You dont have javascript enabled! Please enable it!
مقالات

سلمان البدعيش: العرس التقليدي في السويداء – الخطبة (1)

سلمان البدعيش- التاريخ السوري المعاصر

كان للعرس في جبل العرب عاداته وتقاليده، وإن تعددت أساليبها وطرقها وأشكالها ومراحلها  إلا أن ما يغلب عليها هو الطابع الرجولي والثوري وما له صلة بالوطن والحرب، إن كان من حيث المراحل التي يمر بها، أو الأغاني والرقصات والطقوس التي تؤدى خلاله .

وهذا ناتج عن الحياة القاسية التي عاشها  أبناء الجبل والحروب المتتالية التي خاضوها ضد المستعمرين والغزاة ، فابن الجبل حتى عندما يتغزل فإنه يبقي لرجولته وعزة نفسه القسط الأكبر فيما يقول، كقول أحدهم في بيت عتابا مناجياً الحبيب :

       أيـا محبـوب ناديتك تَعال لاي[1]      قبل للقلـب يا صاحب ِِتعِلاّي[2]

وان كان تريد ياولفي تِِعَـلاي[3]       نحــنا قبلكم فوق الســــحـاب

الخطوة الأولى في مسيرة الزواج تبدأ في البحث عن العروس المناسبة عند بلوغ الشاب السن المناسبة للزواج، وهي لا تتحدد بعمر معين بل بعدة ظروف، منها : السن، والحالة المادية للأهل،  ولهفة الأب والأم لرؤية الأحفاد، أو ربط الشاب بعامل استقرار يساعد في استكمال مقومات شخصيته ومركزه الاجتماعي.

وتقوم بهذه الخطوة أم طالب الزواج وأخواته، وهن أكثر المتحمسات  والمشجعات لذلك. ومن الشروط التي يحاولن تحقيقها : أن تكون العروس ذات حسب ونسب  وأن تتمتع والدتها بحسن السيرة والأخلاق الحميدة.

ويقال :  (دوّر على الأم قبل البنت) ـ وإن كانت الأم دائماً تحاول تزويج ابنها من بنات أقربائها أو قريباتها ـ  وهناك من الأهل من يعتبرون أنفسهم ينتمون إلى أسرة عريقة، ولها ماضيها وسلالتها التي يفتخرون بها. فيشترطون أن تكون الأسرة التي تنتمي إليها العروس مضاهية لأسرتهم في العراقة والسمعة والنسب  والجاه والحالة المادية.

 وهناك حالات استثنائية حيث تسمى الطفلة منذ ولادتها كعروس لأحد أبناء عمها فيقولون: (قطعت سرّتها عليه). ويقابل هذا في المحافظات الشرقية من سورية ما يسمى  (الحيار) وتوارثت الأجيال أن ابن العم أحق بابنة عمه، ويقال :  ( ابن العم بنزّل العروس عن الفرس ) أي يستطيع أن يوقف الزواج بإنزال ابنة عمه عن الفرس التي تمتطيها ليلة عرسها متوجهة في موكب العرس إلى بيت العريس. إنه حق منحه إياه الولاء المطلق للعائلة والعشيرة والتقاليد، ولكن هذا الحق نادراً ما كان يطبق، لأنه إذا طبق فقد يورث عداوات لا نهاية لها وخاصة إذا رفضت العروس الزواج من ابن عمها.

من باب اللباقة كان الخاطب يزور أبناء عم الفتاة التي ينوي خطبتها ليعلمهم بنيته، ويتأكد من أن أحداً منهم لا يفكّر بالزواج منها.

في مرحلة البحث عن العروس تتعمد أم الشاب الذي يبحثون له عن فتاة مناسبة أن تزور بيت الفتاة المقصودة بشكل عرضي ومباغت في الصباح عندما تستيقظ الفتاة من النوم، وقبل أن تمشط شعرها وتكمل زينتها لتراها على طبيعتها  وتحاول أن تدفعها إلى الابتسام والضحك لتتأكد من سلامة أسنانها .

تشاهد الأم والأخوات عدة فتيات، وعندما يقتنعن بإحداهن يأتي دور العريس ليشاهد الفتاة وتشاهده ـ بعد أن تكون الأم والأخوات قد مهّدن للموضوع ـ  وإذا اقتنع كل منهما بالآخر،  بعد لقاء أو أكثر ـ تقرأ الفاتحة من قبل الأهل مع الدعاء بالتوفيق.

