مقالات
خالد محمد جزماتي : ثورات المنطقة الشمالية على الفرنسيين (5/ 5)
خالد محمد جزماتي – التاريخ السوري المعاصر
بعد أن اتخذ ابراهيم هنانو قراره بالسفر الى شرقي الأردن عبر بادية الشام، رافقه في رحلته الشاقة أكثر من أربعين مجاهداً، منهم المستشار الاداري عمر زكي الأفيوني والمقدم خالد ناطق والضابطين هاشم جمال وابراهيم الشغوري..
ولم يصل الى الأردن من هؤلاء الى الأردن سوى هنانو، وكانت رحلة تفاصيلها وردت في مراجع كثيرة مثل ما رواه الصحفي المجاهد منير الريس عن لسان ابراهيم هنانو نفسة، وهي تصلح لأفضل مسلسل تلفزيوني يتحدث عن احدى ثورات بلاد الشام العربية..
وفي تلك الحوادث شهود عيان عن خطورة التخلف في الكيد للقادة التاريخيين للأمة العربية عن طريق الخيانة والتعاون مع الدخيل الأجنبي المستعمر لبلادنا، والذي من أجل المال والسلطان لا يردع أولئك رادع.
أما القسم الثاني من الثوار فقد اّثر البقاء على الأرض والخلود الى السكينة نظرا لضيق الحال وتوقف المساعدات والامدادات ولأسباب شخصية أهمها التقدم في العمر..وهذا القسم أقسم بأغلظ الايمان أنه لن يخون القضية مهما تكبدوا من نكبات اذا حلت بهم.
أما القسم الثالث بزعامة نجيب عويد فقد قرروا اللجوء الى القرى التركية المجاورة للأراضي السورية كما حددتها اتفاقية سايكس – بيكو المشؤومة، وكان عدد هؤلاء يزيد على المائة مجاهد منهم القائد الشيخ يوسف السعدون والرئيس مصطفى الحاج حسين والقائد عقيل السقاطي والقائد نجيب البيطار…
أما هنانو ومن معه فقد خاضو معارك شديدة مع الفرنسيين وأعوانهم في البادية السورية، ولما وصل هنانو الى الأردن ضايقته الأجهزة البريطانية، فتوجه الى القدس، وهناك تم القبض عليه من قبل البريطانيين وسلموه الى السلطات الفرنسية، والتي حاكمته في حلب في مشاهد درامية تستحق مقالات مفصلة خاصة بها، ولكن ملخصها أن المحامي الحلبي “فتح الله الصقال” قام بالدفاع عن هنانو وحصل على حكم البراءة له.
القسم الثالث توجه الى الداخل التركي ومن هناك بدأت غزواته ضد الفرنسيين عن طريق الكمائن وخوض معارك كبيرة كان أولها يوم 26 اّب 1921، حيث هاجم الثوار قافلة للبريد بين انطاكية ودركوش وقضو على جميع أفراد القافلة وعددهم ستة عشر جنديا مع قائدهم.
وأيضا قام المجاهد عقيل السقاطي مع عشرة من رفاقه باجتياز الحدود السورية من تركيا، وهاجم دار الحكومة في بلدة “السفيرة ” وقتل جميع أفراد حاميتها من الفرنسيين ثم انسحب بعد خسارة ثلاثة من الشهداء.
وفي عام 1923 دخل الأراضي السورية القائد نجيب البيطار ووصل قرب ادلب، حيث اصطدم مع سرية فرنسية وظل يقاتل مع رفاقه حتى استشهدوا جميعا، وكان عددهم عشرون مجاهدا .
ولما قامت الثورة السورية الكبرى عام 1925، واشتركت حماة فيها في بدايات شهر تشرين الأول من ذلك العام، قام ابراهيم هنانو بالاتصال مع الثوار المتمركزين في تركيا واتفق معهم على دخول أكثر من مائة مجاهد الى الأراضي السورية تحت قيادة يوسف السعدون ومصطفى الحاج علي وعقيل السقاطي، وأجمل شيء حدث في هذا الدعم الوطني هو قيام الحاج “فاتح المرعشلي” بتمويل هذه السرية من المجاهدين والتكفل بتكاليغها.
وأول أعمال تلك السرية هو وصولهم الى بلدة كفر تخاريم والاشتباك مع الفرنسيين الذي حاولو تطويقهم ، ولكن الشجاعة تغلبت على الكثرة ، وفيها جُرح المجاهد مصطفى الحاج حسين.
بعد ذلك قام المجاهد عقيل السقاطي مع فصيل من المجاهدين باحتلال مخفر جسر الحديد بعد قتل أكثر من فيه متبعا خطة عسكرية رائعة تستحق مراجعتها وشرحها كأنموذج للعمليات الفدائية …
ولقد دامت عمليات حرب العصابات في الشمال السوري من 20 كانون الأول 1925 حتى 15 نيسان 1926 ..وكانت اّخر معاركهم تلك التي جرت في ” تل عمار ” فيها استشهد القائد عقيل السقاطي وثلاثة عشر مجاهداً.
بعد هذا التاريخ قامت السلطات التركية باستدعاء المجاهد نجيب عويد، وطلبت منه التوقف عن مهاجمة الفرنسيين من خلال الأراضي التركية وهددته بالاعتقال مع سائر الملتجئين من الثوار وعائلاتهم، وتسليمهم الى السلطات الفرنسية، وأيضا قل الدعم المادي وأصبحت الذخيرة صعبة المنال، فتوقفت العمليات بشكل نهائي ضد قوة دولة عظمى من قبل فدائيين شجعان من الشمال السوري.
المصادر :
– تاريخ الجيش العربي السوري ” المجلد الأول “.
– مذكرات فوزي القاوقجي.
– كفاح الشعب العربي السوري للدكتور احسان هندي.
– تاريخ الثورات الفرنسية في عهد الانتداب الفرنسي لأدهم اّل الجندي.
– نضال شعب وسجل خلود لجميل العلواني.
انظر:
خالد محمد جزماتي : ثورات المنطقة الشمالية على الفرنسيين (1 / 5)
خالد محمد جزماتي : ثورات المنطقة الشمالية على الفرنسيين (2 / 5)
خالد محمد جزماتي : ثورات المنطقة الشمالية على الفرنسيين (3/ 5)
خالد محمد جزماتي : ثورات المنطقة الشمالية على الفرنسيين (4/ 5)