شهادات ومذكرات
سلامة عبيد: أسباب الثورة السورية الكبرى .. العامل الذهبي
سلامة عبيد: العزلة الجغرافية والمذهبية
القسم الأول : الأسباب الخارجية للثورة السورية الكبرى 1925 – العامل الذهبي.
وإلى جانب هذه العوامل الجغرافية والاقتصادية والتاريخية التي جعلت الصفة الحربية أبرز صفات الدروز نجد عامل المعتقدات، سواء أكانت هذه المعتقدات دينية أصلية أو محلية أصبحت لها قوة المعتقد ورسوخه.
فالدروز المأمورون بالرضى والتسليم، الموعودون بالدنيا الآخرة.. العارفون بأن أشد الليل اسودادا أقربه إلى الفجر، يثقون بالله بعدله ونصرته، وفرجه ثقة كبيرة تبعث في نفسهم الطمأنينة ومن ثم رباطة الجأش في الحالات الحرجة فيسيرون إلى الموت مترنمين:
وامشي على ما قدر الله والكاتبه ربك بيصير
وإذا ذكرنا الموت، في حديثنا عن الدروز، ذكرناه تجاوزاً لأن الموت في معتقدهم، ولادة جديدة تفارق الروح الوعاء البشري القديم، لتحلّ في وعاء بشرى جديد، لهذا لا يجد المرء في ذلك الجبل مقابر (مدافن صخمة أو قباباً). ولم الاهتمام بالجسد، هذه الخرقة البالية وهي ليست إلا سجناً للروح.
وقتيل الحرب شهيد يسكن في جنة فيها بساتين وأنهار وقد عرف هذا عنهم منذ القديم “فهم إذا سمعوا بسقوط أحدهم في ساحة الوغى أثنوا عليه وحسدوه على سعده وتمنى كل واحد لو أصاب حظه لا يهمهم النصر بقدر ما تهمهم المعركة – رابحة لا فرق أو خاسرة).
وهم يعتبرون ساحة الحرب سوقاً تباع فيه الأرواح:
العز بظهور المطايا والعمر عندا الله وديعّ
ياحضراً سوق المنايا عيباً على اللي ما يبيع
ويذكى هذا الاندفاع نحو الموت الذي هو سنة الله في خلقه، الخوف من شماتة الأعداء وخاصة العشائر:
وإن قتلتم يا النشاما سنه وإن سلمتم سالمين من الشماته
هذه النظرة الهادئة الرضية، على الموت، والرغبة في الاستشهاد. وأيام الدروز “حروبهم” التي لا يمكن الغض من قيمتها والمغالاة التي عرف بها الدرزي “أن نسك أذاب جسده وأشاح عن دنياه. وإن جهل فهو رجل الزناد والجناد” وطبيعة الجبال، وخشونة المعيشة التي ألفها منذ صغره، وأحاديث البطولة وقصصها، كل ذلك يجعل منه محارباً شجاعاً متهوراً يوازي وحده عشرين رجلاً ويجعل من ذلك “الشعب” شعباً مقاتلاً شديد البأس، تغلب عليهم الحمية والنخوة فيعدون من أكثر الناس عزة وأشجع رجال الحرب لا في سورية ولبنان بحسب بل وفي الشرق كله.
وإلى جانب هذه الشجاعة المهشورة الفخورة عرف الدروز مزية الصبر في الشدائد.. واحتمال المشاق والجوع والعطش، وقد رافقهم هذا الصبر وتأصل فيهم منذ كانوا دروزاً:
ونصبر وحنا من الرجال الصبورين ونصير كما تصبر سواني البعارين
وهم لا يتذمرون من هذه الشدائد، غالباً، وقد يرحبون بها لأنها تصفيهم كما تصفى النار الفضة، وقد يخفف من وطأتها عنهم، ما عرفوا فيه من التقشف الذي لازم معتقدهم، موارد رزقهم المحدودة:
مازال أنا مستور فوقي عباتي الحمد لله عن رهاف الملابيس
انظر:
سلامة عبيد: فرنسا تفرض نفسها.. (1)
سلامة عبيد: الأسباب السياسية للثورة السورية الكبرى عام 1925 .. مغامز صك الانتداب (2)
سلامة عبيد: الأسباب السياسية للثورة السورية الكبرى عام 1925 .. مخالفة فرنسا لصك الانتداب (3)
سلامة عبيد: الأسباب السياسية للثورة السورية الكبرى عام 1925 .. سلطات المفوض السامي (4)
سلامة عبيد: الأسباب السياسية للثورة السورية الكبرى عام 1925 .. تغيير المفوضين (5)
سلامة عبيد: الأسباب السياسية للثورة السورية الكبرى عام 1925 .. التجزئة (6)
سلامة عبيد: الأسباب الخارجية للثورة السورية الكبرى عام 1925 (7)
سلامة عبيد: الأسباب الخارجية للثورة السورية الكبرى 1925 – حب الاستقلال والحرية (8)
سلامة عبيد: الأسباب الاجتماعية والاقتصادية للثورة السورية الكبرى- العوامل الاقتصادية – التجارة (9)
سلامة عبيد: جبل حوران – المنطقة والسكان .. لمحة جغرافية (10)
سلامة عبيد: جبل حوران – السكان (11)
سلامة عبيد: أسباب الثورة السورية الكبرى .. العزلة الجغرافية والمذهبية (12)
سلامة عبيد: أسباب الثورة السورية الكبرى .. عدم الاستقرار وحياة القلق (13)