وثائق سوريا
بيان المجاهد عز الدين الجزائري حول تصريحات بريان عام 1926م
في مطلع شهر كانون الأول عام 1926 صرح أريستيد بريان رئيس الوزراء الفرنسي أن قضية انسحاب فرنسا من مراكش وسورية تعني ترك هذه البلاد تتخبط بالثورات المخيفة وتتذمر بالحرائق والمذابح وتتدهور إلى هوة التعاسة والشقاء، وأكد أن بلاده لن تنسحب من تلك البلاد.
آثار تصريح رئيس الوزراء الفرنسي العديد من ردود الفعل، ومنها البيان الذي أصدره المجاهد عز الدين الجزائري في الثاني عشر من كانون الأول عام 1926م، والذي أكد فيه تمسك المجاهدين بحمل السلاح للدفاع عن سورية.
نص البيان:
طالعت في جريدة ألف باء تصريحاً للمسيو بريان يقول فيه: “أما قضية انسحابنا من مراكش وسورية فليس هناك أشد فظاعة منها لأن ذلك يعني ترك هذه البلاد تتخبط بالثورات المخيفة وتتذمر بالحرائق والمذابح وتتدهور إلى هوة التعاسة والشقاء. إن حكومة فرنسا لا تفعل ذلك”.
أما أنا فلا أناقش الحساب المسيو بريان على ما جرى ويجري في مراكش والجزائر مع أنني اقف على بعض أعمالهم هناك، وإن تكن مجهولة لدى العالم المتمدن لعد وجود ممثلين أجانب في تلك البلاد النائية ولقلة عدد المتعلمين فيها ولكثرة الضغط على الصحافة والمتنورين.
وأما نحن السوريين فلقد أصابنا مع الأفرنسيين ما أصاب ابن أوى في إحدى الغابات حيث سمع صوتاً عظيماً مختلف النغمات تردد صداه الوديان والأنحاء فجذبه ذلك الصوت فأخذ يتبعه حتى وصل إلى مكانه فوجد طبلاً معلقاً على شجرة وكلما حرك الهواء أغصانها أصابت ذلك الطبل فتخرج منه تلك الأصوات الرنانة فسر ابن أوى استبشر بالشحمة واللحم وأنواع المغذيات، وأخذ يعالج ذلك الشحم الضخم مدة طويلة وبينما هو كذلك إذ بريح شديد أصاب جلدة الطبل ففتح ثغرة فيها فلما رأى ابن أوى الطبل أجوف وقف حائراً حزيناً لضياع آماله ولسان حاله يقول :”صوت عظيم وجسم ضخم وشكل لا بأس به ولكن النتيجة كانت هباء منثوراً”.
وهذا ما جرى بنا إذ سمعنا بمجرة أميركا ومنقذة الشعوب وهادمة الباستيل أم المدنية والعمران، والعدل والمساواة فكانت وعودها برقاً خلباً سطرت في أول نيسان وما هي إلا عيشة أوضحناها حتى خلع الافرنسيون تلك الوجوه المستعارة وبدأوا بتطبيق الحكم المباشر والتلاعب بمقدرات أمة تأبى الذل والاستبعاد، وفضلاً عن ذلك فلقد فعلوا من الفظائع والمنكرات مالم يسمع مثلها في القرون الوسطى أو في دواوين التفتيش وإليكم ما شهدته بنفسي أثناء اعتقالي في دائرة الاستخبارات سنة 1926.
أعدم بيجان في نفس الدائرة عشرة من الأبرياء برصاص مسدسه لمجرد وشاية ولقد كان يعذب أحد العتقلين بقلع أظافره ورأيت آخر عاري الجسم مربوطاً بقطعة خشبية يصرب بالعصي والدماء تسيل منه حتى فارق الحياة على هذه الصورة الفظيعة.
ولو أردنا سرد ما سعته ونظرته من الفظائع الهمجية لاحتاج ذلك إلى مجلدات ناهيك عما فعلوه في الغوطة والميدان من السلب والنهب وإحراق المساجد والمعابد وتمزيق الكتب المقدسة وقتل الشيوخ والأطفال والأبرياء من عابري السبيل وتقتيل النساء وتقطيع أيديهن لأخذ حليهن مما تقشعر لهوله الأجسام هذا عدا عن إعدام الأسرى والجرحى و التمثيل بشهداء الحرب مما لا تفعله أكثر الأمم همجية وتوحشاً، فكفى المسيو بريان تويهاً وتضليلاً.
ولو أننا نحن الثوار طلبنا الانتداب على الأفرنسيين لحق لنا ذلك لما أظهرناه في حروبنا من الشهامة وإكرام الأسير والإعتناء بالجرحى واحترام القتلى.
وهنا لا بد لي من كلمة أوجهها إلى ممثلي فرنسة في سورية وهي أنهم سيرون منا استمالة في سبيل الدفاع عن حقوقنا تدلهم على الوطنية الحقة التي لم يعهدوها من قبل في نفوسهم الشرقيين، وسيعلمون أن سورية ليست لقمة سائغة يجوز ازدرادها وأن الثورة كلما طال أمدها ازدادت وقوداً.
وليطمئن بال إخواننا السوريين الذين ملئت قلوبهم وطنية وإخلاصاً أننا لن نرمي السلاح ومازالت حقوقنا مهضومة ومطالبنا المشروعة مرفوضة والسلام.
- 12. 1926
قائد جبهتي الزوية وحوران