بعد ذلك لا بد من الخطبة الرسمية والعلنية بواسطة ( الكدّة )[4] وتتم بتكليف عدد من رجال عائلة العريس ، وبعض الوجوه الاجتماعية المعروفة، وبعض رجال الدين ، من قبل والد العريس لزيارة أهل العروس وطلب يدها علناً. وكلما كانت الكدة تضم عدداً أكبر من وجهاء المنطقة وأعيانها، كلما كان في ذلك تقدير واحترام أكثر لأهل العروس وعائلتها.

وأثناء هذه الزيارة يشيد كل من أهل العريس والعروس بالطرف الآخر بتبادل العديد من تعابير المجاملة . كأن يقال مثلاً من قبل أهل العريس : نتشرف ونعتز بطلب يد ابنتكم الكريمة المؤدبة والمهذبة والتي تربت على أحسن الخلق، كما نتشرف ونعتز بمصاهرة هذه العائلة الكريمة وأنتم ماضيكم الوطني معروف وُيشهد لكم بالكرم والكرامة والسمعة الطيبة، والمركز المرموق بين أسر الجبل العريقة.

ويرد أهل العروس بالمثل وإنهم يتشرفون بهذه المصاهرة وإنه لو لم يكن عندهم فتاة بسن الزواج لشاركوا أهل العريس البحث عن العروس المناسبة

( لو ما في عنا مندوّرلو ) أي نبحث له .

ويتحدث بعض الغرباء المرافقين من المتفوهين وأصحاب الخبرة والعادة في هذا المجال فيشيدون بالأسرتين ومناقبهما ويتمنون التوفيق والنهاية السعيدة للعروسين (وعقبال الفرحة التامة).

وكذلك يتحدث أحد رجال الدين عن فضائل الزواج ومن أنه استكمال للدين مع الاستشهاد ببعض الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي  تحث عليه.

 بعد ذلك لا بد من الاتفاق على النواحي المادية، من متقدم ومتأخر . أما المتقدم فقليلون هم الذين كانوا يطلبونه أو نادرون، ولكن لا بد من ذكره والاتفاق عليه لأن الله حلله وأجازه الشرع فكان يكتب مثلاً :المتقدم ليرة سورية واحدة  وقطعة أو عدة قطع ذهبية وصندوق ( مطعّم)[5] وهو صندوق مصنوع من خشب الجوز ومرصّع بنقوش من الصدف تؤطرها أسلاك من الفضة ويقوم مقام خزانة الثياب اليوم. وعندما يكون الصندوق كبيراً ومزوداً بعدة دروج كان يسمى (بيرو) وربما أخذت هذه الكلمة عن كلمة باللغة الفرنسية وتعني (المكتب ).

كما يتفق على المؤخر وغالباً ما يكون مبلغاً من المال ضماناً لمستقبل المرأة إذا فقدت زوجها بالموت أو الطلاق. وبعد انتهاء استعمال الصندوق المطعم وقلة عدد صناعه أصبح يكتب في المؤخر : خزانة ثياب وغرفة نوم إذا لم تكن هذه الحاجات قد اشتريت قبل الزواج ، أي مع جهاز العروس .

 يتفق على ( جهاز )[6] العروس  من الملابس والحلي التي تقدم إليها قبل الزواج، وكمثال على الجهاز : بدلتان عربيتان والبدلة تضم : فستان يسمى (تنورة) + مملوك وهو قطعة من القماش مكسرة طولياً بثنيات متلاحقة ويغطي النصف الأمامي الأدنى من جسم المرأة من الخصر حتى مشط القدم + صدر وهو قطعة تغطي صدر المرأة وتظهر من فتحة التنورة الواقعة فوق صدر المرأة وتشد وتربط إلى الخلف ـ تحت التنورة ـ  كي تبرز تفاصيل ومفاتن صدرها +  دامر وهو ما يعرف بـ (الجاكيت) ويزين بالتطريز على جوانبه وأكمامه بخيوط من (البريم والدلّق) وغالباً ما كان قماشه من المخمل أو الجوخ.

        إن ما يميز الزي الشعبي في محافظة السويداء : الألوان الهادئة والانسجام بين ألوان كل من : الدامر والتنورة والصدر والمملوك . وقد بطل استعمال الدامر اليوم واقتصر على لبس التنورة دون أي لباس فوقها  باستثناء المملوك الذي يلبس فوقها ويغطي النصف الأمامي والأسفل منها .

