You dont have javascript enabled! Please enable it!
قراءة في كتابمقالات

“سكة الترامواي طريق الحداثة مرّ بدمشق” .. كتاب يوقظ فينا الحنين ويوئد الأمل

كتاب سكة الترامواي طريق الحداثة مر بدمشق PDF سامي مبيض

سليمان عبد النبي – التاريخ السوري المعاصر

أدى إدخال “ترامواي الشام” دوراً محورياً في تنظيم دمشق وتطويرها اجتماعياً، وعمرانياً، واقتصادياً، وفكرياً. وجاء تدشينه في الثالث والعشرين من شباط عام 1907 في خضم عملية عبور المجتمع المدني في سورية نحو الحداثة، التي بدأت إرهاصاتها الأولى فعلياً مع إطلاق حركة الإصلاحات العثمانية المعروفة بالتنظيمات في أواسط القرن التاسع عشر.

وهذا ما دعا الباحث الدكتور سامي مبيّض لاعتماد “الترامواي” كموضوع-ثيمة أساسية في عنوان كتابه الجديد المعنون “سكة الترامواي طريق الحداثة مرّ بدمشق”، الذي يتناول فيه قصة الحداثة في سورية انطلاقاً من دمشق، ومعركة التغيير في المجتمع السوري، التي يعتبرها معركة شنّت عمودياً وأفقياً على ثلاث جبهات بين ثلاث مكونات اجتماعية: بين الشباب المتعلّم وآبائهم المحافظين، بين الرجل والمرأة، وبين العلمانيين ورجال الدين، راصداً تنوع منصات الصراع وكثرة أمكنته: في الأزقة والحارات، داخل المنازل، في المساجد، في جامعة دمشق، على خشبات المسارح، في ملاعب كرة القدم، وداخل الأحزاب، والأندية، والصحف.

صدر هذا الكتاب التاريخي التحليلي المهم عن «دار رياض نجيب الريّس»، في بيروت، مطلع شهر سبتمبر (أيلول) 2022، ويقع في 416 صفحة، توزعت على أربعة وعشرين فصلاً.

 يلاحظ القارئ تشعباً في هذه الفصول، وأحيانا استقلالاً واضحاً بين قصصه والمحاور التي يتناولها، وهذا بحسب – مبيض – يعكس حالة التفكك الكبير في تجربة الحداثة السورية، التي بقيت فردية وغير مترابطة. ولم ترق يوماً إلى مشروع وطني تتبناه الدولة السورية؛ إذ لم تتحول الحداثة إلى مشروع متكامل له بداية وأهداف مجتمعية واضحة الأبعاد والمعالم.

ويأتي هذا الكتاب ايضاً ليسلط الضوء على كل هذه التجارب، بما لها وما عليها، بنجاحاتها وإخفاقاتها، طارحاً سؤالاً مؤداه: هل كانت دمشق مستعدة للتغيير؟ وهل قبلت به عن قناعة؟ هل كانت فعلاً مدينة كلاسيكية محافظة، غارقة في إرثها التاريخي، أم مدينة متجددة ومنفتحة على كل جديد؟ وأخيراً، هل كانت دمشق مُتعصبة؟ أم أنها كانت متسامحة مع شبابها وصباها في الربع الأخير من القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين؟

خصص للحياة الفنية في دمشق قسم كامل في كتاب سامي مبيّض الجديد، تحدث فيه عن مؤسس المسرح الغنائي أبى خليل القباني، الذي أطلق على مسرحه اسم “برودواي دمشق،” وعن حفيديه نزار وصباح قبّاني، اللذين أحدثا نقلة نوعية في الوعي الجمعي للسوريين، وسعيهم نحو الحداثة. وجاءت مساهمات نزار في شعر الحب والمرأة، وأما شقيقه صباح، فكان هو المدير المؤسس للتلفزيون السوري، وله يعود الفضل في إقناع سيدات دمشق بكسر قيدهن والظهور على شاشة التلفزيون عند بدء البث سنة 1960. وفي الكتاب أيضاً فصل كامل عن المرحوم صلحي الوادي، مؤسس الفرقة السيمفونية الوطنية في سورية، الذي عاشت منجزاته الفنية أطول منه بكثير؛ إذ جاء في الكتاب أنه بدء حياته الفنية عبر مسرحية غنائية عن المجاهد السوري حسن الخرّاط، كان من المفترض أن تُعرض في بساتين غوطة دمشق في مرحلة الستينيات، والتي لعب فيها الفنان السوري رفيق سبيعي دور البطولة.

وفي الكتاب فصل مهم عن تاريخ المسرح والتمثيل في سورية قبيل بدء التلفزيون، وكيف حصل رواده ومؤسسوه على دعم من سياسيين كبار من أمثال أول رئيس جمهورية محمد علي العابد، الذي دعا الفنانين السوريين لإحياء عرض مسرحي داخل القصر الجمهوري سنة 1932. وحتى المحافظين قدموا الدعم لهم، مثل الشيخ تاج الدين الحسني، الذي جابه مقص الرقيب بعد تعيينه رئيساً للحكومة سنة 1928 ودافع عن مهنة التمثيل (المستهجنة في المجتمع السوري المحافظ) أمام زملائه المشايخ. فقد سمح لهم بإقامة النوادي وقدم دعماً مالياً لعدة فرق مسرحية لإنقاذها من الإفلاس.

لا يختزل الكتاب “الحداثة” بالتمثيل، ففيه فصول عن حركات تحرر المرأة منذ زمن الملك فيصل (1918-1920)، وعن محاولات إصلاح المناهج التربوية في سورية سنة 1943، بهدف التخلص من الإرث الفرنسي، وكيف قام وزير المعارف في حينها أحمد الشرباتي بنسف نظام البكالوريا. فقد كان رواد الحداثة، بحسب مبيض، مجموعة من الشباب خرجوا من بيوت أباءهم وأجدادهم في مدينة دمشق القديمة، وأقاموا في منازل طابقية حديثة، ظهرت على طرفي “سكّة الترامواي” بعد بدئها سنة 1907. ودرسوا في كبرى جامعات جنيف وباريس ولندن، وعادوا إلى مدينتهم حاملين أفكاراً تحررية في السياسة والدين والمجتمع، وأرادوا تطبيقها عبر الأحزاب السياسية والأندية والصحف، وصولاً إلى داخل منازلهم في تربية أولادهم. ففي مطلع القرن العشرين، كان رموز التغيير في سورية من أبناء النخب الأرستقراطية المحسوبة على الدولة العثمانية، مثل آل العظم وآل مردم بك وآل العابد، ولكنهم تبدلوا مع مرور الوقت وصاروا من أبناء الطبقة الوسطى، من أمثال نزار وصباح قباني.

يربط مبيّض بين الحجر والبشر في كتابه، ويعتبر أن معركة الحداثة والتغيير أثرت بعمران دمشق، وتأثرت به كثيراً. أما أبناء جيل التغيير فأطلقوا مشاريعهم من العمارات الحديثة التي ظهرت في دمشق العشرينيات بفضل خطوط الترامواي الست، ويقول إن تجاربهم توقفت أو انهارت مع فك خطوط “ترامواي الشام” في مطلع الستينيات.

يعد الكتاب قطعة تاريخية تحليلية يحاول مبيّض فيه أن يقول لنا وبطريقة بارعة أن الحداثة في سورية بدأت وانتهت مع سكة الترامواي، وبذلك يقتل ويوئد المؤلف الأمل فينا بوأد سكة الترامواي والحداثة في دمشق معاً. وهذا لا يتفق بشكل كامل مع رأي أمين معلوف في الكتاب حين قال في تقديمه للكتاب بأنه يوقظ فينا الحنين وشيئاً من الأمل.

من مآسي مشرقنا أن الحداثة الاجتماعية والفكرية، التي تبدو في يومنا هذا بعيدة المنال، كانت قائمة فيه بالفعل لأجيال عدّة، بفضل رواد مبدعين، وكان من الممكن أن تتحول هذه البقعة من العالم إلى منارة حقيقية للتقدم والحضارة. هذا ما يرويه لنا سامي مبيّض في عمله الرائع عن دمشق، عبر أمثلة مقنعة توقظ فينا الحنين، بالطبع، وتوقظ كذلك شيئا من الأمل.

إنه لمن الصعوبة بمكان اختصار هذا الكم الهائل من المعلومات التي تتسم بالغزارة والدقة والتفاصيل التي ربما ينشر بعضها لأول مرة، في قراءة مختصرة تعكس أهميته ومحتواه، ومضمونه، ولكن ينتاب المرء شعور مؤلم بأن سكة الترامواي التي اقتلعت قضبانها من شوارع العاصمة دمشق في الستينيات تحمل في طياتها وبين جنباتها إشارة رمزية لرجالات ضحوا وقدموا قبل أن يتم اقتلاعهم مع مشاريعهم وتجاربهم التي أصحبت عبئا ً على الدولة وعلى السياسيين الجدد… مثل الترامواي.

سامي مروان مبيض كاتب  ومؤرخ سوري، بدأ حياته المهنية وهو ما يزال بعد على مقاعد الدراسة في الجامعة الأميركية في بيروت، عند صدور كتابه الأول سنة 1998. وظلّ يكتب باللغة الإنكليزية لسنوات طويلة، قبل نشر أول كتبه بالعربية سنة 2015، “تاريخ دمشق المنسي.” وقد نشرت مقالاته في جريدة الواشنطن بوست الأميركية، وفي جريدة السفير اللبنانية، وهو اليوم أحد كتاب جريدة الأهرام المصرية، إضافة لعمله رئيساً لمجلس أمناء مؤسسة تاريخ دمشق، المعنية بحفظ أرشيف مدينة دمشق ومستشاراً في مؤسسة الأمير عبد القادر الجزائري الدولية للثقافة والتراث.



 أحداث التاريخ السوري بحسب السنوات


سورية 1900 سورية 1901 سورية 1902 سورية 1903 سورية 1904
سورية 1905 سورية 1906 سورية 1907 سورية 1908 سورية 1909
سورية 1910 سورية 1911 سورية 1912 سورية 1913 سورية 1914
سورية 1915 سورية 1916 سورية 1917 سورية 1918 سورية 1919
سورية 1920 سورية 1921 سورية 1922 سورية 1923 سورية 1924
سورية 1925 سورية 1926 سورية 1927 سورية 1928 سورية 1929
سورية 1930 سورية 1931 سورية 1932 سورية 1933 سورية 1934
سورية 1935 سورية 1936 سورية 1937 سورية 1938 سورية 1939
سورية 1940 سورية 1941 سورية 1942 سورية 1943 سورية 1944
سورية 1945 سورية 1946 سورية 1947 سورية 1948 سورية 1949
سورية 1950 سورية 1951 سورية 1952 سورية 1953 سورية 1954
سورية 1955 سورية 1956 سورية 1957 سورية 1958 سورية 1959
سورية 1960 سورية 1961 سورية 1962 سورية 1963 سورية 1964
سورية 1965 سورية 1966 سورية 1967 سورية 1968 سورية 1969
سورية 1970 سورية 1971 سورية 1972 سورية 1973 سورية 1974
سورية 1975 سورية 1976 سورية 1977 سورية 1978 سورية 1979
سورية 1980 سورية 1981 سورية 1982 سورية 1983 سورية 1984
سورية 1985 سورية 1986 سورية 1987 سورية 1988 سورية 1989
سورية 1990 سورية 1991 سورية 1992 سورية 1993 سورية 1994
سورية 1995 سورية 1996 سورية 1997 سورية 1998 سورية 1999
سورية2000

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى