مقالات
عبد الحميد مشلح: التعليم في منطقة ادلب 1850- 1952
عبد الحميد مشلح- التاريخ السوري المعاصر
كان التعليم في أوائل القرن التاسع عشر في المنطقة الغربية لولاية حلب تعليماً دينياً في الغالب، حيث لا توجد مدارس حديثة سوى في معرة النعمان وهي المدرسة النورية التي بناها نور الدين الشهيد بعد تحرير المنطقة من الفرنجة، وأما المدارس الدينية فكانت قليلة لا تزيد على أصابع اليد إلاّ قليلاً، والتعليم الديني هذا كان يقام في المساجد والزوايا وتلك المساجد والزوايا هي الوحيدة التي كانت تمثل النور في مناطق وجودها حيث كان التلاميذ وطلبة العلم فيها يتعلمون مبادئ القراءة والكتابة وهو الحد الأقصى للتعليم إضافة إلى حفظ القرآن وتلاوته وكانت هذه المساجد وحلقاتها التعليمية تعتمد في نفقاتها إما على المحسنين أو على ما يأخذه معلمو الصبيان من أجر وكان يدعى الخميسية لأنه كان يدفع كل يوم خميس للشيخ أو المعلم، وكانت تتراوح هذه الخميسية بين القرش والبشلك() تبعاً للحالة المادية لوالد الصبي المتعلم.
وقد ذكر لي المرحوم الحاج احمد مبيض رحمه الله وهو من مواليد ادلب (1896م) وبالتواتر عمن سبقه أن الولد كان يجلس عند الشيخ لعدة سنوات حتى يختم القرآن لأن أهالي ادلب كانوا وما زال البعض منهم حتى اليوم يخرجون في الصيف إلى كرومهم ليصطافوا ويقطفوا ثمار كرومهم من التين والعنب والرمان والزيتون الذي يجنى في فصل الخريف. وبعد ذلك يعودون إلى منازلهم وبالتالي يعود الصبية إلى شيخهم وعندما يحفظ الولد القرآن الكريم ويختمه كانت تقام له الاحتفالات فيخرج معه زملاؤه وشيخه من الزاوية أو المسجد الذي تعلم فيه بعد أن يلبس القنباز أو الكلابيه ويوضع على رأسه طربوش أحمر أو طاقية بيضاء ويخرج هذا الجمع منطلقاً في الشوارع والساحات والأزقة ينشد وراءه الأناشيد أو القصائد الدينية إلى أن يصل منزل أهله الذين هم بالانتظار مع ذويه وأقربائه ويدخل الصبية وشيخهم إلى باحة المنزل (أرض الدار) ويبدؤون بنشيد مقارب للنشيد الذي كان يقال للأطفال يوم ولادتهم وأذكر منه:
سلام سلام سلام سلام | سلام عليكم فردوا السلام | |
هنيئا مريئا نشود الغلام | وأبرك يوم وأسعد عام | |
جئنا نهنيكم بهذا الغلام | حافظ القرآن بدر التمام | |
تعيشون حتى ترو نسله | ويجلى عريسا كبدر التمام | |
ويبقيه ربي لكم دائما | واليوم المبارك عليكم تمام | |
وجعله في حفظه خير الأنام | على بير زمزم نصبنا الخيام | |
وتحت الخيام رجال عظام | وفيهم شريف فصيح الكلام | |
واسمه محمد عليه السلام | محمد ممجد ولد في الصفا | |
ونقرأ وندعو لكم دائما | وصلوا على الهاشمي المصطفى |
وبعد خروج إبراهيم باشا من سورية شهدت المنطقة الغربية لولاية حلب تطوراً تعليميا وفكريا نسبياً عما كانت عليه في العقود الثلاثة الأولى من القرن التاسع عشر فانتشرت مدارس الكتاتيب في القرى والقصبات الكبرى بشكل كبير حيث تحول الجامع الكبير في معرة مصرين وجامع الكوبرلي في جسر الشغور والجامع الكبير في أريحا والجامع الكبير في المعرة إضافة إلى المدرسة النورية فيها والجامع الكبير في سرمين وسلقين وكفرتاريم وأرمناز إلى مدارس في ادلب كان هناك أكثر من مدرسة كتاب الأولى في زاوية الحميداني قرب ساحة الحجاز وأستاذها الشيخ نجيب الحميداني (1790-1864م) وفي زاوية الجوهري في المحلة الشرقية وكان أستاذها الشيخ هلال الجوهري المتوفى سنة (1288هـ1872م) وفي زاوية العريان وكان أستاذها الشيخ هاشم الأصفري (1810- 1875م) وفي جامع الأقرعي كانت مدرسة دينية أستاذها الشيخ عمر المرتيني (1785-1859م).
وبذلك تحولت المساجد والزوايا إلى منارات علم يقصدها الصبية من كل حدب وصوب. وإذا كان التعليم الديني في الزوايا والمساجد كانت خاصاً بالصبية الذكور فقط، فإنّ التعليم الديني للإناث قد نال جزءاً لا بأس به من هذا التعليم، وإن كان عدد المتعلمات منهنّ أقلّ من عدد الصبية، حيث عرفت ادلب الخوجات اللواتي كنّ يعلمن البنات تلاوة القرآن وحفظه، ويذكر أهالي ادلب أن أول خوجة قامت بهذه المهمة هي السيدة حنّوف مشْلَح (1859-1944م) زوجة المرحوم ديب لاذقاني أمّ جميل، حيث كانت هذه السيدة فاضلة صالحة، حافظة للقرآن والحديث، اتخذت من بيتها الكائن في المحلّة الشرقيّة مدرسةً ومقراً لتعليم البنات تلاوة القرآن الكريم وحفظه. وكانت من النساء الحكيمات في ادلب تسدي لمن حولها النُصح والإرشاد.
توفي زوجها وهي في سن الشباب، فكانت مثالاً للمرأة الصالحة التي ترعى أيتامها، وتعلمهم وتؤدبهم وتحسن تربيتهم، وكانت مثالاً للمرأة الشرقية. ولهذا كان من أحفادها رجالٌ عرفوا قيمة الوطن وعظمته، منهم المربّي موجه مادة العلوم الطبيعية في مديرية التربية سابقاً الأستاذ أديب لاذقاني، والطيار البطل الشهيد الرائد عبد الكريم لاذقاني، والطيار العميد المتقاعد محمد وليد لاذقاني، وهذا تحصيل حاصل في عرفنا الشعبي لأن البذرة الطيّبة لا بُدّ أن يكون نتاجها ثمرةً طيبة.
وبعد أن نظمت المدارس في السلطنة العثمانية بموجب نظام المعارف الصادر في (24جماى الأولى 1286هـ 1869م) والذي صيغ في (198) مادة وبموجب هذا النظام قسمت الدراسة إلى خمس مراحل هي 1 – المرحلة الابتدائية – 2- المدارس الرشدية – 3 – المدارس الإعدادية – 4 – المدارس السلطانية – 5 – المدارس العالية. لكن المنطقة الغربية لولاية حلب لم تعرف من هذه المراحل التعليمية سوى المدارس الابتدائية و الرشدية حيث وجدت المدارس الرشدية في مراكز الأقضية الأربعة فقط وبلغ عدد طلاب هذه المدارس (119) طالباً موزعة على النحو التالي: ادلب (53) طالباً – المعرة (30) طالباً – حارم (21) طالباً – جسر الشغور (15) طالباً .
أما المدارس الابتدائية الموجودة في المنطقة الغربية لولاية حلب فقد بلغ عددها (16) مدرسة وبلغ عدد تلاميذها (222) تلميذاً موزعة على الأقضية الأربعة ففي قضاء ادلب كان عدد المدارس فيها (6) مدارس، وعدد تلاميذها (90) تلميذاً منها في ناحية أريحا مدرستان عدد تلاميذهما (24) تلميذاً، وفي قضاء معرة النعمان (4) مدارس عدد تلاميذها (55) تلميذاً ، وفي قضاء حارم مدرسة وحيدة عدد تلاميذها (21) تلميذاً وفي قضاء جسر الشغور (5) مدارس عدد تلاميذها (56) تلميذاً والجدول() التالي يبين بالتفصيل عدد الدارس الابتدائية وعدد تلاميذها وأساتذتها وملكيتها:
مسلسل | القصبة | المحلة | المدرسة | عدد الطلاب | اسم المدرس | صاحب المدرسة |
1 | ادلب | قبلية | العبسية | 34 | الشيخ طاهر منلا | عبسي آغا دويدري |
2 | ادلب | شرقية | معلمية | 16 | الشيخ محمد جوهري | أحمد أفندي معلم |
3 | ادلب | غربية | حكيمية | 7 | الشيخ محمد الخيزران | أحمد أفندي حكيم |
4 | ادلب | غربية | هاشمية | 9 | الشيخ هاشم مرتيني | أحمد أفندي مرتيني |
5 | المعرة | شمالية | جامع الكبير | 15 | قدور أفندي زاده | |
6 | المعرة | شمالية | جامع عطا | 15 | الحاج بكر صدقي | |
7 | المعرة | قبلية | نور الدين | 15 | الشيخ صالح الرمضان | |
8 | المعرة | شمالية | جامع الداودية | 10 | سعد جندي زاده | |
9 | أريحا | أريحا | الكريمية | 14 | الشيخ هاشم مجنّي | أحمد آغا عبد الكريم |
10 | أريحا | أريحا | الديبية | 10 | محمد نوري أفندي | محمد نوري مفتي |
11 | حارم | حارم | حارم | 21 | إبراهيم أفندي | الدولة |
12 | الجسر | جسر الشغور | الجسر | 11 | الشيخ إبراهيم أفندي | الدولة |
13 | بشلامون | جسر الشغور | بشلامون | 10 | الشيخ حسن أفندي | |
14 | بطيبات | جسر الشغور | بطيبات | 8 | حاج يسن أفندي | |
15 | القنية | جسر الشغور | كنيسة اللاتين | 12 | حبيب أفندي | كنيسة اللاتين |
16 | اليعقوبية | جسر الشغور | كنيسة الأرمن | 15 | أرتين أفندي طانوس | كنيسة الأرمن |
ومع مطلع القرن العشرين وقبيل الحرب العالمية الأولى بسنوات عدة حدث التعليم في منطقة ادلب فأحدثت مدرستين في مدينة ادلب الأولى للذكور والثانية للإناث وأطلق عليهم مدرستي أنموذج ادلب حيث وردة في جريدة حلب العدد /27/ يوم الخميس تاريخ أذار لعام /1919/ ان مديرية المعارف تحدد مقدار الراتب للمعلمات في مدرسة أنموذج ادلب للإناث في قضاء ادلب بالجنيه المصري وفق المأمورية التالية:
راتب المديرة /6/ جنيه .
راتب المعلمة الأولى /5/ جنيه.
رواتب المعلمات الثانية والثالثة والرابعة / 4 / جنيه.
راتب معلمة النقش /3/ جنيه.
راتب معلمة الخياطة / 3/ جنيه.
وفي عام /1919/م أحدثت المدرسة الثانية للذكور في المحلة الشمالية في مدينة ادلب وأطلق عليها مدرسة الفيصلية نسبة للملف فيصل الأول (آل سعود)
وفي عام /1944/م وضع حجر الأثاث للمدرسة الإكاملية بمدينة ادلب بمساحة /1525/متر تحتوي على 26 غرفة تدريس وقاعتين كبيرتين والتي تحولة في عام /1952/م الى ثانوية المتنبي.
المراجع والهوامش:
(1). البشلك: عملة عثمانية قيمتها ثلاثة غروش وخمس بارات في أواسط القرن التاسع عشر
(2). سالنامة معارف ولاية حلب - أقضية (ادلب - حارم - جسر الشغور - المعرة) - عام (1896-1900م)
المراجع والهوامش:
(1). البشلك: عملة عثمانية قيمتها ثلاثة غروش وخمس بارات في أواسط القرن التاسع عشر
(2). سالنامة معارف ولاية حلب - أقضية (ادلب - حارم - جسر الشغور - المعرة) - عام (1896-1900م)