خالد محمد جزماتي – التاريخ السوري المعاصر
حدثني والدي، وهو من مواليد 1915 (في الهوية غير ذلك)، أنه نقلنا عند اشتداد المناوشات بين الثوار وجنود فرنسا المحتلة لبلادنا في المدينة وخاصة أننا نسكن في زقاق الشيخ معروف التابع لحي جورة حوا ولحي الجعابرة، وفيهما المجابهات الشديدة والمتاريس المحكمة المقامة أمام دائرة البريد …
نقلني أنا (كان عمري سنتان) وأخوتي وأمنا وجدتي وجدي بواسطة عربة الحنتور الى بستان صديقه المرحوم نصر العلواني القائم في بساتين العوجيات المطلة على نهر العاصي في الجهة الشرقية من المدينة، والتجأ معنا أيضا الى البستان المذكور كل من عائلة المرحوم حسن البوشي أبو محمد، وعائلة المرحوم علي الحافظ أبو مأمون..
هذا الالتجاء الى البساتين شمل أكثر العائلات بأوامر من قيادة عمليات الثورة، عند اشتداد القصف المدفعي والجوي على المدينة، وهذا لا يعني أن الجميع من النساء غادرن المدينة فقد بقي منهن الكثيرات، يجاهدن ويقمن بما يلزم من اسعاف الجرحى وتأمين الطعام والشراب لفصائل الثوار، وأنا كاتب هذه السطور أجنح الى كتابة الأحداث كما هي، بدون مبالغة أو تضخيم.
وما سمعت أو ما قرأت من المصادر الموثوقة، أن المرأة الحموية مدنية كانت، أم ريفية، اشتركن بالثورة خلال معارك النصف الثاني من أيار 1945 حيث تشكلت فرقا من النساء، قامت باعداد الطعام والشراب للمجاهدين في مختلف مواقع القتال، وشاركت تلك الفرق في نقل الحجارة ورصفها في خطوط المتاريس وخاصة في حي الجعابرة وحي المدينة ومنطقة باب النهر وباب طرابلس وبرية باب البلد ومداخل حماة الغربية ،وقرب قرية الظاهرية ( الاّن هي أحد أحياء حماة) وبث روح القتال والنخوة في نفوس المقاتلين في مختلف الجبهات.
كان الدور الأبرز الذي يجب أن يعرفه الجميع ، قيام المرأة الحموية بحماية البيوت التي تسكنها عائلات العسكريين الفرنسيين الذين انسحبوا الى ثكنة ” الشرفة ” عرب المدينة ، ورعايتهم وتقديم جميع مستلزمات الحياة من طعام وشراب وغير ذلك وخاصة ” الاطمئنان بالأمان …
ولم ينس المؤرخون ذكر أسماء بعض المجاهدات اللواتي اشتهرن بشجاعتهن، مثل المجاهدة بدرية علاء الدين الكيلاني (1916-1980) التي كانت تمتطي جوادا أدهما تتنقل بواسطته بين موقع واّخر تتلقى من الثوار أخبارهم وتعتني بتنفيذ ما يطلبونه من ذخيرة وعتاد ، وتساهم مع قريبتها السيدة نورية الكيلاني في نقل الجرحى بعد أن شكلتا فريقا من النساء المتطوعات لمحاربة المحتل الفرنسي الى جانب الرجال، وفي هذا السياق يطيب لي أن أذكر بعض أسماء النسوة المجاهدات الأخريات مثل المرحومة السيدة فوزية عبد الرخيم الريس (1908- 1995) وأختها نظمية والسيدة مطيعة البارودي وصبحية طاهر النعسان ( 1913-1985 ) وسكينة الترمانيني وصبحية حداد وخيرية الترمانيني (1904 – 1983) وغيرهن …….
أولئك النسوة تشهد لهن شوارع دمشق أثناء دراستهن قيها، وكيف اشتركن بشكل فعال مع نساء العاصمة دمشق في النضال ضد حكم الانتداب الفرنسي أواخر العشرينات من القرن الماضي …
وهكذا نساء الثورة في حماة امتلكن الروح الانسانية الحضارية بحمايتهم منازل وأرواح عائلات العدو الفرنسي، مع روح وطنية عارمة وارادة وطنية للقتال من أجل استقلال الوطن، وقبل الختام نذكر بعض أسماء المجاهدات وهن السيدة نجيبة الأرمنازي، والسيدة أم عبد الله الشواف ، ويسرى ظبيان، وأم النور الكردي ، وأم مجوال التركاوي، وغيرهن من النساء الماجدات المجاهدات …
ونساء حماة لم يشاركن المجاهدين من الرجال في الجهاد فقط، بل بالاستشهاد أيضا، وذلك أنبل الأفعال وأعظم التضحيات ، ومن هؤلاء النسوة : الشهيدة رفيقة زوجة السيد محمد حمشو، والشهيدة عائشة محمد الأصفر، والشهيدة بهاء سالم كلاس، والشهيدة فضة جاسم القدور.
بدرية الكيلاني
انظر:
خالد محمد جزماتي : حماة وثورة استقلال سورية في أيار عام 1945 (1)
خالد محمد جزماتي : حماة وثورة استقلال سورية في أيار عام 1945 (2)
خالد محمد جزماتي : حماة وثورة استقلال سورية في أيار عام 1945 (3)
خالد محمد جزماتي : حماة وثورة استقلال سورية في أيار عام 1945 (4)
خالد محمد جزماتي : حماة وثورة استقلال سورية في أيار عام 1945 (5)
خالد محمد جزماتي : حماة وثورة استقلال سورية في أيار عام 1945 (6)
خالد محمد جزماتي : حماة وثورة استقلال سورية في أيار عام 1945 (7)