مقالات
هاشم الأتاسي حياته – عصره (4) .. المؤتمر السوري العام ولجنة الاستفتاء الأميركية
عهد الاستقلال الأول- الحكومة العربية
محمد رضوان الأتاسي
هاشم الأتاسي حياته – عصره.
الفصل الثالث – عهد الاستقلال الأول -الحكومة العربية- المؤتمر السوري العام والقرار الذي وجهه إلى لجنة الاستفتاء الأميركية
لما تّمت هزيمة الأتراك وتفككت الإمبراطورية العثمانية، عاد هاشم الأتاسي إلى و طنه سوريا حيث عينته الحكومة العربية الفتية بدمشق محافظاً (متصرفاً) في حمص.
في ربيع عام 1919 قرر الأمير فيصل وحكومة رضا باشا الركابي عقد المؤتمر السوري في دمشق. فجرت في المناطق الداخلية من سورية الطبيعية، أي في دمشق وحمص وحماه وحلب ودير الززور وشرقي الأردن، انتخابات حسب قانون الانتخاب العثماني.
وكانت هذه الانتخابات تقوم على درجتين، في الدرجة الأولى ينتخب الشعب المنتخبين الثانويين الذين ينتخبون بدورهم المندوبين إلى المؤتمر السوري في دمشق.
وتم إعتماد المنتخبين الثانويين الذين كان جرى انتخابهم إلى آخر مجلس مبعوثان عثماني عام 1913م.
انتخب هاشم الأتاسي ووصفي الأتاسي مندوبين عن حمص في هذا المؤتمر.
أما في المناطق الساحلية والجنوبية من سوريا الطبيعية (أي لبنان وفلسطين والساحل السوري الحالي ولواء الإسكندرون)، والتي كانت محتلة وتُحكم بشكل مباشر من الفرنسيين والإنكليز، فقد شارك مندوبوها في المؤتمر بتوكيل من زعماء وأعيان هذه المناطق لتعذّر إجراء انتخابات فيها.
وقد عبّر هؤلاء المندوبون للمؤتمر السوري بشكل صادق وفعال عن تطلعت الشعب السوري بمناطقه المختلفة. وكانوا يتمتعون بصفات ثقافية وعلمية وإجتماعية ووطنية وأخلاقية تؤهلهم لتمثيل مناطقهم وهذا الوطن الوليد خير تمثيل بالرغم من جميع الصعوبات الداخلية، واحتلالات الجيوش الأجنبية بشكل مباشر لمناطق الساحل وتواجدها في بقية المناطق والأطماع الخارجية.
فكان معظمهم ذو ثقافة ومؤهلات عالية: منهم بعض كبار رجال الإدارة العرب في الإمبراطورية العثمانية، ومنهم علماء دين، ومحامون، وأطباء، وضباط سابقون في الجيش العثماني، وسياسيون ناشطون سُجن بعضهم أو نُفي من قبل الأتراك.
تزعّم الكثيرون منهم الكفاح الوطني ضدّ الانتدابيين الفرنسي والإنكليزي في سوريا ولبنان وفلسطين فيما بعد، وفي قيادة الوطنيين الفلسطينيين ضد الحركة الصهيونية والانتداب الإنكليزي في فلسطين.
وقد دعم هذا المؤتمر مع الحكومتين العربيتين المنبثقتين عنه (حكومتا رضا باشا الركابي، وهاشم الأتاسي، أول حكومتين في تاريخ سوريا المستقلة المعاصر) الثورات السورية التي قامت في المناطق التي كانت تحلتها وتحكمها الجيوش الأجنبية.
فإبراهيم هنانو مندوب حارم في المؤتمر السوري تزعم ثورة الشمال وقد استمرت هذه الثورة حتى بعد دخول الفرنسيين دمشق.
وصبحي بركات مندوب أنطاكية تزعم الثورة في منطقته.
ومحمود فاعور مندوب القنيطرة قاد ثورة الجولان.
وكذلك قاد عبد الرزاق الدندشي مندوب تلكلخ ثورة الدنادشة.
ونسق هؤلاء مع ثورة صالح العلي، في الجبال الساحلية التي تلقت الدعم المادي والمعنوي من المؤتمر السوري والحكومة العربية في دمشق.
انتخب المؤتمر السوري هاشم الأتاسي في الجلسة الأولى التي عقدها في 3 / 6 / 1919 في مقر النادي العربي بدمشق، وبالإجماع رئيساً له.
وكان أول من واجهه المؤتمر هو مجئ لجنة الاستفتاء الأميركية (لجنة كرين). وقد فوض المؤتمر وفداً من واحد وعشرين مندوباً يمثلون جميع مناطق سورية، وبرئاسة هاشم الأتاسي، لمقابلة هذه اللجنة. فصاغ هذا الوفد مشروع قرار يعبر عن رأي المؤتمر، وبالتالي عن رأي الشعب السوري بجميع مناطقه وطوائفه، و فئاته، أقره المؤتمر ثم سلمه إلى لجنة الاستفتاء (لجنة كرين) حين اجتمع معها في 3 تموز 1919.
نص القرار الذي وجهه المؤتمر السوري إلى لجنة الاستفتاء الأميركية:
(إننا نحن الموقعين أدناه إمضاءاتنا وأسماءنا أعضاء المؤتمر السوري العام المنعقد في دمشق الشام والمؤلف من مندوبي جميع المناطق الثلاث الجنوبية، والشرقية، والغربية، الحائزين على اعتماد سكان مقاطعاتنا وتفويضهم من مسلمين ومسيحيين وموسويين، قد قررنا في جلستنا المنعقدة في نهار الأربعاء المصادف 2 تموز 1919 وضع هذه اللائحة المبينة لرغبات سكان البلاد الذين انتدبونا، ورفعها إلى الوفد الأميركي المحترم من اللجنة الدولية:
1- إننا نطلب الاستقلال السياسي التام الناجر للبلاد السورية، التي يحدها جبال طوروس وجنوباً رفح فالخط المار من الجوف إلى جنوب العقبة الشامية والعقبة الحجازية وشرقاً نهر الفرات فالخابور والخط الممتد شرقي أبي كمال إلى شرقي الجوف وغرباً البحر المتوسط بدون حماية ولا وصاية.
2- إننا نطلب أن تكون حكومة هذه البلاد السورية ملكية، مدنية، نيابية، تدار مقاطعاتها على طريقة اللامركزية الواسعة، وتحفظ فيها حقوق الأقليات، على أن يكون ملك هذه البلاد الأمير فيصل الذي جاهد في سبيل تحرير هذه الأمة جهاداً استحق أن نضع تمام الثقة بشخه وأن نجاهر بالاعتماد التام على سموه.
3- حيث أن الشعب العربي الساكن في البلاد السورية هو شعب لا يقلل رقياً من حيث الفطرة عن سائر الشعوب الراقية، وليس هو في حالة أحط من حالات شعوب البلغار والصرب واليونان ورومانياً في مبدأ استقلالها، فإننا نحتج على المادة الثانية والعشرين الواردة في عهد جمعية الأمم والقاضية بإدخال بلادنا في عداد الأمم المتوسطة التي تحتاج إلى (دولة) منتدبة.
4- إذا لم يقبل مؤتمر الصلح هذا الاحتجاج العادل لاعتبارات لا نعلم كنهها فإننا بعدما أعلن الرئيس ويلسن أن القصد من دخوله الحرب هو القضاء على فكرة الفتح والاستعمار، نعتبر مسألة الانتداب الواردة في عهد جمعية الأمم عبارة عن مساعدة فنية واقتصادية لا تمس باستقلالنا التام.
5- وحيث أننا لا نريد ان تقع بلادنا في أخطار الاستعمار، وحيث أننا نعتقد أن الشعب الأميركي هو أبعد الشعوب عن فكرة الاستعمار، وإنه ليس له مطامع سياسية في بلادنا، فإنا نطلب هذه المساعدة الفنية والاقتصادية من الولايات المتحدة الأميركية، على أن لا تمس هذه المساعدة استقلال البلاد السياسي التام ووحدتها، وعلى أن لا يزيد أمد هذه المساعدة عن عشرين عاماً.
6- إذا لم تتمكن الولايات المتحدة من قبول طلبنا هذه المساعدة منها، فإننا نطلب أن تكون هذه المساعدة من دولة بريطانيا العظمى، على أن لا تمس باستقلال بلادنا السياسي التام ووحدتها، وعلى أن لا يزيد أمدها عن المدة المذكورة في المادة الرابعة.
7- إننا لا نعتبرف بأي حق تدعيه الدولة الأفرنسية في أي بقعة كانت من بلادنا السورية، ونرفض أن يكون لها مساعدة أو بد في بلادنا بأي حال ومكان كان.
8- إننا نرفض مطالب الصهونيين، بجعل القسم الجنوبي من البلاد السوري أي فلسطين وطناً قومياً لإسرائيل، نرفض هجرتهم إلى أي قسم من بلادنا، لأنه ليس لهم فيها أدنى حق، ولأنهم خطر شديد جداً على شعبنا، من حيث الاقتصاديات والقومية والكيان السياسي.
9- أما سكان البلاد الأصليون من إخواننا الموسويين فلهم ما لنا وعليهم ما علينا.
10- إننا نطلب عدم فصل القسم الجنوبي من سوريا المعروف بفلسطين، والمنطقة الغربية الساحلية التي من جملتها لبنان، عن الخط السوري، ونطلب أن تكون وحدة البلاد مصونة لا تقبل التجزئة بأي حال كان.
11- إننا نطلب الاستقلال التام للقطر العراقي المحرر، ونطلب عدم إيجاد حواجز اقتصادية بين القطرين.
12- إن القاعدة الأساسية من قواعد الرئيس ويلسن التي تقضي بإلغاء المعاهدات السرية تجعلنا نحتج أشد الاحتجاج على كل معاهدة تقضي بتجزية بلادنا السورية، أو كل وعد خصوصي يرمي إلى تمكين الصهيونيين من القسم الجنوبي من بلادنا، ونطلب أن تلغى تلك المعاهدات والوعود بأي حال كان.
هذا وإن المبادئ الشريفة التي صرح بها الرئيس ويلسن لتجعلنا واثقين كل الثقة بأن رغباتنا هذه الصادرة من أعماق القلوب ستكون هي الحكم القطعي في تقرير مصيرنا. وأن الرئيس والشعب الأميركي الحر سيكونون لنا عوناً على تحقيقها، فيثبتون للملأ مصداقية مبادئهم السامية، وغايتهم الشريفة نحو البشرية بنوع عام وشعبنا العربي بنوع خاص، وإنا لنا الثقة الكبرى من أن مؤتمر السلام يلاحط أننا لم نثر على الدولة التركية التي كنا وإياها شركاء في جميع الحقوق التمثيلية والمدنية والسياسية، إلا لأنها تحاملت على حقوقنا قبل الحرب أقل منها بعد الحرب، بعد أن أرقنا من الدماء ما أرقناه في سبيل الحرية والاستقلال.
ونطلب السماح لنا بإرسال وفد يمثلنا في مؤتمر السلام للدفاع على حقوقنا الثابتة تحقيقاً لرغباتنا هذه والسلام.
