مقالات
حمصي الحمادة: التقويم الرقي .. سنة الزعيم 1949
( التقويم الرقي — سنة الزعيم 1949 م )
أول انقلاب عسكري في تاريخ سوريا ، دخل في الذاكرة الشعبية الرقية وتقويمها الرقي تحت مسمى (سنة الزعيم) نسبة لقائد هذا الانقلاب ( الزعيم حسني الزعيم ) والزعيم الأولى : تعني رتبة عسكرية تعادل اليوم رتبة العميد ، والزعيم الثانية : نسبة لأسرة الزعيم الحلبية التي ينتمي إليها قائد الانقلاب ( حسني الزعيم ) . وقد أصبح حسني الزعيم شخصية مرعبة للسوريين حتى أتذكر وأنا صغير إن تأخرنا عن الذهاب ألى فراش النوم ، فكانت الوالدة يرحمها الله تهددنا قائلة (تنامون ألا أناديلكم الزعيم) فكنا نسارع إلى النوم خوفا من الزعيم ، فما قصة الزعيم وما قصة انقلابه ؟
وفي صباح يوم الأربعاء 30 من آذار 1949 سجل تاريخ سوريا أول انقلاب عسكري، بعد أن قام الزعيم بانقلابه على السلطات الشرعية، المتمثلة بالرئيس شكري القوتلي ورئيس الوزارة خالد العظم.
شهدت الفترة القصيرة لحكم الزعيم قرارات مهمة، أعطى لنفسه حق ممارسة السلطات التشريعية والتنفيذية بما فيها سلطات وزير الدفاع، التي مارسها من 2 من نيسان حتى 26 من حزيران 1949، وعندها رشح نفسه لمنصب رئاسة الجمهورية، بعد أن جعل انتخاب الرئيس على طريقة الاقتراع السري من قبل الشعب مباشرة، وليس من مجلس النواب.
في 3 من نيسان عام 1949 شكل لجنة دستورية لوضع دستور جديد، ووضع قانونًا انتخابيًا جديدًا، وبدأت حينها فكرة المرشح الوحيد بالظهور، ولم يكتف بسن قوانين جديدة، بل كان أول ما فعله بعد انتخابه رئيسًا للجمهورية أنه رقى نفسه لرتبة “مشير”، وأصبح بذلك الضابط السوري الوحيد الذي حمل هذه الرتبة.
ووفق ما ذكر الكاتب، باتريك سيل، في كتابه “الصراع على سوريا”، فقد دفع حسني الزعيم ثمنًا للدول الكبرى لاعترافها به، اتفاقيات تخوّلها إقامة مصالح لها في سوريا، كالسماح لشركة “التابلاين” الأمريكية أن تنشئ المطارات وتقيم المنشآت المعفاة من الرسوم والضرائب.
إضافة إلى أنه وقع اتفاقية بين الحكومة السورية و”شركة خطوط أنابيب الشرق الأوسط المحدودة” البريطانية لنقل النفط العراقي عبر أنابيب مارة في سوريا إلى البحر الأبيض المتوسط.
وفرض”القانون المدني”، الأمر الذي أغضب الرأي العام المسلم، الذي يشكل الأكثرية، ووصفوا إصلاحاته بـ “العلمانية”، واتهموه بتقليد حكم أتاتورك وهتلر.
وفي تلك الفترة بدأ الزعيم يظهر عنصريته ضد العرب، وذلك بعد أن أصدر قرارًا بإعادة تشكيل عناصر وقطاعات الجيش السوري، بحيث جعل الحاميات العسكرية في المدن الرئيسية من العرقيات الكردية والشركسية وغيرها من اﻷقليات الأخرى، أما العناصر العربية فأُبعدت إلى القطاعات النائية وعلى الجبهات، وفق باتريك سيل.
وخلال ثلاثة أشهر فقد الزعيم شعبيته، وأثار عداء المواطنين، كما أن سياسته الموالية للغرب أغضبت الفئة المحايدة، فبات سقوط الزعيم “غاية” مشتركة.
كانت تجاوزات الزعيم كثيرة، الأمر الذي دفع العسكريين والمدنيين للوقوف معًا ضده، وهو ما ساعد على نجاح انقلاب بقيادة العقيد سامي الحناوي، في 13 من آب 1949، بعد ان اجتمع المجلس الحربي الأعلى برئاسة سامي الحناوي، الذي أجرى بدوره محاكمة سريعة لرؤوس الحكم، وأصدر حكمه بإعدام حسني الزعيم، ورئيس حكومته محسن البرازي، رميًا بالرصاص، لتبدأ بعدها حقبة جديدة من الانقلابات العسكرية المتتالية.
دفن الزعيم في مقبرة قرية «أم الشراطيط» “، “الطبيبية” حاليًا، على طريق القنيطرة، ومن ثم نقل رفاته إلى دمشق في عهد الشيشكلي، ودُفن فيها بالمراسم المعتاده.
وبعد انقلاب حسني الزعيم أصبحت سوريا تعيش حالة من عدم الاستقرار، حتى إنها أصبحت أكثر دولة عربية حدثت فيها انقلابات، تجاوزت نتائجها خمسين عامًا.
وهذا ما تنبأ به رشدي الكيخيا، رئيس حزب الشعب، عندما قال، “إذا استشرى داء الانقلاب، فإن سوريا سوف تعيش خمسين عامًا على الأقل كي تقضي عليه”.