نشأته وحياته
ولد شفيق جبري في (حي الشاغور) أحد أحياء دمشق القديمة في 19 كانون الثاني 1897م. ولما بلغ الخامسة من عمره أرسله والده إلى كتاتيب الحي فتعلَّم القرآن وحُسن الخط وقليلًا من الحساب، وبعد سنة نقله إلى (المدرسة العازارية) فمكث فيها تسع سنوات حصل في نهايتها على شهادة الدراسة الثانوية سنة 1913م، وأتقن فيها اللغة الفرنسية ومبادئ الإنكليزية. أما اللغة العربية وآدابها فأتقنها على نفسه، فحفظ شعر المتنبي وقرأ المعلقات والشعر الجاهلي وشعر البحتري والشريف الرضي، وعكف على مطالعة آثار ابن المقفع وابن عبد ربه وابن خلدون والصابي والجاحظ، فقوي بيانُه وتعمَّقت ثقافتُه وازداد علمه.
وفي سنة 1918م بدأ بنشر قصائده في الصحف، وعمل مراقبًا للمطبوعات، ومترجمًا، ثم أمينًا لوزارة الخارجية. وعُين سنة 1920م رئيسًا لديوان وزارة المعارف، واستمرَّ ينشر المقالات والقصائد وهو في هذه الوظيفة. وفي سنة 1924م عُين مديرًا لمدرسة الآداب العليا.
وفي سنة 1928م عُين أستاذًا في كلية الآداب في الجامعة السورية، ثم عميدًا لهذه الكلية في سنة 1947م، فكان أول عميد لها.
كما صدر مرسوم بتعيينه عميداً لكلية الآداب في الجامعة السورية عام 1954م.
وفي سنة 1958م عُين عضوًا في المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب والعلوم الاجتماعية. وفي هذه السنة نفسها أُحيل على التقاعد، وانقطع إلى الكتابة والتأليف في بيته الريفي في (بلودان).
عضواً في المجمع العلمي:
انتُخب الأستاذ شفيق جبري عضوًا في المجمع العلمي العربي بدمشق في الجلسة المنعقدة بتاريخ 1 تشرين الأول 1926م. ومضى يعمل للمجمع والعربية وأدبها ولغتها خلال ما يزيد على نصف قرن في دأب وإخلاص وفي نمط يتفرد بالجدة والطرافة.
أغنى الأستاذ شفيق جبري مجلة المجمع بالكثير من شعره ومقالاته وتعريفه بالكتب، وكان ينشر فيها قبل أن يصبح عضوًا في المجمع، وورد اسمه في كتَّاب المجلة 374 مرة في المدة (1921 – 1980م).
فمن قصائده: (الحرية)، (لو علموك)، (نجوى آدم)، (في ظلال كرمة ابن هانئ)، (شاعر العرب)، (بطولات العرب)، (فارس العرب).
ومن مقالاته: (بقايا الفصاح – 20 مقالًا)، (الأدب)، (الأسلوب)، (ثقافة الذوق)، (تمازج الثقافات)، (تاريخ الأدب)، (هل كان المتنبي شعوبيًّا)، (حياة المتنبي)، (حياة الجاحظ)، (عصر الجاحظ)، (مذهب الجاحظ في التفسير والتأويل)، (المترادف)، (شعر ابن الساعاتي)، (شعر ابن الخياط)، (حياة الألفاظ)، (مطالعات عباس محمود العقاد)، (مصطلحات ابن خلدون).
ومن الكتب التي عرَّف بها: (سيد قريش)، (الأدب العربي في الغرب الأقصى)، (ترجمة القرآن إلى الفرنسية)، (الصبح المنبي)، (أمراء الشعر العربي في العصر العباسي)، (ديوان الشبيبي)، (ألعاب الصبيان عند العرب)، (ديوان عودة الراعي)، (دمشق مدينة السحر والشعر)، (قصة الأدب في العالم).
وألقى في المجمع ثلاث محاضرات (نُشرت في مجلة المجمع):
صدر له ضمن مطبوعات المجمع ديوان (نوح العندليب) سنة 1984م.
انتُخب عضوًا مراسلًا في مجمع اللغة العربية في القاهرة سنة 1950م، وعضوًا مؤازرًا في المجمع العلمي العراقي سنة 1970م، وجُدّد انتخابه سنة 1979م.
من آثاره
أولًا: الكتب
- المتنبي: مالئ الدنيا وشاغل الناس، مطبعة ابن زيدون، دمشق، 1930م.
- الجاحظ: معلم العقل والأدب، دمشق، 1932م، دار المعارف، القاهرة، 1948م، دار البشائر للطباعة والنشر، دمشق، 2001م.
- العناصر النفسية في سياسة العرب، سلسلة اقرأ، دار المعارف، القاهرة، 1945م، الشركة المتحدة للنشر والتوزيع، القاهرة، 1987م.
- بين البحر والصحراء، سلسلة اقرأ، دار المعارف، القاهرة، 1946م.
- دراسة الأغاني، مطبعة الجامعة السورية، دمشق، 1951م.
- أبو الفرج الأصفهاني، دار المعارف، مصر، ط1، 1955م، ط2، 1965م.
- محاضرات عن محمد كرد علي، معهد الدراسات العربية العالية، القاهرة، مطبعة الرسالة، 1957م، الشركة المتحدة للنشر والتوزيع، القاهرة، 1989م.
- أنا والشعر (محاضراته في معهد الدراسات العربية العالية)، القاهرة، المطبعة الكمالية، 1959م، الشركة المتحدة للنشر والتوزيع، القاهرة، 1986م.
- أنا والنثر (محاضراته في معهد الدراسات العربية العالية)، القاهرة، مطبعة نهضة مصر، 1960م، الشركة المتحدة للنشر والتوزيع، القاهرة، 1989م.
- أرض السحر، وزارة الثقافة والإرشاد القومي، مديرية التأليف والترجمة، مطبعة فتى العرب، دمشق، 1962م، دار البشائر للطباعة والنشر، دمشق، 2001م.
- نوح العندليب (ديوان شعري)، مطبوعات مجمع اللغة العربية بدمشق، 1984م.
- أحمد فارس الشدياق، مؤسسة الرسالة ناشرون، بيروت، 1987م.
- دراسة عن أحمد شوقي (محاضراته في كلية الآداب في جامعة دمشق)، دار قتيبة للطباعة والنشر، دمشق، 1997م.
ثانيًا: المقالات
نشر الأستاذ شفيق جبري عددًا كبيرًا من المقالات في (مجلة أبولو)، و(مجلة الآداب)، و(مجلة الثقافة)، و(مجلة الثقافة-مدحت عكاش)، و(مجلة الحديقة)، و(مجلة الزهراء)، و(مجلة العربي)، و(مجلة العرفان)، و(مجلة المجلة)، و(مجلة المعرفة)، و(مجلة المورد)، و(مجلة الهلال)، إضافة إلى ما نشره في (مجلة المجمع العلمي العربي بدمشق).
وفاته:
توفي الأستاذ شفيق جبري في السادس من ربيع الأول 1400هـ الموافق للثالث والعشرين من كانون الثاني 1980م. وسُمّي أحد مدرجات كلية الآداب في جامعة دمشق، وكذلك سُمّي أحد شوارع دمشق باسمه.
انظر:
مرسوم تعيين شفيق جبري عميداً لكلية الآداب في الجامعة السورية
من قصائده.. حلمٌ على جـــــنبات الشــــام :
حلمٌ على جـــــنبات الشــــام أم عيــــدُ؟
لا الهمُّ همٌّ ولا التســهيد تسهيدُ
أتكـــــــــذب العينُ والرايـــــاتُ خافــــقةٌ
أم تكذب الأذنُ والدنيـــا أغاريــــد؟
ويـــــــلَ النماريـــــــد لا حــــــسٌّ ولا نبأٌ
ألا ترى ما غدتْ تـــلك النماريــــد؟
كأنَّ كلَّ فـــــــؤاد في جـــــــــلائهــــــمُ
نشوانُ قد لعبتْ فيه العناقيــــــــد
ملءُ العيون دمـــــــــــوعٌ من هــــناءتها
.فالدمعُ دُرٌّ على الخدّين منضــــــود
لو جاء «داودُ» والنُّعــــمى تُضاحــــــكنا
لهنّأ الشامَ في المـــــــــزمار داود
على النواقيـــــس أنغــــــامٌ مســــبّحةٌ
وفي المآذن تســــــــــبيحٌ وتحميد
لو يُنشد الدهــــــرُ في أفـــــراحنا ملأتْ
جوانبَ الدهر في البشرى الأناشيد
هـــــــذي بقايـــــــاكِ يا «حِطّينُ» بدّدها
للّه ظلٌّ بأرض الشـــــــام ممدود
ليت العـــــــــــيونَ «صلاحَ الدين» ناظرةٌ
إلى العدوّ الذي ترمي به البيـــــد
اضربْ بعينكَ، هــــــــــــل تلقى له أثراً؟
كأنه شــــــــبحٌ في الليل مطرود
ظنَّ اجتياحَكَ مأموناً فشـــــــــــــــــرّدهُ
حدُّ السيوف وللأســــــياف تشريد
لم يبقَ غُـــــلٌّ على ربــــع تُظـــــــــلّلهُ
تشقى به اليدُ أو يشقى به الجِيد
أضحى رفاتُكَ في أمـــــن وفي دعــــةٍ
سيفُ العدو على الأحقاب مغمود
أين الأعاجمُ؟ ما حلّوا وما رحــــــــــــلوا
كأنهم حُلُم في الفجر مـــــــردود
من كان يحسب أن الشــــــــام يلفظهم
وأن طيفَهمُ في الشــــام مفقود؟
تمكّنوا من جبال الشام واعتصموا
فكل حصنٍ على الأجيال مِرّيد
فما حمتْهم قلاعٌ في مشارفها
ولا أظلّهمُ حشدٌ وتجنيد
أينَ القلاعُ على الأطواد عاتي؟
وأين منها تهاويلٌ وتهديد؟
أيحسبون قصيفَ الرعد مَرْعبةً؟
قصيفُ رعدهمُ في السمع تغريد
فما القواذفُ بالنيران هادمةٌ
حوضاً تعهّده قومٌ صناديد
ظِلُّ العروبة إن يغضبْ لوارفهِ
يغضبْ له الغُرُّ من «عدنانَ» والصِّيد
يا يومَ «أيّارَ» والنيرانُ ملهبةٌ
على «دمشقَ» تُلظّيها جلاميد
ذكرى سجونكَ ما تنفكّ ماثلةً
لم يُمْحَ من هولها عيدٌ وتعييد
هذي ضحاياكَ في الأيام آبدةٌ
وللضحايا على الأيام تأبيد
الطفلُ في المهد لم تهدأ مضاجعُهُ
مُروَّعٌ من لهيب النار مكمود
تلفّه أُمُّه ما بين أضلعها
ومُوقِدُ النارِ مِطرابٌ وغِرّيد
فقلْ لصحبكَ والأمواجُ تحملهم
هل الحضارةُ تذليلٌ وتعبيد؟
يا نازحين ونارُ الجرح تأكلكم
وما لجرحكمُ بُرْءٌ وتضميد
تلك التقاليدُ ألقينا سلاسلَها
ألم تَرَوْا ما جنتْ تلك التقاليد؟
جنّاتُ عَدْنٍ رتعتُم في نواضرها
خلّيتُموها ولا ماءٌ ولا عود
للمُلْك رهطٌ ولستم من أراهطهِ
ضاعتْ بأيديكمُ منه المقاليد
هل انتُدِبتُم إلى توطيد دولتكم
بالعنف؟ هيهات ما في العنف توطيد
لا تستقيم مع التهديم مملكةٌ
وإنّما المُلْكُ بنيانٌ وتخليد
أَغَرَّكم من شباب الشام يومُهمُ
«بميسلونَ» وللأيام تنكيد؟
جئتم حِماهم فلم يملك جفونَهمُ
غمضُ الليالي، وهل يغفو المقاييد؟
ما نامتِ الشامُ عن ثأر تُبيِّتهُ
هيهات ما نومُها في الثأر معهود
تكاد تُفلِت من أكفانها رِمَمٌ
لِتشهدَ الثأرَ، يومُ الثأر مشهود
لو استطاعتْ لهبّتْ من مدافنها
تسعى الزَّرافاتُ فيه والمواحيد
يا «ميسلونُ» وما الأحداثُ مُنسِيةً
ذكرى تُفيِّئُها تلك الأماليد
هذي دماؤكِ ما تنفكّ دافقةً تجري بها
في حِمى الوادي الأخاديد
من باب واديكِ هاج العِلجُ أدمعَنا
وبابُكِ اليومَ دون العلج مسدود
ثارتْ لكِ الشامُ لم تقهر مرابعَها
شدائدٌ غلغلتْ في جوّها سُود
وكلّما بليتْ أفوافُ غوطتها عادتْ وفي الغوطة الغَنّاء تجديد
خلتْ ملوكٌ وأرضُ الشام طاويةٌ
تاجَ الملوك، وتاجُ الشام معقود
يا فتيةَ الشام للعلياء ثورتُكم
وما يضيع مع العلياء مجهود
جُدتُم فسالتْ على الثورات أنفسُكم
عَلّمتُمُ الناسَ في الثورات ما الجُود
بنيتُمُ الملكَ من أشلاء عِترتكم
يُوطِّد الملكَ مهشومٌ ومحصود
تلكم «قريشٌ» وأنتم في ذؤابتها
تُوحي إليكم على الأيام أَنْ سُودوا
وللعروبة في أظلالكم لَجَبٌ لها
من الوحي والقرآن تأييد
ما في النعيم عن استقلالكم عِوَضٌ
وكيف يَنعمُ مَغلولٌ ومصفود؟
فإن جمعتُم شتاتَ الأمر بينكمُ
فالملكُ مُتّسعُ الأفياء مولود
إن لم تكن «مُضرُ الحمراءُ» سيّدةً
فما يُقِرّ عيونَ العرب تسويد
المراجع والهوامش:
(1). شفيق جبري شاعر الشام، عيسى فتوح، مجلة مجمع اللغة العربية بدمشق مج 59، ج1 1984
(2). مرسوم تعيين شفيق جبري عميداً لكلية الآداب في الجامعة السورية
(3). شفيق حبري شاعر الشام، عيسى فتوح، مجلة مجمع اللغة العربية بدمشق مج 59، ج1 1984
(4). موقع مجمع اللغة العربية- دمشق، شفيق جبري
