مقالات
نورالدين عقيل: من ذكريات يبرود.. حادثة “ثنية اليباردة”
نورالدين عقيل – التاريخ السوري المعاصر
في ظل ضعف السلطة العثمانية في نهاية القرن التاسع عشر وفقدان الأمن وانتشار الفقر والجوع والفاقة ، كل ذلك دفع الى ازدياد عدد قطاع الطرق وازدياد جرأة وغارات بعض بدو العشائر البدوية التي يعيش اغلبها على السلب والنهب والتي تقطن البادية السورية كل ذلك شجع عدوانها على المناطق الريفية القريبة من أطراف البادية ، وأحيانا كانت تقوم عصابات البدو بالإغارة في عمق المناطق الريفية البعيدة عن البادية كمنطقة القلمون الغربي ، هذه الغارات كان غايتها القيام بعملية السلب ونهب كل ما يقع بأيدي هؤلاء اللصوص من مزروعات ومواشي ودواب ومؤن الفلاحين وحتى الثياب وأثاث المنازل .
يبرود تعرضت لغارة من هذه الغارات وخاصة من قبل بدو عرب اللجاة شمالي جبل العرب ، وكان تاريخ حادثة الغزو هذه التي تعرضت لها البلدة في العقد الأخير من القرن التاسع عشر الميلادي أي حوالي العام 1893١٨٩٣م .
وقصة هذه الإغارة كما رواها احد كبار السن رحمه الله وعلى ذمته وقعت كما يلي :
في موسم الصيف وموسم جني المحاصيل الزراعية البعلية وحصاد القمح والشعير وخلو البلدة تقريبا من اغلب رجالها وشبابها كونهم مشغولين باعمالهم في حصاد المزروعات البعلية بعيدا عن البلده ، استغلت عصابة من بدو اللجاة هذه الفرصة وهاجمت اطراف البلدة الجنوبية بعنف ووحشية بالاسلحة النارية وغيرها واستولت على اعداد كبيرة من الماشية التي كانت ترعى على اطراف البلدة ، وايضا تم السطو على بعض المنازل ونهب ما وقعت ايديهم عليها من مؤن واثاث وثياب ومتاع مهددين اصحابها بالقتل باسلحتهم النارية وسيوفهم وخناجرهم ناشرين الرعب والهلع بين الموجودين في هذه المنازل وغالبتهم من نساء واطفال وعجائز لانشغال الرجال في مناطق بعيدة ، ثم ولى هؤلاء اللصوص الأدبار قبل وصول اخبار غارتهم ووصول النجدة من رجال البلدة المشغولين بأعمالهم خارجها والذين سرعان ما هرعوا لحماية البلدة عندما وصلتهم الاخبار وسمعوا بها .
عصابة البدو حينها كانت قد ابتعدت باتجاه العقبة متبعة نزلة حاجولا مرورا بقرية الناصرية ثم التوغل شرقا نحو البادية .
نهض عدد من الشبان وسارعوا باللحاق بهذه العصابة من البدو متسلحين بما توفر لديهم من اسلحة وحثوا الخطا متعقبين أثر هؤلاء الغزاة اللصوص لإنقاذ ما يمكن انقاذه من ماشية وغيرها من ايدي هؤلاء البدو وتاديبهم على عملهم الاجرامي ، هؤلاء الشبان لحقوا الغزاة مسافة طويله شرقي قرية الناصرية ، حتى اقتربوا من هؤلاء اللصوص الذي عرجوا على الدخول الى احد وديان الجبال القريبة ونصبوا كمينا للمطاردين لهم في منطقة وعرة وفي واد بين مرتفعين جبليين وانتظروا حتى وصل المطاردون من ابناء يبرود الى مرمى نيرانهم في الوادي وانهالوا عليهم بالرماياة متسترين بالصخور والحجارة عن اعين هؤلاء المطاردين ، وما كان من ابناء يبرود إلا ان اشتبكوا في معركة غير متكافئة من حيث العدد والتسليح وتخفي البدو بين الصخور والحجارة ، بينما كان شباب يبرود مكشوفين امام اعين البدو الغزاة .
وكانت حصيلة المعركة ان استشهد ثمانية من ابناء يبرود وجرح البعض . هنا استغل هؤلاء البدو هذه الفرصة وولوا الادبار ممعنين هربا بغنائمهم نحو البادية ولم يعرف عدد المصابين منهم .
حينها اضطر من بقي حيا بعد هذه المعركةه الى دفن الموتى وجعلوا فوق كل قبر كومة من الحجارة لتكون شاهدة على القبر، ثم ضمدوا جراح الباقين بعد ان عجزوا ويئسوا من اللحاق بهؤلاء المجرمين القتلة ، وعادوا الى البلدة والألم يعتصرهم .
لا تزال هذه البقعة التي وقعت فيها هذه المعركة تدعى للآن باسم ( ثنية اليباردة ) نسبة الى من قتل في هذه المنطقة ، ولا تزال اكوام الحجارة فوق قبور الموتى شاهدة على تلك الحادثة الى اليوم ، وثنية اليباردة التي تقع بين قرية الناصرية ومدينة القريتين يعرفها الرعاة واصحاب المواشي والصيادون من ابناء المنطقة ايضا.
انظر:
نورالدين عقيل:الأعياد الدينية في يبرود في الماضي الجميل
نورالدين عقيل: نظام الري القديم في يبرود
نورالدين عقيل: رمضان في ماضي يبرود
نورالدين عقيل: أشهر الحلويات الشعبية في يبرود
نورالدين عقيل : خميس الأموات ونوبات المشايخ في ماضي يبرود
نورالدين عقيل: نبذه عن التعليم التقليدي في مدينة يبرود
نورالدين عقيل: مغارة “فتنه” في وادي قرينا في يبرود