مقالات
د.عادل عبدالسلام (لاش): قرار إغلاق الجمعيات في سورية، والجمعية الخيرية الشركسية
درس للأبناء والأحفاد
د. عادل عبدالسلام (لاش) – التاريخ السوري المعاصر
لم تكن دروب الجمعية كلُها مفروشة دوماً بالورود، إذ تعرضت خلال العقود المنصرمة إلى خطرين هددا استمرارها ووجودها.
ففي سنة 1959 كانت الجمعية ضمن واحدة من المؤسسات المدنية المحلية السورية، والأجنبية (المدارس، والمشافي، والجمعيات والأندية وغيرها)، التي نظر إليها أولي الأمر في القاهرة، البعيدين عن فهم تعقيدات التركيبة السكانية والاجتماعية في الإقليم الشمالي للجمهورية العربية، نظرة سلبية.
وكان مخططاً للجمعية الخيرية الشركسية إضافة إلى ذلك، أن تحل لما كان يحمله جمال عبد الناصر من موجدة تجاه شراكسة مصر وبصورة خاصة الضباط الشركس في الجيش المصري منذ عهد أحمد عرابي وحتى الثورة.
إذ عبر عبد الناصر عن ذلك في مهرجان إقيم في دمشق (في الملعب البلدي) في سنة 1958، مر فيه نحو مائة من فرسان الشركس بلباسهم القومي أمام منصة عبد الناصر وضيفه الرئيس اليوغوسلافي تيتو، بقوله: (إننا قضينا على هؤلاء (دول…) في مصر، طلعوا لنا هِنا، حَ خَلّص عليهم….). وتشاء الصدف أن يكون بين أفراد الحرس الخاص للزعيمين من سمع هذا التصريح من عبد الناصر، أحد رقباء الشرطة العسكرية الشركس، وهو المرحوم حلمي حلاوة أحد أصدقائي من قرية السلمنية (الصرمان ثم العدنانية)، الذي أعلمنا بذلك في مساء اليوم نفسه. و لكن نصيحة عدد من رجالات سورية، وعرضهم لدور الشركس السوريين وبطولاتهم وتضحياتهم في معارك فلسطين، غيرت الموقف من حـــــل للجمعية إلى الاكتفاء بتغيير اسمها إلى ” جمعية المقاصد الخيرية “، أولاً، ثم إلى ” جمعية المقاصد الخيرية الشركسية”، لوجود جمعيات أخرى تحمل الأسم المذكور، أضيفت إليه كلمة (الشركسية) لتمييزها من الجمعيات الأخرى..
أما الخطر الثاني فكان في فترة انتخابي رئيساً للجمعية الخيرية الشركسية في عام 1982-1984. إذ ماكادت الهيئة الإدارية الجديدة تباشر نشاطاتها، إلا وفوجئت بخطر داهم يهدد وجود الجمعية. إذ اتخذت السلطات السورية قراراً بإغلاق “جمعية المرتضى” التي تاسست سنة 1981 وأصبح لها فروع في أغلب القرى والبلدات والمدن السورية،. حتى أنها كان لها فرع في قريتي مرج السلطان كادرها مؤلف من ثلاثة مسلحين يرأسهم فاروق شريف، وتم حلها في كانون الأول سنة 1983. لكن مفعول القرار امتد ليشمل الجمعيات الخيرية وغيرها من جمعيات سورية مدنية واجتماعية وخلافها..لإعادة النظر في حلها أو وجودها.. والتحقق من عدم مخالفتها للأنظمة والتزامها بالقوانين أوتجاوزاتها لما أنشئت من أجله. بهدف حلها وإغلاقها، وفي الحالة الأخيرة تعود كافة ممتلكات الجمعيات للدولة.
وكان اسم ” جمعية المقاصد الخيرية الشركسية” أي الجمعية الخيرية الشركسية، مدرجاً في القائمة . لكنه وبعد صراع مرير، واتصالات ومقابلات من أجل بقاء الجمعية، وعدم إدراجها في عداد الجمعيات التي تقرر إغلاقها، شطب اسمها فمن القائمة …بجهود الكثيرين من جهة وبسبب السمعة العطرة للجمعية وعدم تسجيل أية مخالفة عليها. وكان للكثيرين من تلاميذي في ثانوية القلمون في النبك، وطلابي في جامعة دمشق، ممن وصلوا إلى مناصب فعالة، ومن بينهم وزير الشؤون الإجتماعية والعمل السيد يوسف جعيداني، وطلاب لي في الحزب مثل السيد أحمد الحسين (أبو فراس) وغيرهم في المؤسسات المسؤولة عن الجمعيات، مواقف مشرفة في دعم الجمعية الخيرية الشركسية أثناء دراسة أوضاع الجمعيات وتقويمها. فكانت النتيجة ومع صدور قرار الإغلاق العام بعد نحو ستة أشهر. الذي شمل مع جمعية المرتضى و 17 جمعية أخرى في سورية، لم تكن الجمعية الخيرية الشركسية بينها. ومن جميل ما حصل أثناء العمل على إبعاد خطر حل جمعيتنا ، أن قمنا والمرحوم أحمد الحسين بزيارة لوزير الشؤون الإجتماعية والعمل يوسف الجعيداني، فاستقبلنا بحفاوة بالغة غير مألوفة… ليس هذا فحسب بل تحدث عن جمعيتنا التابعة لوزارة بما يثلج الصدر، وأبدى استعداده لبذل ما يستطيع لعدم دخولها في قائمة الجمعيات التي ستلغى، وكان يوجه لي كلامه بتكرار كلمة (أستاذي). وكنا أحمد وأنا نتبادل نظرات استفسار سريعة….وضع السيد الوزير حداً لها حين سألني:
“يبدو ياأستاذي ماعرفتي…أنا كنت أحد تلاميذك في الصف السابع سنة 1954في ثانوية القلمون….” وذكرني بحوادث جرت حينها….لقد وفى هذا التلميذ المخلص مشكوراً بما وعد، وما زالت الجمعية حية إلى يومنا هذا (2020) فله الشكر والتحية إن كان حياً، والرحمة للمرحوم أبي فراس وله إن كان فارق الحياة.
وبالتوازي مع جهود الإتصالات بشأن هذه الأزمة الخطيرة في حياة الجمعية، المؤسسة الرسمية الوحيدة للشركس المعترف بها في سورية، كنت ونائبي في إدارة الجمعية المحامي المرحوم فؤاد أفموغات قد اتخذنا الاحتياطات الضرورية في حال حُلت الجمعية وعادت ممتلكاتها ومقرها للدولة. ومن حسن طالع الشركس وجمعيتهم في سورية. أن الأستاذ فؤاد أفموغات (أحد طلابي الأوفياء والغيورين على قومهم)، كان حينها واحداً من أبرز محامي سورية، الأمر الذي مكننا من اتخاذ الاحتياطات المذكورة قبل صدور أي قرار ، إذ اقترح تسجيل محتويا ت الجمعية وأغراضها وممتلكاتها وكل ما فيها، إضافة إلى ملكية عقار الجمعية ، على أنها ملك لأشخاص كانوا وضعوها تحت تصرف الجمعية بعقود سنوية مقابل مبلغ رمزي. ولما كانت ممتلكات الجمعية متواضعة باستثناء المبنى لم يكن من الصعب نقل ملكية كل شئ إلى أشخاص شركس وأعضاء ثقات في الجمعية لانخشى منهم عدم الحفاظ على ما سجلناه باسمهم بصورة قانونية، علماً أن الأستاذ فؤاد عقد معهم اتفاقيات جانبية تقضي بإعادة ماسُجل باسمه، في حال حُلت الجمعية ثم أعيد فتح الجمعية رسمياً. ومما يستحق الذكر والتقدير هو أن هذه الإجراءات تمت بسرية تامة لم يفشها كل من نفذها ومن عرف بها من أعضاء الجمعية ومن مَن سجلت الممتلكات بأسمائهم أولاً، والتنازل عنها بكل طيبة خاطر بعد زوال الخطرثانياً. وبالمناسبة فإن سرية العملية شملت أغلب أعضاء الهيئة الإدارية بهدف تقليل المخاطرو المشكلات التي كان لها أن تسبب لنا الإحراج والمسؤولية لأكثر من شركسي مخلص غيورعلى مصلحة قومه شارك في العملية.
ومنذ تلك الأزمة وأنا أوصي بالعمل دوماً على تناسي أية خلافات محتملة بين أعضاء الجمعية، خاصة في فترات الانتخابات، وعدم الانزلاق إلى قضايا تهدد بقاء الجمعية، وبالعمل بصدق وجد مخلصين للحفاظ على الجمعية حية فاعلة، ملتزمة بالخط الذي سارت عليه منذ نشأتها بالتقيد بالأنظمة المرعية والنافذة بالنسبة للجمعيات الخيرية والأهلية واحترامها في سورية، وأهمها عدم القيام بأي نشاط سياسي أو أية مخالفات مالية وغيرها. ومما يشرف الجمعية ما جاء في تقويمها من أنها لم يسجل عليها أية مخالفة من أي نوع منذ قيامها وحتى تاريخ التقويم. ووصفت انتخاباتها ونشاطاتها بالديموقراطية.
وأخيراً كان أخشى ماأخشاه على الصعيد الشخصي أن تُحل الجمعية في عهد إدارتي لها، لأن ذلك كان سيصبح تاريخاً في روزنامة المجتمع الشركسي في العالم تتداوله الركبان زمناً طويلاً بمقولة” والله سكرت الجمعية بزمن عادل عبد السلام”. مع إضافة ما يناسبهم من تعليقات.
أما اليوم ومنذ بداية تسعينات القرن الماضي فلقد طرأت على الجمعية تغيرات وأحداث أترك للقارئ الكريم الحكم عليها.
