سلامة عبيد: جبل حوران – المنطقة والسكان .. لمحة جغرافية
القسم الأول : جبل حوران – السكان
عرف الجبل في القرون الثلاثة الأولى للميلاد، عهداً من الازدهار والعمران ولا تزال آثاره ناطقة، ولكنه لم يلبث أن أهمل، فهُجر وكان يُنسى لولا انقطاع الطريق الساحلية أثناء الحروب الصليبية، إلا أن أسباباً كثيراً أهمها الحروب الأهلية وكثرة الضرائب، والاضطهاد الديني، النفي الاختياري كل ذلك جعل العشائر الدرزية تنزح إليه من لبنان في القرنين السابع عشر والثامن عشر، ومن ثم فلسطين وحلب، فتستقر في طرفيه الغربي والشمالي.
ظل القسم الكبير من الجبل مقفراً حتى عهد متأخر، عندما زاره القسّ بورتر في أواسط القرن التاسع عشر رأى المنطقة الممتدة إلى الشرق والجنوب من خط القرية – السويداء- شهبا كلها قرى قائمة البنيان ولكنها مُقفرة تماماً، لا إنسان ولا حيوان.
وجد هؤلاء النازحون الجدد أشدّ أنواع المقاومة من جيرانهم الحضر والبدو على السواء لاحتلالهم مراعيهم الواسعة الغنية كما أنهم تعرّضوا مراراً لغضب حكومة الباب العالي وولاتها في مصر وسورية فلم يستطيعوا أن يثبتوا في معقلهم العتيد إلا بحدَ السيف وما لبثوا أن اشتد ساعدهم وبدأوا بالتوسع على أثر الموجات الجديدة من المهاجرين.
بلغ عدد سكان الجبل قبيل الثورة (1925) اثني وخمسين ألف نسمة تقريباً بينهم 44 ألفاً من الدروز تقريباً، ويعيشون على مساحة تقدّر بخمسة آلاف كيلو متر مربع لا يصلح منها للزراعة والمرعى أكثر من نصفها.
نزح الدروز إلى الجبل عشائر أو عائلات، يتزعمها أفراد، أو بيت واستقرت هذه العشائر والعائلات في القرى التي وجدوها خربة مهجورة.
إلا أن فترة الاستقرار هذه لم تخلُ من منافسات وأطماع، تسبّب عنها في كثير من الأحيان حروب محلية، لم يخفف من حدّتها غير الاتحاد في وجه المحاولات العثمانية للسيطرة على الجبل وإخضاعه.
وهكذا، إذا ألقينا نظرة على خريطة الجبل، نجد أن سيطرة بعض العائلات على بعض المناطق أو القرى جاء نتيجة أمرين:
أ- إما سيطرة بفضل النفوذ العددي كأن تكون القرية بكاملها تقريباً من عائلة واحدة.
ب- وأما سيطرة بفضل النفوذ الأدبي والسياسي، كما هي الحال مع كثير من القرى ولاسيما القرى التي يتزعمها آل الأطرش.
ومع ذلك فالزعامة في الجبل زعامة عربية بمعنى أنها زعامة تحتفظ للفرد بشخصيته، وكرامته وحريته، زعامة تظل قائمة ومحترمة طالما هي ترعى مصالح الجماعة وتبادلها الرأي والمشورة، وتحافظ على تقاليدها وعاداتها ولاسيّما تقاليدها الحربية والاجتماعية من كرم وشجاعة وأخلاق. ولاسيّما المحافظة على روح الحرية والاستقلال وعلى العرض الذي امتازوا بالدفاع عنه والحفاظ عليه ولو كان للأعداء.
انظر:
سلامة عبيد: فرنسا تفرض نفسها.. (1)
سلامة عبيد: الأسباب السياسية للثورة السورية الكبرى عام 1925 .. مغامز صك الانتداب (2)
سلامة عبيد: الأسباب السياسية للثورة السورية الكبرى عام 1925 .. مخالفة فرنسا لصك الانتداب (3)
سلامة عبيد: الأسباب السياسية للثورة السورية الكبرى عام 1925 .. سلطات المفوض السامي (4)
سلامة عبيد: الأسباب السياسية للثورة السورية الكبرى عام 1925 .. تغيير المفوضين (5)
سلامة عبيد: الأسباب السياسية للثورة السورية الكبرى عام 1925 .. التجزئة (6)
سلامة عبيد: الأسباب الخارجية للثورة السورية الكبرى عام 1925 (7)
سلامة عبيد: الأسباب الخارجية للثورة السورية الكبرى 1925 – حب الاستقلال والحرية (8)
سلامة عبيد: الأسباب الاجتماعية والاقتصادية للثورة السورية الكبرى- العوامل الاقتصادية – التجارة (9)
سلامة عبيد: جبل حوران – المنطقة والسكان .. لمحة جغرافية (10)