شهادات ومذكراتمقالات
سلامة عبيد: أسباب الثورة السورية الكبرى .. دور المرأة
سلامة عبيد: العزلة الجغرافية والمذهبية
القسم الأول : الأسباب الخارجية للثورة السورية الكبرى 1925 – دور المرأة
شاركت الرأة العربية السورية، ولاسيما المعروفية الجبلية في الثورة وفي كل ثورة وطنية بطريقتين:
أ- طريقة مباشرة.
ب- طريقة غير مباشرة.
حملت السلاح إلى جانب الزوج أو الأخ ومع ذلك فقد كان هذا النوع من المشاركة محدوداً وفردياً ذلك بسبب الأعراف والتقاليد السائدة التي تخشى من أن تقع المرأة أسيرة أو حتى قتيلة في يد العدو.. وبسبب اعتداد الرجال بأنهم “حماة البيض وسياج الملاح” أي أنهم هم المسؤولون وحدهم- عن حماية النساء والدفاع عنهنّ، فلا يقبلون المشاركة وقد يعتبرون مثل تلك المشاركة- إن حدثت- غمراً من قدرتهم على الحماية والدفاع. ولم يصلني من أسماء المحاربات الشهيرات سوى إسم فريده إسماعيل عامر من قرية “الهيات” قتلت وهي تحمل السلاح.
أما ما رواه دوتي عن التحام الفرقة الأجنية مع النساء الأمازونات “المحاربات” في أزفة السويداء فهو مجرد وهم بسبب التشابه بين لباس الجنسين في الجبل وبسبب لثام المحارب الذي يخفي نصف وجه، وأما ما رواه بعض الشعراء كالشاعر القروي والياس فرحات وغيرها من اشتراك النساء اشتراكاً قتالياً في الثورة فهو من باب الحماسة والشعرية أو التحميس.
وكان دور المرأة في التمريض والإسعاف محدوداً إذ أن التقاليد والأعراف لم تكن تسمح للسيدة أو الفتاة بأن تعتني بالجرحى من “محارمها”: أبيها وأخوتها وأعمامها..
ولذا فقط كان الجريح العاجز عن متابعة المعركة يلتحق بأسرته بعيداً عن ساحات القتال حتى يبرأ، يعالج نفسه بنفسه غالباً، ونادراً ما تمتد إليه يد الطبيب.
أما مهنة التمريض- كمهنة اختصاصية- فلم تكن معروفة ابداً في هذه الثورة.
غير أن مساهمة المرأة الفعالة قد برزت عظيمة الأثر في تموين المقاتلين بالماء والزاد بلا تذمر أو تعب أو خوف، ومن ثم فقد كان للمرأة أثر عميق واسع في الحضّ على القتال وتمجيد الأبطال وتحمل المصاعب والمتاعب بصبر وجلد، وفي تربية الأطفال تربية صارمة جدية غنية ببذور الفروسية المبكرة فتزيد في طاقة المحارب القتالية وتشيع في نفسه الثقة والاطمئنان والتفاؤل.
ولكن الدور غير المباشر يظل – في رأيي- الدور الأكثر أهمية والأبعد أثراً في تاريخ الثورة: فالثائر، ولاسيما الجبلي كان يرى أن الحفاظ على العرض هو أثمن من الحفاظ على الأرض، ولذا كان الحفاظ على المرأة واحداً من مرتكزات دفاعه الرئيسية، لم يحملها ويفر بها، بل أنه كان يبعدها عن ساحات القتال، في شعاف الجبال، ثم يتصدى للحملات العسكرية القادمة، بكل رجولة وهو واثق من أنه عائد إلى أهله منتصراً غانماً أو شهيداً تتحلق حوله النساء يرثينه الليالي الطوال ويبعثن في ذكراه السنين الطوال بألحانهن الشجية التي يمتزج فيها الحزن العميق بالاعتزاز الهادي والحسرة التي لا تنطفئ.
والثائر يدافع عن عَلمه- عَلم قريته- الذي يتساقط حوله الشبان جرحى أو صرعى يفدونه بجسومهم وأرواحهم ليظل مرتفعاً في ساحات القتال، هذا العلم هو أيضاً يذكر الثائر بأنه يدافع عن أمه أو أخته أو ابنته التي اشتركت كل واحدة منهم في تطريز هذا العَلم ولو بغرزة إبرة.
والمحارب الجبلي ينتخى- يردد بصوته المرتفع الهادر وهو يهز سلاحه- بأنه أخو فلانة ومن أجل عينيتها أو عيني من يحب يتحدى ويقاتل وينتصر:
لعَين هللي تريدنا نروي معاطيش الحديد..
لعَين منثور الجعد حنا وقفنا للخصيم..
“علي عبيد”
من أجل عيني الفتاة الشعر المتموج المنثور نحن وقفنا نقارع الخصوم.
ومن أجل الفوز “بزغرودة” من بنات القرية يمتهن المحارب ذبح الأعداء.
يا فرنسا والله ما نطيع ونهوش عند ديارنا
لعين زغردة البنات ذبح العساكر كارنا
هامش : حارب وهي من الفصيح “نايف عجاج نصر”
والشعر الشعبي يحيى سلطان “أخا سميه” بأبيات يرددها الفرسان وهم يحدون على ظهور الخيل:
عفي يا خو سميه حُر وما يهابا
ذُبح العساكر كسر الطوايا
والشاعر الشعبي جاد الله سلام ينشد:
يابنت يا عين الصقر ريح النقل بجيابها
لا تأخين إلما صبر يوم الخوي ينخي بها..
وهكذا يفضل الشاب الموت، غالباً، على السخرية والإعراض..
صحيح أن المرأة لم تشترك في القتال إلى جانب الرجل إلا في النادر إلا أن الضحايا من النساء كن كثيرات..
انظر:
سلامة عبيد: فرنسا تفرض نفسها.. (1)
سلامة عبيد: الأسباب السياسية للثورة السورية الكبرى عام 1925 .. مغامز صك الانتداب (2)
سلامة عبيد: الأسباب السياسية للثورة السورية الكبرى عام 1925 .. مخالفة فرنسا لصك الانتداب (3)
سلامة عبيد: الأسباب السياسية للثورة السورية الكبرى عام 1925 .. سلطات المفوض السامي (4)
سلامة عبيد: الأسباب السياسية للثورة السورية الكبرى عام 1925 .. تغيير المفوضين (5)
سلامة عبيد: الأسباب السياسية للثورة السورية الكبرى عام 1925 .. التجزئة (6)
سلامة عبيد: الأسباب الخارجية للثورة السورية الكبرى عام 1925 (7)
سلامة عبيد: الأسباب الخارجية للثورة السورية الكبرى 1925 – حب الاستقلال والحرية (8)
سلامة عبيد: الأسباب الاجتماعية والاقتصادية للثورة السورية الكبرى- العوامل الاقتصادية – التجارة (9)
سلامة عبيد: جبل حوران – المنطقة والسكان .. لمحة جغرافية (10)
سلامة عبيد: جبل حوران – السكان (11)
سلامة عبيد: أسباب الثورة السورية الكبرى .. العزلة الجغرافية والمذهبية (12)
سلامة عبيد: أسباب الثورة السورية الكبرى .. عدم الاستقرار وحياة القلق (13)
سلامة عبيد: أسباب الثورة السورية الكبرى .. العامل الذهبي (14)