على أن أهم قطعة تقدم للعروس مع الجهاز هي الطربوش .

ويتألف الطربوش النسائي من:

الطربوش . القرص . الشكّة . الشوالق . قطعة ذهبية فوق الجبين .

الطربوش : وهو مصنوع من نفس المادة التي يصنع منها طربوش الرجال وهو الطربوش التركي المصنوع من الجوخ  الأحمر، مع كسر الحافة الحادة العليا التي تصل سقف الطربوش بجوانبه كي يأخذ الاستدارة والانحناء المناسبين لرأس المرأة عندما يثبت القرص فوقه . وطول الطربوش لا يزيد عن 15 سم .

الطربوش

الذي يزين رأس المرأة محلى بالقطع الذهبية ويعلوه قرص من الفضة

القرص : وهو قرص دائري من الفضة المزركشة يثبت على الطربوش من الأعلى أي فوق الرأس ويكون من الفضة النقية التي يقال لها ( فضة روباص ) وتشكل شرائط الفضة التي ينسج منها القرص رسوم وزخارف فنية جميلة . وتقدر قيمة القرص بحوالي1000 ليرة سورية .

تعلق بالقرص وتتدلى من محيطه ( الجهايد ) ومفردها ( جهادي )[7] وهي عبارة عن قطع دائرية من الذهب ويتراوح عددها بين 25 ـ 35 قطعة وزن كل منها 4 غرام وسعر الواحدة 3620 ل س + 500 ليرة تصنيع . وفي هذه الحالة يسمى : ( قرص مشنشل )[8]

الشكّة[9] : وتثبت على حافة الطربوش من الأمام والأسفل وعلى عرض الجبين بين الصدغين وتتألف من عدد من القطع الذهبية تسمى ( الرباعي ) ومفردها ربعية[10] ويتراوح عددها بين 60 ـ 80  ربعية  وزن الواحدة 70 سغ وثمنها 635 ليرة يضاف إليها 250 ليرة تصنيع . تثبت الشكة بخياطتها على الحافة السفلى للطربوش بحيث لا يظهر من الربعية أكثر من ربعها أو ثلثها بحيث يغطي القسم الباقي الربعية التالية التي تثبت بعدها . ويمكن أن تركب على الطربوش شكة واحدة أو شكتان ، حسب القدرة المادية . والمعمول به الآن : هو تركيب شكتين على كل طربوش .

الشوالق[11] : وتتكون من عدد من القطع الذهبية تسمى الواحدة منها                 ( قرَنيصة )[12] تعلق وتتدلى من جانبي الطربوش على شكل مثلث فوق الأذن ، وعددها من كل جانب 6 قرنيصات تزن الواحدة منها 16 غراماً تصبح بعد التحويل 18 غراماً ثمن الواحدة 16550 ل س يضاف إليها 1300 ل س أجرة تصنيع ، ويمكن أن يستعاض عن القرنيصات بليرات ذهبية فتصبح الكلفة أكبر.

الغازي : يعلق في الطربوش من الأمام والوسط  ـ فوق الجبين ـ  قطعة ذهبية تسمى ( الغازي ) وجمعها غوازي بحيث يظهر ثلثاها من تحت حافة الطربوش وبدأ يستعاض عنها الآن بليرة ذهبية ثمنها مع التصنيع   8000  ليرة  سورية .

هناك نساء مختصات بتركيب القطع الذهبية على الطربوش يتقاضين حوالي 3000 ليرة على الطربوش الواحد . وبذلك تصل كلفة الطربوش الواحد بمعدل وسطي قدره  300,000  ليرة سورية . إذا كان عيار الذهب 21 .

بقي أن نذكر أن هذه الكلفة مقدرة حسب سعر الذهب بتاريخ كتابة هذا البحث  عام 2006 .

تطرح فوق الطربوش قطعة من القماش الأبيض الشفاف تسمى ( الفوطة ) وهي غطاء الرأس عند النساء والذي يلبس فوق الطربوش أو على الرأس مباشرة دون طربوش . وهو مصنوع من القطن وغالباً يكون من قماش         ( الجورجيت )[13] بالنسبة للصبايا . أما النساء الكبيرات في السن فتكون قطعة القماش التي تستخدمنها أسمك وأقل شفافية وتسمى (المقطع )[14] . وتسمى الفوطة في بعض المناطق  ـ وخاصة في لبنان ـ  بالمنديل .

وبعد الاتفاق على هذه الأمور يمكن للعريس أن يتردد على بيت عمه أثناء الخطبة ليجلس مع خطيبته ، ويتعرف كل منهما على الآخر بصورة أوضح  ولكن لا يسمح لهما بالخلوة فإما أن يجلس معهما أحد الصغار أو يبقيا الباب مفتوحاً ، ولتثبيت الخطبة يشتري العريس بعض الهدايا  بالإضافة إلى قطعة من الذهب ( الشبكة )[15] وغالباً ما تكون سواراً أو حلية تزين الصدر أو العنق  وقديماً كانت غالباً من الفضة . ولا بد إن يصطحب العريس مع كل زيارة إلى بيت ( عمه) هدية صغيرة من المأكولة أو الفاكهة أو القهوة ويقال :

( ما بفوت فاضي )


[1] تعال إلي

[2] تمرض وتسقم

[3] تعلو وترتفع

[4] كدّ فلان ـ كداً : ألح في طلب الشيء . وللكدّة دورها في الإلحاح على أهل العروس لقبول طلبهم يد العروس

[5] ـ التطعيم ( في النبات ) عملية يلصق بها جزء من ساق نبات يسمى الطعم بساق نبات آخر مثبته جذوره ويسمى بالأصل ، فيتم اتحادهما بعد ذلك . والصندوق المطعم، يعني تطعيم خشب الصندوق بشيء أخر ، وهو هنا : الصدف وأسلاك الفضة

[6] ( جهّزه) أعد له جهازه . وفي التنزيل العزيز ( فلما جهّزهم بجهازهم )  و( الجهاز ) : جهاز كل شيء : ما يحتاج إليه . يقال : جهاز العروس ن والمسافر ، والجيش ..

 

[7]ـ مصطلح شعبي دخيل على اللغة العربية

[8] مصطلح شعبي من الدخيل على اللغة العربية

[9] سميت بهذا الاسم لأن الرباعي تشك فيها بالإبرة في متداخلة في صف  .

[10]نسبة إلى ربع الشيء

[11] مصطلح محلي ، من الدخيل على اللغة العربية

[12] ـ قطعة ذهبية اصطلح على تسميتها بهذا الاسم

[13] ـ نوع من القماش الشفاف ، والتسمية فرنسية

[14] ـ مصطلح محلي من الدخيل على اللغة العربية

[15] ـ الهدية يقدمها الخطيب إلى خطيبته إعلاناً للخطبة ( محدثة )



 أحداث التاريخ السوري بحسب السنوات


سورية 1900 سورية 1901 سورية 1902 سورية 1903 سورية 1904
سورية 1905 سورية 1906 سورية 1907 سورية 1908 سورية 1909
سورية 1910 سورية 1911 سورية 1912 سورية 1913 سورية 1914
سورية 1915 سورية 1916 سورية 1917 سورية 1918 سورية 1919
سورية 1920 سورية 1921 سورية 1922 سورية 1923 سورية 1924
سورية 1925 سورية 1926 سورية 1927 سورية 1928 سورية 1929
سورية 1930 سورية 1931 سورية 1932 سورية 1933 سورية 1934
سورية 1935 سورية 1936 سورية 1937 سورية 1938 سورية 1939
سورية 1940 سورية 1941 سورية 1942 سورية 1943 سورية 1944
سورية 1945 سورية 1946 سورية 1947 سورية 1948 سورية 1949
سورية 1950 سورية 1951 سورية 1952 سورية 1953 سورية 1954
سورية 1955 سورية 1956 سورية 1957 سورية 1958 سورية 1959
سورية 1960 سورية 1961 سورية 1962 سورية 1963 سورية 1964
سورية 1965 سورية 1966 سورية 1967 سورية 1968 سورية 1969
سورية 1970 سورية 1971 سورية 1972 سورية 1973 سورية 1974
سورية 1975 سورية 1976 سورية 1977 سورية 1978 سورية 1979
سورية 1980 سورية 1981 سورية 1982 سورية 1983 سورية 1984
سورية 1985 سورية 1986 سورية 1987 سورية 1988 سورية 1989
سورية 1990 سورية 1991 سورية 1992 سورية 1993 سورية 1994
سورية 1995 سورية 1996 سورية 1997 سورية 1998 سورية 1999
سورية2000

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى