مقالات
خالد محمد جزماتي : ثورات المنطقة الشمالية على الفرنسيين (4/ 5)
خالد محمد جزماتي – التاريخ السوري المعاصر
المجاهد نجيب عويد ( 1870- 1961 )
هو أحد القادة الميدانيين في ثورة ابراهيم هنانو (1869-1935) وأشتهر ضمن تقرير وضعه القائد فوزي القاوقجي في 8/2/1939 عن الوضع في شمال سورية لإشعال ثورة هناك (ورد هذا التقرير في مذكراته من صفحة 592 الى صفحة 596)، ذكر فيه تحت عنوان ” معلومات عن نجيب عويد”.
قال : استطعت في هذه الزيارة أن أسمع من متنفذي قرى الجبل الأعلى بعض الأحاديث عن نجيب عويد القائم بتهيئة حركة الشمال بأنهم يعتقدون بإخلاصه وتدينه حتى أنه كان يطبق أحكام الشرع على المنطقة الثائرة في عهد ثورة ابراهيم هنانو وإنه كان العامل الفعال في تلك الثورة حتى أصبح صاحب النفوذ الأول، وبما أنه كان غير متعلم فقد كان اسم المرحوم هنانو يطغى على اسمه، وكان المرحوم هنانو يخشاه ويحذره حتى هدد نجيب عويد ابراهيم هنانو بالقتل.
كما قتل القائم مقام العسكري عاصم بك من قادة تلك الثورة لأنه ارتكب جرم سلب قرية “السقيلبية” في جهات حماة، وسجن الضابط التركي بدري بك وقتل عددا من الثوار والأهلين بتهم شتى، فهو ثقيل الوطأة وليس من محذور من استخدامه في الحركة إلا الخوف من طغيانه ونفوذه اللذين قد يتعبان القيادة العامة “.
ولد المجاهد نجيب عويد في بلدة كفر تخاريم سنة 1870 ومات سنة 1961 ودفن فيها. وعند قيام ثورة الشمال السوري كان نجيب عويد من أعمدتها، وفي بدايات الثورة تسلم أمانة السر للثورة الذي بلغ عددها 50 مجاهدا، تمكنت من تسليح نفسها بالبنادق والقنابل. وقد سلمه القائد ابراهيم هنانو بعد ذلك منطقة تشمل كفر تخاريم وادلب وحارم وجبل سمعان ..
عاش نجيب عويد حياته ثائرا مجاهداً، ووهب حياته للثورة، ولم تكن له عائلة أو أولاد، وحضر جميع معارك الثورة منذ إعلانها في العاشر من نيسان 1919م.
كان يتمتع بشخصية صارمة وترأس أكثر المحاكم الميدانية أثناء الثورة، واستطاع ضبط تصرفات الثوار وقضى على أكثر الأخطاء. ومن تلك التصرفات الشنيعة ما قام به قائد القوة التركية التي كان يقودها العقيد التركي “عاصم بك” (دخلت تلك القوات التركية وهي تعادل سرية مشاة مدعمة بعدد قليل من المدافع والرشاشات الى الأراضي السورية بموجب اتفاق بين هنانو والأتراك في بداية ثورة الشمال)، بعد دخوله بلدة ” السقيلبية ” المسيحية بدون أية أوامر من قادة الثورة ومنهم نجيب عويد المسؤول وقتئذ عن معارك تلك المنطقة، ..
ولما تم ابلاغ نجيب عويد بما حصل، قام باعتقال القائد التركي وشكل له محكمة ميدانية حكمت باعدامه، فأعدمه…
ولقد اشترك المجاهد نجيب عويد وقواته بأكثر المعارك في ثورة الشمال، وعندما نكث الأتراك بعهودهم وخذلوا الثوار ومنعوا عنهم المساعدات ولو كانت عن طريق الشراء، كاحدى نتائج اتفاقهم مع الفرنسيين وتسلمهم لمنطقة كيليكيا وانسحاب أكثر من خمسين ألفا من الجنود الفرنسيين الذين كانوا في اشتباك دائم مع الأتراك، وهكذا تعززت قوى الفرنسيين وضعف التمويل ومنعت عن الثوار الأسلحة والذخيرة، فاضطر هنانو لدعوة القادة الميدانيين لمؤتمر تداولوا فيه مستقبل ثورتهم.
اقترح نجيب عويد اللجوء الى تركيا وشن حرب العصابات على الفرنسيين كلما سنحت الفرصة، ولكن هنانو ومن شدة تأثره بخيانة الأتراك له وللثورة أبى ذلك ورفض اقتراح نجيب عويد، بل قال له حسب ما روته بعض المصادر ” والله لو خُيّرت أن أكون مسلما تركيا أو مسيحيا عربياً، لاخترت الثانية، ولذا فاني أفضل اجتياز الصحراء الشاسعة الى شرقي الأردن لأعيش في كنف حكومة عربية على أن ألتجأ لتركيا لا تبعد عنا أكثر من ثلاثين كيلومترا” (هذا القول منقول من الصفحة 80 من كتاب كفاح الشعب العربي السوري للدكتور احسان هندي).
ولقد نفذ هنانو انسحابه عبر الصحراء مع ثلة من المجاهدين الى شرق الأردن، وقصة عبوره الصحراء تستحق مقالات عدة يتوجب نشرها وقراءتها بتمعن شديد…
أما المجاهد نجيب عويد فقد نفذ ما قاله وانسحب مع بعض القادة والمجاهدين الى تركيا ومن هناك خاض مع الاّخرين من رفاقة معارك شرسة أوقعت بالفرنسيين وأعوانهم خسائر جسيمة جدا ذكرتها المصادر العربية والفرنسية.
وكانت اّخر المعارك التي خاضها المجاهدون خلال شهر نيسان 1926، تكبد فبها الفرنسيون سبعة وعشرين قتيلا ، وسقطت لهم طائرة حربية، ولكن وبسبب ضغط الدولة الفرنسية على الأتراك، أرسلوا وراء نجيب عويد وطلبوا منه وقف الهجمات على الفرنسيين من الأراضي التركية وهددوه بالاعتقال وتسليمه ورفاقه للقرنسيين، وهكذا انتهت ثورة الشمال وبدأت مرحلة جديدة للنضال الوطني لنيل الاستقلال.
المصادر :
– تاريخ الجيش العربي السوري ” المجلد الأول “.
– مذكرات فوزي القاوقجي.
– كفاح الشعب العربي السوري للدكتور احسان هندي.
– تاريخ الثورات الفرنسية في عهد الانتداب الفرنسي لأدهم اّل الجندي.
– نضال شعب وسجل خلود لجميل العلواني.
انظر:
خالد محمد جزماتي : ثورات المنطقة الشمالية على الفرنسيين (1 / 5)
خالد محمد جزماتي : ثورات المنطقة الشمالية على الفرنسيين (2 / 5)
خالد محمد جزماتي : ثورات المنطقة الشمالية على الفرنسيين (3/ 5)