You dont have javascript enabled! Please enable it!
قضايا

زيارة الوفد العسكري السوري إلى القاهرة في كانون الثاني 1958

غادر وفد عسكري سوري إلى القاهرة في الثاني عشر من كانون الثاني عام 1958 حاملاً معه مذكرة قيادة الجيش التي أعدت في مساء الحادي عشر منه حول إقامة الوحدة لتسليمها إلى الرئيس جمال عبد الناصر.

أسباب إعداد المذكرة:

في أواخر عام 1957 طغى التيار الجارف المنادي بالوحدة بين سورية ومصر على كل ما عداه من تيارات سياسية في سورية، حتى وصل هذا التيار إلى البرلمان وإلى تبادل الوفود والزيارات الأهلية والرسمية بين البلدين للإسراع في إقامتها.

كان وفد مجلس الأمة المصري الذي ترأسه أنور السادات والذي وصل إلى دمشق في شهر تشرين الثاني عام 1957 أبرز تلك الوفود المصرية التي جالت مختلف المدن والمحافظات السورية واجتمعت بالهيئات الأهلية والحكومية في سورية.

وجدت تلك الوفود المصرية استقبالاً أهلياً وحكومياً كبيراً، ويذكر أحمد أبو صالح عضو قيادة حزب البعث ورئيس حزب الاتحاد القومي في حلب الطريقة والحفاوة التي استقبل فيها الوفد المصري ومدى التنافس الذي جرى بين الأحزاب والهيئات في حلب على استقباله.

وكانت أهم الوفود السورية التي زارت القاهرة للدعوة إلى إقامة مباحثات رسمية لتحقيق الوحدة هو الوفد الحكومي الذي ترأسه صلاح الدين البيطار وزير الخارجية في مطلع كانون الأول عام 1957م. أقام الوفد في القاهرة عدة أيام واجتمع مع الرئيس جمال عبد الناصر، وحمل إليه رغبة الحكومة السورية في الإسراع بعقد تحالف سوري – مصري.

تذكر بعض المصادر الصحفية حينها أن الوفد السوري وجد “برودة لدى الزعيم المصري” وأن الرئيس جمال عبد الناصر أبلغ الوفد : (أن الوقت لمثل هذا التحالف لم يبلغ كما أن الفكرة بذاتها لم تنضج بعد). بينما ذكر أحمد عبد الكريم أحد ضباط الوفد العسكري الذي نقل مذكرة ضباط وقيادة الجيش إلى الرئيس جمال عبد الناصر بعد شهر من زيارة وفد الحكومة السورية، ذكر نقلاً عن صلاح الدين البيطار وزير الخارجية ورئيس الوفد الحكومة إلى القاهرة أن الرئيس المصري رحب بالاتحاد أو الوحدة التي يريدها الشعب والبرلمان السوريان، وأبدى عدم موافقته على مبدأ الوحدة بين مصر وسورية إذا لم تبد قيادة الجيش رأيها بصراحة في هذا الموضوع. وأنه كانت هناك مخاوف لدى جمال عبد الناصر من وجود معارضة للوحدة لدى بعض أعضاء مجلس قيادة الجيش. كما يضيف أن الرئيس المصري نقل لضيوفه أن لديه معلومات تفيد بأن بعض أعضاء المجلس غير موافق على الوحدة مع مصر، وأنهم مصممون على القيام بإنقلاب عسكري وإقامة حكم ديكتاتوري فردي في سورية للوقوف في هذا المشروع.

عاد الوفد الحكومة السوري إلى دمشق ونقل رأي الرئيس جمال عبد الناصر في الوحدة وخشيته من موقف قيادة الجيش السوري. وفي اليوم التالي لعودة الوفد السوري إلى دمشق اجتمع صلاح الدين البيطار وزير الخارجية مع بعض أعضاء قيادة المجلس العسكري السوري ونقل إليه رغبة ومخاوف عبد الناصر من وجود معارضة للمشروع لدى بعض أعضاء مجلس قيادة الجيش وكبار ضباط الجيش ورغبة الأخير في أن تعلن قيادة الجيش عن موقفها بصراحة في موضوع الوحدة.

ويلخص أحمد عبد الكريم أسباب إعداد المذكرة بالقول: (السبب الحقيقي الذي سافر من أجله الوفد العسكري إلى القاهرة، والذي لا يتعدى حدود إعلان موقف القوات المسلحة من الوحدة مع مصر، ونفي الشائعات والتهم التي كانت تروجها بعض الأوساط، ووضع الرئيس جمال عبد الناصر أمام الأمر الواقع ليكشف عن حقيقة موقفه من الوحدة).

وربما تفسير هذا الموقف يتمثل في رغبة قيادة الجيش أن يكون لها السبق سواء في سورية أم أمام الرئيس جمال عبد الناصر بإعلان أول نقلة نوعية باتجاه الوحدة، بعدما أدركت قيادة الجيش فعلياً أن الأمور كلها تتجه إلى الاتحاد او الوحدة مع مصر، وخصوصاً في ضوء الوضع الإقليمية والعلاقات مع تركيا المتأزمة.

اجتماع مجلس القيادة العسكري

كان موضوع التقارب مع مصر والوحدة بشغل كبار ضباط الجيش الذين كانوا يجتمعون يومياً مع ضباط مجلس القيادة لمناقشة مشروع الوحدة او الاتحاد مع مصر. غير أن نقل صلاح الدين البيطار لهم رغبة ومخاوف الرئيس جمال عبد الناصر من موقف قيادة الجيش، حملا أعضاء مجلس القيادة على وضع مذكرة خطية تبين رأي القوات المسلحة السورية عامة ومجلس القيادة بشكل خاص.

ويذكر أحمد عبد الكريم أحد أعضاء مجلس قيادة الجيش أن المذكرة كانت (للرد على كل محاولات الدس، ولكي تضع عبد الناصر والسياسيين السوريين الذين نقلوا له المعلومات عن موقف الجيش أمام مسؤولياتهم التاريخية).

التوقيع على المذكرة:

في مساء الحادي عشر من كانون الثاني عام 1958م اجتمع مجلس قيادة الجيش وتم إعداد مذكرة خطية لكل كم من الحكومة السورية وللرئيس جمال عبد الناصر في آن معاً.

ويذكر أحمد عبد الكريم أحد أعضاء مجلس قيادة الجيش وأحد الموقعين على المذكرة : (عندما أخذنا نناقش نص المذكرة اقترحت شخصياً ايضاح بعض الشروط التي يجب أن تقوم عليها الوحدة، وأيدني بذلك بعض الإخوان من ضباط القيادة، الأمر الذي أدى إلى إنقسام الحاضرين إلى قسمين قسم يؤيد فكرة وضع الأسس الرئيسية التي ترى أن تبنى عليها الوحدة، وقال الآخرون وكانوا الأكثرية بعدم وضع أي شرط في المذكرة.

ومما قاله أحد الضباط رداً على اقتراحي: “بأن الشخص الذي يريد أن يضع شروطاً على عبد الناصر من أجل الوحدة لم يخلق بعد.. وأضاف أن المسألة عبارة عن “حيط بيننا وبين مصر ونريد هدمه هكذا.. “. وعلقت على القول بأن الرئيس عبد الناصر إنسان، وهو كبقية البشر بل يمكن أن يخطئ ويموت، ولذلك قد يكون من الأفضل للشعبين وله ايضاً أن تكون الأمور، واضحة كيلا يتحمل مسؤولية مصير الوحدة وحده.. وقام الاعتراض بقوة على هذا الرأي، وانتهى بوضع النص النهائي للمذكرة.

وجرى الاتفاق أن يسافر وفد عسكري إلى القاهرة لتقديم المذكرة إلى الرئيس جمال عبد الناصر، وعلى تكليف أمين النفوري وأحمد عبد الكريم لتسليم نسخة المذكرة إلى الحكومة السورية.

رواية مصطفى حمدون حول المذكرة وسفر الوفد العسكري:

يروى مصطفى حمدون تفاصيل ورواية تختلف عن رواية أحمد عبد الكريم وكلاهما أعضاء في مجلس قيادة الجيش.

يذكر مصطفى حمدون أنه في مطلع شهر كانون الثاني عام 1958 وصل وفد عسكري مصري برئاسة حافظ إسماعيل إلى سورية لبحث أمر اتحاد الجيشين، فاقتصر بحثه على توحيد المصطلحات العسكرية وغيرها من الشؤون الجانبية، دون أن يتعرض الوفد لأسس الاتحاد بين الجيشين، ورفضوا بحث موضوع الاتحاد.

أخذ خالد العظم وزير الدفاع وعفيف البزرة رئيس الأركان يشهرون بالمصريين، وعقدوا إجتماعاً في الأركان بحضور كلاً من مصطفى حمدون، عبد الحميد السراج، أحمد عبد الكريم، أمين النفوي،وتحدث العظم في الإجتماع بانفعال بأن المصريين لا يريدون الوحدة، وخرج العظم باستنتاج أن المصريين لا يريدون الوحدة وأنهم يماطلون بذلك، وانفض الاجتماع دون اتخاذ أي قرار حول تحقيق وحدة الجيشين.

يضيف مصطفى حمدون أنه بعد هذا الاجتماع طلب عفيف البزرة عقد جلسة طارئة لمجلس قيادة الجيش في مساء اليوم نفسه، وعقد الإجتماع في مكتب البزرة في الأركان، وحضره كافة أعضاء مجلس القيادة، ونقل البزرة لهم موقف خالد العظم، وأطلعهم على نتائج المفاوضات مع الوفد العسكري المصري التي شابها الاستهزاء بموقف مصر وعدم جدية الوفد في إقامة أي نوع من أنواع الاتحاد سواء بين الجيشين أو بين البلدين.

المذكرة:

وحملت المذكرة توقيع كلاً من: عفيف البزري، أمين النفوري، عبد الحميد السراج، أحمد عبد الكريم، طعمة العودة الله، أكرم الديري، أحمد حنيدي، مصطفى حمدون، عبد الغني قنوت، مصطفى رام حمداني، ياسين فرجاني، عبد الله جسومة، محمد النسر، لؤي الشطي، أمين الحافظ، إبراهيم فرهود، حسين حدة، غالب الشقفة، جمال الصوفي، بشير صادق.

إبلاغ القيادة المصرية:

بعد التوقيع على المذكرة في نفس الليلة التي اجتمع فيها أعضاء مجلس القيادة، أبلغ الملحق العسكري عبد المحسن أبو النور أن وفداً يمثل مجلس القيادة سوف يغادر دمشق إلى القاهرة في نفس الليلة لحمل المذكرة إلى الرئيس، وأن بعض ضباط القيادة سيلغون المذكرة إلى الحكومة السورية ورئيس الجمهورية في صباح الغد.

ويذكر أحمد عبد الكريم أن : (عبد المحسن أبو النور ذهل لهذه المفاجأة وحاول المراوغة لإعاقة تنفيذ هذا القرار ولكنه أبلغ من قبل اللواء عفيف البزرة بأن الطائرة جاهزة وأن أعضاء الوفد قد عينوا وأن المذكرة قد وقعت وأنه لم يبق عليه سوى إبلاغ القاهرة برقياً بسفر الوفد أو مرافقة الوفد).

وكذلك يذكر مصطفى حمدون أن بعض أعضاء مجلس القيادة من القوميين طالبوا باستدعاء عبد المحسن أبو النور من بيته لإبلاغه بعزم أعضاء مجلس القيادة على السفر في الحال لإقناع عبد الناصر بإقامة الوحدة الفورية بين البلدين. وبعد ذلك حصر عبد المحسن أبو النور إلى الإجتماع، وكانت الساعة قد قاربت الحادية عشرة ليلاً فأخبر بالقرار، وقد حاول أبو النور إرجاء السفر إلى اليوم التالي بحجة إبلاغ المسؤولين في مصر وأخذ الترتيبات لاستقبالنا، غير أنه وافق بعد ذلك على القرار.

تشكيل الوفد العسكري:

ضم الوفد العسكري كلاً من: (عفيف البزرة رئيس أركان الجيش، مصطفى حمدون، حسين حدة، طعمة العودة الله، أحمد هنيدي، جادو عز الدين، أكرم الديري وآخرون.

غادر الوفد دمشق في الصباح الباكر يوم الثاني عشر من كانون الثاني عام 1958م.

موقف الحكومة السورية من المذكرة وسفر الوفد العسكري إلى القاهرة:

كما هو مقرر نقل أحمد عبد الكريم وأمين النفوي المذكرة التي وضعها مجلس قيادة الجيش إلى الحكومة السورية.

ويذكر الرئيس أمين الحافظ  وعضو مجلس القيادة العسكري في شهادته على العصر التي أجرها مع قناة الجزيرة أن المجلس العسكري قدم نسخة من المذكرة إلى وزير الدفاع، وإلى الرئيس شكري القوتلي الذي كان منزعجاً من تصرفات قيادة الجيش وعدم العودة إليه.

كما تسلم نسخة من المذكرة أكرم الحوراني رئيس المجلس النيابي الذي كتب في مذكراته: (في صبیحة الیوم الثاني من سفر الوفد العسكري للقاھرة، اي في الثالث عشر من كانون الثاني زارني في مكتبي في المجلس النيابي الزعيم أمين النفوري، وبابتسامة غامضة “وقلما يبتسم” سلمني بدون أي مقدمة المذكرة التالية: وقد علمت ان نسخاً من هذه المذكرة قد سلمت إلى رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء صبري العسلي، وخالد العظم وزير الدفاع).

أما موقف الحكومة فكان أن قررت إرسال صلاح الدين البيطار وزير الخارجية إلى القاهرة لمرافقة الوفد العسكري في مقابلة الرئيس جمال عبد الناصر.

إجتماع الوفد العسكري السوري مع عبد الناصر

وصل الوفد العسكري إلى القاهرة في صباح يوم الثاني عشر من كانون الثاني عام 1958 وجرى استقبالهم في أحد مقرات الضيوف.

وفي مقرهم اجتمع بهم بعد وصولهم بعض قيادات الجيش المصري والحكومة المصرية، وكان موضوع النقاش يتمحور حول موضوع الوحدة والاتحاد مع مصر.

يقول أمين الحافظ أن عبد الناصر لم يستقبل الوفد حال وصوله لإنشغاله باستقبال أحمد سوكارنو رئيس أندونيسيا الذي كان في زيارة إلى مصر، ويوضح أيضاً أن هذا أسلوب عبد الناصر الذي حاول معرفة نوايا ورغبة أعضاء الوفد من خلال اجتماع بعض مساعي عبد الناصر معهم قبل الاجتماع معهم.

جرى الاجتماع في الخامس عشر من كانون الثاني عام 1958م، وقدم الوفد السوري له مذكرة مجلس قيادة الجيش، وطالبوا بإقامة الوحدة بين البلدين.


الوحدة السورية – المصرية 1958- 1961

زيارة الوفد العسكري السوري إلى القاهرة في كانون الثاني 1958


 

المراجع والهوامش:

(1). صحيفة 1958 - صلاح البيطار يحمل رسالة إلى جمال عبد الناصر

(2). عبد الكريم (أحمد)،أضواء على تجربة الوحدة، دار الأهالي، دمشق الطبعة الثانية عام 1991م، صـ 95

(3). عبد الكريم (أحمد)،المضدر نفسه، صـ 95

(4). عبد الكريم (أحمد)، المصدر نفسه،صـ 96

(5). عبد الكريم (أحمد)،المضدر نفسه، صـ 95

(6). عبد الكريم (أحمد)، المصدر نفسه،صـ 96

(7). الحوراني (أكرم)، مكتبة مدبولي، الجزء الثالث،صـ 2574 صـ

(8). مذكرة ضباط في الجيش السوري إلى جمال عبد الناصر بشأن الوحدة عام 1958

(9). عبد الكريم (أحمد)، المصدر نفسه،صـ 95

(10). الحوراني (أكرم)، مكتبة مدبولي، الجزء الثالث،صـ 2574 صـ

(11). الحافظ (أمين)، شاهد على العصر، قناة الجزيرة، الحلقة الخامسة، 10 كانون الثاني 2005.

(12). الحوراني (أكرم)، مكتبة مدبولي، الجزء الثالث،صـ 2579 صـ

(13). عبد الكريم (أحمد)،المصدر نفسه، صـ 96

(14). الحافظ (أمين)، شاهد على العصر، قناة الجزيرة، الحلقة الخامسة، 10 كانون الثاني 2005.



 أحداث التاريخ السوري بحسب السنوات


سورية 1900 سورية 1901 سورية 1902 سورية 1903 سورية 1904
سورية 1905 سورية 1906 سورية 1907 سورية 1908 سورية 1909
سورية 1910 سورية 1911 سورية 1912 سورية 1913 سورية 1914
سورية 1915 سورية 1916 سورية 1917 سورية 1918 سورية 1919
سورية 1920 سورية 1921 سورية 1922 سورية 1923 سورية 1924
سورية 1925 سورية 1926 سورية 1927 سورية 1928 سورية 1929
سورية 1930 سورية 1931 سورية 1932 سورية 1933 سورية 1934
سورية 1935 سورية 1936 سورية 1937 سورية 1938 سورية 1939
سورية 1940 سورية 1941 سورية 1942 سورية 1943 سورية 1944
سورية 1945 سورية 1946 سورية 1947 سورية 1948 سورية 1949
سورية 1950 سورية 1951 سورية 1952 سورية 1953 سورية 1954
سورية 1955 سورية 1956 سورية 1957 سورية 1958 سورية 1959
سورية 1960 سورية 1961 سورية 1962 سورية 1963 سورية 1964
سورية 1965 سورية 1966 سورية 1967 سورية 1968 سورية 1969
سورية 1970 سورية 1971 سورية 1972 سورية 1973 سورية 1974
سورية 1975 سورية 1976 سورية 1977 سورية 1978 سورية 1979
سورية 1980 سورية 1981 سورية 1982 سورية 1983 سورية 1984
سورية 1985 سورية 1986 سورية 1987 سورية 1988 سورية 1989
سورية 1990 سورية 1991 سورية 1992 سورية 1993 سورية 1994
سورية 1995 سورية 1996 سورية 1997 سورية 1998 سورية 1999
سورية2000

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى