شهادات ومذكرات
من مذكرات أمين أبو عساف (41):نقلي إلى كتيبة الفرسان الأولى في السويداء
من مذكرات أمين أبو عساف (41): نقلي إلى كتيبة الفرسان الأولى في السويداء
خلال شهر حزيران دعيت لمقابلة رئيس الأركان، أخبرني الرئيس “مأمون بيطار” رئيس الشعبة الأولى أن رئيس الأركان يرغب في نقلي إلى السويداء. لإصلاح شؤون الكتيبة الدرزية، هذه تسميتها في عهد الفرنسيين!
في العهد الوطني أطلق عليها اسم (كتيبة الفرسان الأولى) لأن جنودها غير انضباطيين لا ينفذون الأوامر. طلبنا نقل جنود تمردوا على الأوامر وقال أحدهم إذا أتانا أمر من “سلطان باشا” ننفذه ونحن نأتمر بأمره!. (“سلطان باشا” ليس له علم بذلك).
ولما أراد آمر اللواء العقيد “جميل برهاني” أثناء الاجتماع اقناعهم بتنفيذ الأمر هاجموه واضطر لترك الاجتماع.
يعملون سخرة في دار المقدم “حمد الأطرش” لا تدريب ولا انضباط، قلت بعد أن استتب الأمر في تدمر وأنهيت المشاكل، أنقل إلى مكان آخر. أجاب إنك تنقل لصالح الخدمة، ولا يمكن لسواك القيام بهذا العمل. وكما اخترناك إلى تدمر لتنفيذ مهمة صعبة تطلب إليك إصلاح هذه الكتيبة. وهي مهمة صعبة أيضاً.
كيف يمكنني إصلاحها وآمري الكوكبات رؤساء، وبها مقدم! وأنا بهذه الرتبة؟ أجاب: نحن نفكر بتعيين المقدم “تركي عامر” آمراً للكتيبة (وهو ضابط غير نظامي) وأنت معاون له. وتقوم بكل الأعمال. ونتفق معه على ذلك. أردنا أن نأخذ رأيك أولاً وبعدها نصدر الأوامر.
قلت إذا كان عندكم نوايا سيئة نحو أفراد الكتيبة خارجة عن القانون العسكري فأنا لا أقبل بها. عندما أعين معاوناً لأمر الكتيبة يكون هدفي خدمة المصلحة العامة، ومصلحة الجنود الذين تحت قيادتي على أن يقوموا بواجبهم العسكري. أجاب الرئيس “مأمون” لنذهب إلى رئيس الأركان لتسمع منه.
قال الزعيم”عبد الله عطفة” نحن نكن كل التقدير والاحترام لأبناء بني معروف نظراً لبسالتهم ووطنيتهم. نرغب في إصلاح الكتيبة ويجب أن تكون قدوة بانضباطها وتدريبها. ولولا اهتمامنا بها لما طلبنا إصلاحها.
قلت: طبعاً الانضباط له الأفضلية وهو أساس في تشكيل الجيوش. لكن ما أعرفه أن الكتيبة مهملة لا ألبسة ولا آليات ولا يلبى لها طلب.
أجاب الزعيم: إن الكتيبة تعمل في دار المقدم “حمد الأطرش” إذ يوجد سخرة يومية تصل من أربعين إلى ستين جندياً.
يستعمل سيارات الجيش لنقل الحجارة إلى الخارج تعود محملة بالتراب إليها. ولابد تنفيذ الأوامر العسكرية. وعندما تكون قيادة الكتيبة موثوقة ومنضبطة وتقوم بواجبها وتنفذ الأوامر نعاملها مثل باقي القطعات.
وعلى هذه الشروط صدر أمر بنقلي إلى كتيبة الفرسان الأولى وعين الرئيس “محمود بنيان” معاوناً لمدير العشائر في تدمر وأمر الفوج الثاني لقوى البادية. سلمته الفوج كامل التسليح والتجهيز والآليات (مصفحات وسيارات) وهكذا غادرت تدمر بعد أن قضيت على الفوضى وساد ربوعها الأمن والنظام. مرتاح الضمير لما قمت به من أعمال. وكان الرئيس “مأمون البيطار” قد أخبرني أن عدداً من الضباط برتبة مقدم طلبوا أن يستلموا مكاني قيادة الفوج ولم يُستجب لطلبهم.
تم الإتفاق على نقل المقدم “حمد الأطرش” ثم نقل معاونه المقدم “توفيق بشور” في مرحلة ثانية. ثم تعين المقدم “تركي عامر” آمراً للكتيبة وتعييني معاوناً له ومسؤولاً عنها.
تعيين المقدم “توفيق بشور” آمراً للكتيبة
وصلت دمشق وقابلت رئيس الشعبة الأولى. قال :حدث تعديل على الاتفاق فوق إرادتنا. وعين المقدم “توفيق بشور” آمراً للكتيبة وستكون أنت معاوناً له. أجبته أنا سلمت القيادة في تدمر وعفش بيتي محمل على السيارة التي نقلتني وبما أن الاتفاق قد نقض من قبلكم فأنا على استعداد للنقل إلى أي مكن آخر. حتى إلى الجزيرة.. وأعفوني من نقلي إلى السويداء!َ.
قال: لنر رئيس الأركان، ذهبنا إليه وطلبت منه أن ينقلني إلى أي مكان آخر في سوريا عدا السويداء لأني أشعر بما سألاقي من صعوبات.
أجاب رئيس الأركان: نقلنا المقدم “حمد الأطرش” والتحق ثم نقلنا المقدم “توفيق بشور” ولكن تدخل “سلطان باشا الأطرش” وأرسل برقية إلى وزير الدفاع الأستاذ “نبيه العظمة” يطلب بها بقاء المقدم “توفيق بشور” آمراً للكتيبة. لبى الوزير الطلب وأمر بإلغاء النقل وببقائه في السويداء آمراً للكتيبة وأنت الآن تبقى معاوناً له حتى تمر هذه الفترة ولا بد من نقله.
وصلت السويداء في 1 /7/ 1946 وباشرت عملي معاوناً لآمر الكتيبة.
أنا لا أعرف المقدم “توفيق بشور” من قبل وهي المرة الأولى التي أخدم معه ولكني سمعت أنه سرح أيام الفرنسيين بسبب اشتراكه في عمليات التهريب على الحدود التركية. ثم تلاعبه في مواد التموين المخصصة لإطعام سريته – أحيل إلى المحكمة وسرح بموجب حكم المحكمة.
في حوادث /1945/ مع الفرنسيين وتشكيل الحرس الوطني وإذاعة نداء إلى المسرحين والمتقاعدين للالتحاق بهذا الحرس التحق الرئيس “توفيق بشور” ورفع لرتبة مقدم مثل رفاقه الذين كانوا في الخدمة.
رحب المقدم “بشور” بقدومي ولكن لم يمض وقت طويل حتى اكتشفت عدم صراحته.
استلمت عملي كمعاون وهو يقضي أن أطلع وأشارك في إقرار كل الأمور التي تهم الكتيبة. لكنه أبقى أشياء كثيرة مرتبطة به شخصياً ومباشرة: مثلاً إدامة الثكنات- مصلحة الهندسة فيها مواد كثيرة مسجلة أو غير مسجلة من زمن الفرنسيين- إصلاح البيوت التابعة للجيش التي خربت ونهبت أبوابها ونوافذها- تموين الكتيبة الذي يوزع على الأفراد. كل هذه الأمور يجري حلها معه مباشرة من قبل رئيس المصلحة المختص، ورائحة الاختلاسات تزكم الأنوف.
دعينا إلى حفلة مقامة في السويداء على شرف “سلطان باشا الأطرش” حضرها وكنت معه. كما حضرها مشايخ العقل والوجهاء. طلب الشيخ “يحيى الحناوي” إلى النائب “عقلة القطامي” أن يساعده مع المقدم “توفيق بشور” على نقل أحد العسكريين وكنا حول بعضنا نسمع الحديث أجابه :(شيخ أنت تعطي أمراً إلى المقدم “توفيق بشور” وما عليه إلا التنفيذ).
سأل المقدم عن الأسم المطلوب، وسجله معه قائلاً: ليراجعني صاحب العلاقة. (رويت هذه الحادثة لأبين الجو الشعبي الذي يعيش به في السويداء).
كان يقول أمام البعض نحن أقليات (أي المسيحيين والدروز) إذا لم نساعد بعضنا ضاع حقنا! وعندما يأتي إلى دمشق يقول أمام ضباط الأركان “الدروز عنيدون لا يمشون إلا بالعصا وأنا أحمل هذه العصا وبغير ذلك لا يمشي الحال). هذا ما قاله لي الضباط بدمشق.
لا يوجد انضباط في صفوف العسكريين. أيام الفرنسيين كان الانضباط رائعا وبعد ذهابهم دبت الفوضى. السبب أن الفرنسيين خلقوا هوة عميقة بين دمشق والسويداء، وقيادة الكتيبة لم تقم بواجبها بعد الجلاء لردم هذه الهوة. وتوجيه العسكريين نحو واجباتهم، وما هو مطلوب منهم في هذا العهد الجديد.
طلب مني المقدم أن أقوم بدوريات على الخفر. قمت بالدورية المطلوبة سجلت أربع مخالفات كتبت تقريراً وقدمته. طلب مني أن أفرض عقوبات بحق المهملين ففعلت. وفي اليوم التالي وجدت مخالفات من بعض رؤساء الخفر أو الخفراء وحسب توجيهاته فرضت عقوبات بحق المهملين وقدمتها أيضاً. ومن حقه أن يحقق إذا شاء ويوافق على العقوبة أو يلغيها أو يزيدها حتى تصبح نافذة.
ماذا فعل المقدم “بشور”؟ طلب المعاقبين إفرادياً وأطلعهم على العقوبة قائلاً لهم: هذه عقوبات فرضها الملازم أول “أمين أبو عساف” أنا لا أقدر على حمايتكم! لذلك سأوافق على العقوبة دون زيادتها!.
أتى بعض المعاقبين وأعلموني بما جرى!.. طلب بعد أيام أن أقوم بالدورة وهو يعلم أن الإهمال واقع. قمتُ بالدورية وقدمت تقريراً يبين المخالفات وأطلب من آمري الكوكبات القيام بواجبهم وتوعية الجنود وفرض الإنضباط على جنودهم وتذكيرهم بواجبات الرقيب الأسبوعي ورئيس الخفر والخفير. وعندما طلب مني فرض عقوبات أخبرته أني علمت بما فعله المرة الماضية! ولن أفرض عقوبات حتى يستغلها.
إن هذه الدوريات يقوم بها عادة الرتباء الذين يعملون في الصف وليس الذين يعملون في المكاتب. وكقيادة كتيبة إن المسؤول أمامنا هو آمر الكوكبة وليس الأفراد.
كان هدفه أن يخلق العداوة بيني وبين الجنود مستغلاً الجو الشعبي غير الانضباطي حتى يسبب مشاكل بيني وبين عناصر الكتيبة.
طلبت منه أن يخصص لي منزلاً للسكن من بيوت الجيش. قال : يوجد ضباط قبلك يطلبون سكناً وعندما يصلك الدور نخصص لك. لم يأخذ بعين الاعتبار نقلي حديثاً إلى السويداء. إن الضباط الذين يعطيهم الأفضلية يقيمون منذ فترة طويلة في السويداء وسكنهم مؤمن.
كانت الوشة تصلح البيت على طريق الكفر. أخبرت الأركان وسمحوا لي باستئجاره فور انهائه. وهكذا كان وسكنت البيت.. قال لي : كنت أرغب في سكن هذا البيت رغم أنه يسكن بيتاً كبيراً وحديقته واسعة.
كان يقيم فيه مندوب المفوض السامي “سارازان” وعندما انتقل من السويداء سلمه إلى “يوسف باشا الأطرش” على أساس أنه مبني على أرض كانت تخصهم. استملكها الفرنسيون وبعد فترة عادت ملكاً للدولة بعد أن ثبتت مليكتها بصورة قانونية.
إن وجود المقدم “بشور” في السويداء كانت لتقطيع الوقت لا مراقبة ولا تدريب عسكري عملي أو نظري أو توجيه- آمرو الكوكبات شبه أميين أو أميون يقطعون الوقت بدون هدف يسعون إليه، ولا يشعرون بواجبهم الوطني مع أكثرية جنودهم. طفح الكيل ولا أعلم كيف التخلص من هذا الوضع الشاذ الذي لا يخدم مصالح أفراد الكتيبة ولا مصلحة الوطن..
اقرأ:
من مذكرات أمين أبو عساف (1): الثورة العربية الكبرى
من مذكرات أمين أبو عساف (2): بدايات الحكم الفرنسي في السويداء
من مذكرات أمين أبو عساف (3): أسباب الثورة السورية الكبرى 1925
من مذكرات أمين أبو عساف (4): اشتراك حوران وعرب اللجاة في الثورة السورية الكبرى
من مذكرات أمين أبو عساف (5): متابعة دراستي وانتسابي إلى الصف الخاص
من مذكرات أمين أبو عساف (6): الدخول إلى الكلية العسكرية
من مذكرات أمين أبو عساف (7): الدراسة في الكلية العسكرية
من مذكرات أمين أبو عساف (8): التخرج من الكلية العسكرية وتعييني في الكوكبة الثالثة
من مذكرات أمين أبو عساف (9): نقلي إلى كتيبة شمال سورية الكوكبة /25/
من مذكرات أمين أبو عساف (10): إجراءات السفر إلى “سومير”
من مذكرات أمين أبو عساف (11): مدرسة سومير للفرسان والمدرعات
من مذكرات أمين أبو عساف(12): زيارة باريس
من مذكرات أمين أبو عساف (13): إعلان فرنسا الحرب على ألمانيا النازية
من مذكرات أمين أبو عساف(14) : نقلي إلى الكوكبة الثالثة مدرباً لطلاب الكلية العسكرية
من مذكرات أمين أبو عساف (15) : محاضرة عن الدروز في “جبل الدروز”
من مذكرات أمين أبو عساف (16): الحرب عام 1941 بين قوات فيشي وقوات فرنسا الحرة والجيش البريطاني
من مذكرات أمين أبو عساف (17): ذهاب الكتيبة إلى الحدود الفلسطينية
من مذكرات أمين أبو عساف (18): معركة فيق
من مذكرات أمين أبو عساف (19):الانسحاب من تل الفرس
من مذكرات أمين أبو عساف (20): العودة إلى حمص بالقطار من محطة القدم
من مذكرات أمين أبو عساف (21): إعادة تشكيل الرعيل واستلامي مهمات دفاعية على طريق تدمر ودمشق
من مذكرات أمين أبو عساف (22): تعييني أمراً لرعيل المدرعات الثاني عام 1941
من مذكرات أمين أبو عساف (23): عودة الرعيل إلى ثكنته في اللاذقية
من مذكرات أمين أبو عساف (24): نقلي معاوناً لقائد الفرسان والمدرعات
من مذكرات أمين أبو عساف (25): نقلي إلى الكتيبة الخفيفة للمنطقة الشمالية آمراً للتشكيلات الآلية
من مذكرات أمين أبو عساف (26): تشكيل أول كوكبة آلية وتعيين قائداً لها عام 1942
من مذكرات أمين أبو عساف (27): نقلي إلى الكتيبة الدرزية
من مذكرات أمين أبو عساف (28): تعييني معاوناً لآمر المجتمع الرابع
من مذكرات أمين أبو عساف (29): إبعاد الضباط النظاميين إلى بيروت
من مذكرات أمين أبو عساف (30): عودتي معاوناً لآمر المجتمع الرابع
من مذكرات أمين أبو عساف (31): استلامي قيادة الكوكبة الخفيفة الرابعة
من مذكرات أمين أبو عساف (32): وضع المفرزة
من مذكرات أمين أبو عساف (33): الانسحاب عن الفرنسيين
من مذكرات أمين أبو عساف (34): كيف سارت الأمور في دمشق والسويداء عام 1945
من مذكرات أمين أبو عساف (35): تشكيل مديرية العشائر وقيادة قوى البادية عام 1945م
من مذكرات أمين أبو عساف (36): خلاف البدو والحضر في تدمر ودور البريطانيين
من مذكرات أمين أبو عساف (37): وصول “راكان بن مرشد” وتحريض العسكريين
من مذكرات أمين أبو عساف (38): كتاب إلى آمر قوى البادية عام 1945
من مذكرات أمين أبو عساف (39): تشكيل فوج البادية بتدمر عام 1945
من مذكرات أمين أبو عساف (40): العيد الوطني لاستقلال سورية عام 1946