سويسرا ليتابع دراسته في كلية الحقوق، وعاد ابنه الثاني ناظم إلى حمص. أما أبناؤه الآخرون، الأطفال الأصغر سناً، فقد كانوا يتابعون دراستهم وتعليمهم في المدن التي كان يقيم فيها.

ولعل هذه السنوات الخمس والعشرين التي قضاها متنقلاً في الوظائف الإدارية في منطقة إلى أخرى في بلاد الشام، كانت من أهنأ أيام حياته وأسعدها.

الحرب العالمية الأولى والثورة العربية الكبرى

بالرغم من عدم اشتركه بالثورة العربية الكبرى على الأتراك، إلا أنه كان متعاطفاً معها ومخلصاً لأصدقائه المشاركين فيها. فمثلاً حين كان متصرفاً في مدينة بوردور بالأناضول، وكانت هذه المدينة محطة أساسية للقطارات العابرة للأناضول بين اسطنبول وحلب، وصل إلى علمه أن أحد أصدقائه الملاحقين من قبل السلطات العثمانية، وصل إلى محطة القطار، فذهب فوراً إلى المحطة لاستقباله، وأخذه معه ضيفاً في عربته إلى منزله. وقد طلب منه هذا الصديق ينزله من عربته ويتركه ويبتعد عنه كي لا يصيب هاشماً الأذى من جراء ذلك.

لم يشارك بالثورة العربية الكبرى، بالرغم من تعاطفه معها، ومآخذه على رجال الحكم العثمانيين في تسلطهم على البلاد العربية ومحاولتهم فرض اللغة التركية على العرب خلال عهد حكم الإتحاد والترقي. كان رأيه أن هؤلاء أخطؤوا كثيراً بزج الدولة العثمانية في أتون الحرب العالمية الأولى إلى جانب الألمان.. أخطؤوا بحق أنفسهم وبحق مصالح دولتهم.

ويمكن أن تستنتج بعض الأسباب لعدم مشاركته بالثورة العربية الكبرى:

– كموظف في هذه الدولة، كان يعتقد أنه يجب ألا يخون الإدارة التي وثقت به وحملته مسؤوليات إدارية على مستوى عال.

– عدم ثقته بجدوى التحالف مع أعداء الدولة التي وُلد فيه ونشأ في كنفها بالرغم من كل المساوئ والعيوب التي تشوب هذه الدولة.

– إيمانه بأن الإصلاح ينبغي أن يأتي من الداخل ومن القوى الشعبية الحية داخل المجتمع، وليس بالتحالف مع أعداء الدولة، وبمعونة الطامعين باقتسامها وإفسادها، والحاقدين على شعوبها. وهو لم يكن يؤمن بالميكافيلية، بل كان يعتقد تلازم الوسيلة والهدف أخلاقياً.

– طبيعته المسالمة المؤمنة بالتطور الطبيعي والإصلاح التدريجي، وليس بالعنف والعنف المضاد الذي غالباً ما يسبب الأذى الكبير حتى للأهداف والفئات التي مورس هذا العنف من أجلها وباسمها.

وقد أثبتت الأحداث التي تعاقبت على سوريا والعرب فيما بعد صواب رؤيته وبعد نظره.

فقد عامل الإنكليز الفرنسيين حلفاءهم العرب في الحرب العالمية الأولى، والثائرين ضد دولتهم الإمبراطورية العثمانية الإسلامية، أسوأ من معاملتهم لأعدائهم في هذه الحرب من الألمان والأتراك المهزومين، والذين تسبّبوا في قتل الملايين من مواطنيهم وأبناء جلدتهم.

فبريطانيا، حيث حرضت ودعت الشريف حسين للثورة ضد الإمبراطورية العثمانية الإسلامية، وعدته بشكل رسمي وقاطع، من خلال مراسلات حسين – مكماهون بإقامة دولة عربية واحدة تشمل كل البلاد المتكلمة باللغة العربية في الإمبراطورية العثمانية (وما تبقى منها وقتئذ). لكنها بعد إطلاقها هذه الوعود بفترة  وجيزة، عقدت معاهدة سرية (سايكس – بيكو) مع فرنسا قررت فيها هاتان الإمبراطريتان كيفية تقاسم هذه البلاد بعد تقسيمها وشرذمتها.

كما وعدت الحركة الصهيونية، الناشئة حديثاً بإقامة وطن قومي لأتباع الدين اليهودي بالعالم في فلسطين على حساب شعبها العربي المتسامح والمتعدد المذاهب والأديان (وعد بلفور وزير خارجية بريطانية إلى المصرفي الصهيوني روتشيلد)، خالقة بهذا، وبشكل مقصود ومخطط، بؤر نزاعات دامية تقف حائلاً أمام أية انطلاقة إيجابية وبناءة لتطور شعوب المنطقة.

بينما عامل الحلفاء أعداءهم الأتراك في هذه الحرب معاملة الأصدقاء والحلفاء، وبكثير من الكرم على حساب حيرانهم من العرب والأكراد والأرمن وغيرهم، فسمحوا لهم بإقامة دولة كبيرة موحدة تضم، بالإضافة إلى الأراضي التي كان الأتراك يؤلفون أغلبية فيها بالإمبراطورية العثمانية المهزومة، أراضي يؤلف غيرهم أغلبية سكانية فيها، فقد ضمت الدولة التركية الجديدة: شمال شرق الأناضول حيث كان للأرمن حضوراً كبيراً، وجنوب شرق الأناضول حيث يشكل الأكراد بشكل رئيسي والعرب بنسبة أقل أغلبية سكانية ساحقة، وكيليكيا جنوب الأناضول حيث كان العرب والأكراد والأرمن يشكلون الأغلبية. وبعد أقل من عشرين عاماً على ذلك وقبل الحرب العالمية الثانية بقليل، تنازل الفرنسيون لهم عن لواء الإسكندرون بعد سلخة عن سورية.


انظر:

هاشم الأتاسي حياته – عصره .. مقدمه

هاشم الأتاسي حياته – عصره .. البيئة والعائلة

المراجع والهوامش:

(1). (1895- 1937) عمل مديراً إدارياً في مجلس الشورى وفي المجلس النيابي السوري، وأولاده: المحامي الفضل، بادية، ورد.

(2). (1897- 1964) عمل بالزراعة حيث أنفق كل ثروته في استصلاح أراضي زراعية بور شرقي حمص، أولاده: أسيلة، هالة، فلك، هزار، والصيدالي هشام.

(3). (1869- 1946) زعيم ومفكر لبناني وإسلامي. قائم مقام الشوف ثم نائب حوران في مجلس المبعوثان العثماني، أقام بعد ذلك في دمشق وبرلين وجنيف، كتب وعمل بالأدب والسياسة والتاريخ، عضو المجمع العلمي العربي، لقُب "أمير البيان".

(4). (1860- 1935) زعيم وطني عربي ولبناني، قائم مقام ثم متصرف ثم نائب في مجلس المبعوثان العثماني (1909) ألف "الحزب الحر العربي المؤتلف" و"حزب الحرية والائتلاف" في استانبول. شغل في دمشق مناصب رئاسة مجلس شورى الدولة ووزارة الداخلية مرتين في وزارات رضا الركابي وهاشم الأتاسي (1920).

(5). اسم قلعة وقرية على جبل قريب من بانياس

(6). اسم قلعة وقرية

(7). اسم قرية قريبة من قلعة صهيون

(8). اسم بلدة أصبحت مركزاً للقضاء في أواخر القرن التاسع عشر.

(9). (1900 - 1933) ابنها الوحيد: الدكتور طارق "مدير مصرف".

(10). (1901- 1985) أبناؤها: الدكتور النضر "مستشار بالأمم المتحدة" أميمة ورشا.

(11). (1907- 1993) أبناؤها: حسان (موظف مالية)، توفيق وفيحاء.

(12). (1910- 1996) موظف بالدولة، قائمقام ثم مفتش دولة ورئيس مكتب تفتيش الدولة. أبناؤه: المهندس رضوان "مؤلف الكتاب"، الدكتور كنان "مختص بالأمراض الصدرية"، مي، زين، ترجمة لحياته في (1-رجالنا المبرزون: نجيب رويحة وخالد الساعي 2- من هم في العالم العربي: جورج فارس. 3- حديث العبقريات: عبد الغني العطري).

(13). كانت محافظتا حمص وحماة تشكلان لواء واحداً، تتبادل مركزه المدينتان حسب الظروف. انتقل مركز اللواء من حمص إلى حماة آخر مرة مرة عام 1866 عندما عيّن هولو باشا العابد متصرفاً على اللواء

(14). تعتبر هذه المراسلات بالقانون الدولي وثائق رسمية ملزمة

(15). حتى ذلك الوقت كانت الأكثرية الساحقة من أتباع الدين اليهودي في العالم لا تؤيد بل تعارض الحركة الصهيونية.

المصدر
من كتاب: هاشم الأتاسي حياته - عصره، تأليف محمد رضوان الأتاسي



 أحداث التاريخ السوري بحسب السنوات


سورية 1900 سورية 1901 سورية 1902 سورية 1903 سورية 1904
سورية 1905 سورية 1906 سورية 1907 سورية 1908 سورية 1909
سورية 1910 سورية 1911 سورية 1912 سورية 1913 سورية 1914
سورية 1915 سورية 1916 سورية 1917 سورية 1918 سورية 1919
سورية 1920 سورية 1921 سورية 1922 سورية 1923 سورية 1924
سورية 1925 سورية 1926 سورية 1927 سورية 1928 سورية 1929
سورية 1930 سورية 1931 سورية 1932 سورية 1933 سورية 1934
سورية 1935 سورية 1936 سورية 1937 سورية 1938 سورية 1939
سورية 1940 سورية 1941 سورية 1942 سورية 1943 سورية 1944
سورية 1945 سورية 1946 سورية 1947 سورية 1948 سورية 1949
سورية 1950 سورية 1951 سورية 1952 سورية 1953 سورية 1954
سورية 1955 سورية 1956 سورية 1957 سورية 1958 سورية 1959
سورية 1960 سورية 1961 سورية 1962 سورية 1963 سورية 1964
سورية 1965 سورية 1966 سورية 1967 سورية 1968 سورية 1969
سورية 1970 سورية 1971 سورية 1972 سورية 1973 سورية 1974
سورية 1975 سورية 1976 سورية 1977 سورية 1978 سورية 1979
سورية 1980 سورية 1981 سورية 1982 سورية 1983 سورية 1984
سورية 1985 سورية 1986 سورية 1987 سورية 1988 سورية 1989
سورية 1990 سورية 1991 سورية 1992 سورية 1993 سورية 1994
سورية 1995 سورية 1996 سورية 1997 سورية 1998 سورية 1999
سورية2000

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى