عام
عشيرة الحديديين
عشيرة الحديديين
يذكر ماكس أوبنهايم عن العشيرة في كتابه أن(1)🙁
كان الحديديين السوريين مثل أقربائهم في بلاد الرافدين، متفككين إلى مجموعات صغيرة من الرعاة المسالمين تعيش على أطراف المنطقة الزراعية، ثم تدامجوا في العقود الأخيرة أكثر فأكثر بعضهم مع بعض، وتبنوا نمط حياة أنصاف الرحل.
يدين الحديدين بهذا التطور إلى أسر شيوخهم، والتي عرفت كيف تستغل فرص تراجع البدو الرحل، وتفيد من تطورات حقبة ما بعد الحرب.
نجحت الأسرة، أول الأمر، في تجميع نواة قبيلة “البوكنتش” وأتباعها من حولها، ثم أخضعت بقية العشائر لسلطتها، فحل التنظيم السياسي الصارم محل روابط الدم الواهية- عدد الحديديين الأقحاح في القبيلة قليل جداً-
تنامت ملكيات القبيلة بسرعة وتوسعت مناطق انتشارها، فزاد قطر دائرتها إلى أكثر من الضعف بين عامي 1880- 1914، وأصبحت القبيلة شبيهة بالبدو الأقحاح في عاداتها وتقاليدها وحتى في لغتها.
شهدت حقبة ما بعد الحرب بداية تطور معاكس، تسارع مع سنوات الجوع عامي 1932- 1933، التي جعلت الحديديين ينتقلون إلى الزراعة، ولكن دون أن يفقدوا شيئاً من تماسكهم وقوتهم القتالية، لأن المؤثرات التفكيكية، التي تصاحب استقرار البدو عادة، لم تحدث عندهم، لأنهم استقروا غالباً في أراضي شيوخ مشايخهم، أو بقوا تابعين لهم بسبب ما كانوا يقدمونه لهم من سلف مالية.
غير صعود الحديدين السريع توازن القوى في ديرة الشنبل، وسبب نشوب صراع مفتوح مع الموالي، الذين كانوا يعتقدون أنهم لا زالوا سادة تلك الأرض، وكان الحديدين يدفعون لهم الآتاوات في الماضي.
وقد قدمت حادثة تافهة المناسبة المطلوبة: فقد تشاجر رعاة الأبرز “ا ط” ورعاة من عشيرة لهيب التابعة للحديدين حول استخدام بئر ماء، فكان من اللهيب إلا أن طلبوا الانضمام إلى الموالي لاعتقادهم أن حقوقهم قد انتهكت، فكان جواب الحديدين على هذا الانفصال إعلان الحرب على الموالي.
بدأت الأعمال العدائية عام 1920م، وكانت ستنتهي دون شك بهزيمة الحديدين، لو لم تتدخل سلطات الانتداب لإنقاذهم.
سددت قوات الحكومة ضربات شديدة ومتكررة إلى الموالي، فتوقفت الحرب تدريجياً بين القبيلتين، ثم استعرت عام 1930 من جديد بعد مقتل الأمير عبد الرزاق. الحكومة مدت يد الحماية هذه المرة أيضاً إلى الحديدين، فلم تحدث عملية ثأر دموي، ولكن لم يتم عقد السلام إلى الآن.
يقيم الحديدين في الصيف بين حلب وحماه إلى الشرق من خط السكة الحديد، حيث يزرعون أراضيهم، ويعملون كعمال زراعيين أو يقومون بأعمال نقل على جمالهم.
أما في الشتاء، فهم يتنقلون من السهب السوري الشمالي بين اسريا والرصافة والسخنة، ويتوغلون أحياناً إلى عمق الصحراء “وادي المياه”.
تقع مستقرات الحديدين على بعد خمسين كيلو متراً إلى الجنوب من حلب. وقد تمت عام 1928 تسويات نزاعات الملكية بينهم وبين الموالي، حين رسمت لجنة حكومية حدود مناطق سكن القبيلتين، وتمت مبادلة المناطق المتداخلة لكل احدة منهما لدى الأخرى.
تعتبر أسرة شيوخ الحديدين – آل إبراهيم- من أصول غامضة. ويقال أن أباهم الأول كان علوياً “نصيري” يعمل ساقي قهوة لدى أمير الموالي. وقد تسامت مكانتها منذ ستينيات القرن الماضي “التاسع عشر” بفضل الشيخ شرخ، وارتقت بسهولة لأسباب منها افتقار القبيلة إلى التقاليد. ثم رفع صالح، إبن شرخ، سمعة الأسرة بزواجه من أخت أمير الموالي عبد الكريم.
وواصل الشيخ الحالي “نواف الصالح” عمل آبائه، وهو ربيب مدرسة القسطنطينية البدوية، كان ضابطاً في الجيش التركي واحتفظ برتبة وراتب المقدم، حين تولى المشيخة حوالي عام 1915.
رغم ماضيه هذا. سعى نواف بعد الحرب العالمية إلى الالتحاق بالحكومة الجديدة، وحصل على ما أراد، فصار فارس جوقة الشرف وعضو الجمعية الوطنية لعام 1928م.
أبدى نواف براعة كبيرة في سياساته العائلية كما في قيادة قبيلته، وقد تصاهر مع السبعة والموالي واشترى ممتلكات واسعة. واستأجر مناطق شاسعة قرب الخرايق من إدارة الأراضي، أصلح مرافق ريها المعطلة واشترى لفلاحتها محراثين يعملان بالمحركات. إلى هذا، عمل نواف قاضياً بنجاح وقرب الحديدين بإحداث هذا المنصب الذي كان غير موجود لديهم حتى ذاك الحين، من البدو الأقحاح. إختار نواف، من أبنائه الاثني عشر، ابنه سطام خلفاً له).
(1) ماكس أوبنهايم ، البدو، الجزء الثاني، صـ 435 – 435
