وثائق سوريا
كلمة شكري القوتلي في حفل وضع حجر الأساس لبناء مصرف سورية المركزي عام 1957
كلمة شكري القوتلي في حفل وضع حجر الأساس لبناء مصرف سورية المركزي في مساء الثالث من حزيران عام 1957
نص الكلمة:
أيها المواطنون
ببالغ السرور والاعتزاز نحتفل اليوم بوضع حجر جديد في أساس نهضتنا الوطنية واستقلالنا الموطد الأركان، هو الحجر الأساسي لبناء مصرف سورية المركزي في دمشق، وكنا منذ عام خلا قد احتفلنا بتأسيس هذا المصرف الذي باشر على الفور أعمال الإنشاء والتنظيم ويتمّنا خيراً كثيراً بوجه هذه المؤسسة الوطنية التي نعتمد عليها كل الاعتماد في تحقيق ناحية مادية هامة من نواحي السيادة والحرية.
وإنه لمن دواعي الارتياح أن تسير الأعمال الإنشائية والتنظيمية، والعمرانية في أحضان هذه المؤسسة سيراً حثيثاً لابطئ فيه ولا وناء، فيتبع تأسيس المصرف المركزي في دمشق، تأسيس المصرف في حلب منذ أيام مضت وإعداد العدة الأخيرة لإنشائه قريباً في اللاذقية، ثم بقية المحافظات تباعاً.
وبذلك نشعر حق الشعور أننا في سبيل استكمال أسباب العزة والسيادة ولا ندخر طاقة، ولا نقف عند صعوبة، وأن الصرح الذي رفعناه للعلاء منذ جلاء قوات الاحتلال عام 1946، قد توطدت اليوم بعون الله أركانه، وتوفرت له جميع أسباب الدوام، والاستقرار والطمأنينة، واقترنت السيادة السياسية بالسيادة الاقتصادية والنقدية، على أمتن النظم التي تسير عليها الدول الحديثة.
أيها المواطنون الأعزاء
عندما نؤكد أن هذا الصرح الاستقلالي قد توفرت له أسباب ثباته وإطراد نموه فلسنا نرجم بالوهم، أو نعلل النفس بالأماني. فإن واقعنا ينطق بالوقائع والأرقام وعلى أن سيرنا في تدعيم كياننا الاقتصادي والمالي كان سليماً، وإن كان يوصف بعض الأحيان بالسير الوئيد المتأني، أو يتعثر ببعض الحوائل والصعوبات، فليس إلا أننا كما قلت لكم في بعض المناسبات نبني بسواعدنا، ونفكر بأدمغتنا، ونعتمد على أنفسنا، لا على مساعدات خارجية، أو عون خارجي، ونحرص أشد الحرص على حريتنا وسيادتنا وسلامة تعاملنا الدولي من كل ما يمس هذه السيادة، ويعلم القريبون منا والبعيدون، أن وطننا ذو امكانيات اقتصادية واسعة، وإن آفاقتنا الزراعية والصناعية آخذة بالاتساع والإشراف عاماً بعد عام.
كذلك فإن نقدنا ثابت مدعوم بتغطية فعلية، وإننا في مجمل وضعنا الاقتصادي موضع ثقة، واحترام وتقدير.
وإن تكن قد مرت بنا خلال الشهور الأخيرة أزمة اقتصادية، هي رجع الصدى للحملة الإستعمارية الصهيونية الموجهة ضد الجبهة العربية النضالية.
فما ذلك بالأمر الذي تخفى أسراره على أحد من رجال المال والأعمال، وما نحسب أخواننا هؤلاء بغافلين عما تريده السياسة الاستعمارية والصهيونية من الضغط بغية إخضاعنا كما يريدون فرضه علينا.
إن الاقتصاد الوطني أيها الأخوان إنما ينهض في كل أمة من الأمم على دعائم التعاون الفعال، والثقة المتبادلة بين الحكومة والأفراد في سبيل استثمار الثروة الوطنية والإفادة من المرافق العامة، وإن تكن من بعض واجبات الحكومة رسم المناهج الاقتصادية، والبرامج الإنشائية على ضوء الواقع والإمكانات والحاجات، وبالرجوع إلى أراء أهل الخبرة والرأي وأصحاب المصالح من هيئات وأفراد، فإن على هؤلاء أيضاً مقابل ذلك أن يساعدوا في بث الثقة في النفوس وتوسيع آفاق العمل، واستثمار رأس المال، ولابد لهم من أصل ذلك، أن يثقوا أنفسهم وبطاقة بلادهم الاقتصادية ويشعروا أنها لهم وعليهم سواء قويت هذه البطاقة هذه الطاقة أو ضعفت.
وعلى نشاط الهيئات الاقتصادية والأفراد أصحاب رؤوس الأموال يتوقف الكثير من تحقيق البرامج والمشاريع التي يضعونها هم أو تضعها الحكومات وترسم لها سبل السير والنمو.
إن المصرف المركزي في هذه العاصمة، وفي مراكز المحافظات، هو أداة واحدة من أدوات العمل والتعاون بين الحكومة والأفراد في سبيل إنماء الإنتاج وتحسينه في حقلي الزراعة والصناعة، وإننا لنرجو إذا ماتم لهذه المؤسسة الوطنية برنامجها، وما يليه من ضرورات اقتصادية ومالية أخرى كإنشاء مصرف زراعي وتوسيع أعمال المصرف الزراعي لتسليف مشاريع الإنماء والإنتاج وتمويلها.
وهذا ما أصبح قيد التحقيق في مدى زمن قريب، أن تتوفر للبلاد في نهضتها الجديدة جميع الأسباب التي تجعل جهاز الحكم والمصرف المركزي والهيئات الأهلية والأفراد يداً واحدة في مجابهة مسائل تطورنا الاقتصادي وانعاشنا المالي، وإنني إذ أدعو في هذه المناسبة إلى تبادل الثقة والعون، إنما أدعو إلى ذلك بكل الحاح وقوة، وإني لعلى إيمان بأن حكمه رجل الدولة في هذه البلاد وبعد نظره إذا ما التقت بوطنية الأفراد والمؤسسات الأهلية العاملة المنتجة، كان لها من وراء هذا اللقاء كل خير ونفع وقوة.
وإنني لأعود في الوقت نفسه إلى الإستفادة من تجارب الشعوب الصغيرة والكبيرة، التي تقدمتنا في ميادين الإنعاش الاقتصادي، والإصلاح الإجتماعي، لنتجنب كثيراً من الأخطاء والمزالق، التي وقع فيها سوانا، ولنعتبر بسيرة الأقوام والأخوان لتطمحوا إلى بناء اقتصادي ومالي سليم، ينهض عليه كيان إجتماعي وسياسي سليم أيضاً، طالما أن مصدر طموحكم المشروع هو ضميركم الحيّ، ووعيكم المدرك، ووطنيتكم الصادقة، ونشاطكم المعروف في شتى ميادين العمل والإنتاج.
على هذا الأمل الكبير بمستقبل الاقتصاد السوري، والنقد السوري، وبحكمة رجل الدولة، ووطنية رجال المال والأعمال نحتفل باسم الله بوضع الحجر الأساسي لبناء مصرف سورية المركزي في دمشق، راجياً للمشرفين عليه، ولموظفيه كل توفيق ونجاح وسد إليهم من مهام جسيمة في سبيل أمتهم ووطنيتهم.
المراجع والهوامش:
(1). مجموعة خطب الرئيس شكري القوتلي خلال عامين- أيلول 1955 وحتى أيلول 1957م، دمشق عام 1957م
المراجع والهوامش:
(1). مجموعة خطب الرئيس شكري القوتلي خلال عامين- أيلول 1955 وحتى أيلول 1957م، دمشق عام 1957م