You dont have javascript enabled! Please enable it!
قراءة في كتاب

سليمان عبد النبي : سوريا الفيصلية… الولاء القومي المنقسم بين النخب والجماهير

 سليمان عبد النبي – التاريخ السوري المعاصر

تميز العهد الفيصلي، الذي يبدأ بإعلان الحكومة العربية بدمشق في 30 أيلول/ سبتمبر 1918 وينتهي بسقوطها بأيدي الجيش الفرنسي الغازي في 25 تموز/ يوليو 1920، بالعديد من الأحداث الكبرى والمتسارعة التي أسهمت بدرجة كبيرة في تطور الحياة السياسة والاجتماعية في سوريا ما بعد الحقبة العثمانية.

وتكاد هذه الأحداث الحافلة بالتطورات والتحولات والمتغيرات التي شهدها العهد الفيصلي أن تكون أكثر من ساعات الزمن وأيامه، وهذا ما يدعو إلى ضرورة البحث والكتابة حول تلك المرحلة الوجيزة ولكن المفصلية من التاريخ السوري المعاصر، التي تم إغفال قسم كبير من تفاصيلها لأسباب سياسية أو أسباب أخرى تتعلق بمنهجية البحث التاريخي، مثل ندرة الوثائق المتعلقة بهذا الموضوع التي عادة ما يتم الاستناد عليها في عملية الكتابة التاريخية، في حين تريث بعض المؤرخين والباحثين والدارسين في إطلاق نتاجهم العلمي حول هذا العهد لرغبتهم في تحين الفرصة المناسبة حيناً، وتجنباً لإحراج يشعرون بأنهم في غنى عنه بسبب راهنية هذه المرحلة وما تنطوي عليه من حساسية سياسية أحياناً أخرى.

وبالرغم من أن محاولات التأريخ لمرحلة العهد الفيصلي في سوريا ما زالت قليلة مقارنة بأهميتها، إلا أنها لم تتوقف بشكل تام. وكان آخر تلك المحاولات وأحدثها إصدار سلسلة “ترجمان” في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات للكتاب المرجعي “الولاءات المتضاربة: القومية والسياسة الجماهيرية في سورية مع أفول شمس الإمبراطورية” (2021) لمؤلفه المؤرخ والأكاديمي الأمريكي جيمس ل. غيلفين في ترجمة عربية رصينة أنجزها الباحث السوري عمرو الملاّح. ويشتمل هذا الكتاب، الذي يقع في 464 صفحة، على مقدمة مطولة وثلاثة أقسام بستة فصول، وملحق للأعلام من إعداد المترجم، وإرجاعات ببليوغرافية وفهرس عام.

المؤلف والمترجم

جيمس ل. غيلفين، مؤلف الكتاب، هو مؤرخ وأكاديمي أمريكي بارز، يحمل درجة الدكتوراه من جامعة هارفارد، وله العديد من المؤلفات التي تتناول تاريخ الشرق الأوسط الحديث، ولا سيما مسائل القومية والتاريخ الثقافي والاجتماعي. وأما المترجم عمرو الملاّح فهو كاتب وباحث ومترجم سوري معروف، مهتم بالحقبة العثمانية المتأخرة والتاريخ الاستعماري المبكر للشرق الأوسط ، ويحمل إجازة في اللغة الإنكليزية وآدابها، وله العديد من الأعمال المترجمة المنشورة.

مصادر الكتاب

يمثل غيلفين الجيل الأول من المؤرخين الأمريكيين المعاصرين، الذين عكفوا على دراسة تاريخ البلدان العربية في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الأولى من دون الاكتفاء بالمصادر الغربية ورؤيتها ذات الطابع الاستشراقي المحض فحسب، وإنما بالاعتماد أيضاً على رؤية المصادر المحلية للأحداث، وهو ما سيلمسه القارئ من هوامش الكتاب التي تتسم بقدر كبير من الغزارة والثراء بالمعطيات والإحالات المرجعية، وتتضمن الاستشهاد بمصادر غير مستخدمة سابقاً تشتمل على المنشورات، والكتابات على الجدران، والخطب، والشائعات، والمقالات الصحفية العامة، ومقالات الرأي الافتتاحية.

كما يبرز المؤلف أهمية الوثائق التي تتعلق بالتاريخ السوري المعاصر في الأرشيفات العربية، مثل “المكتبة السلفية” التي أسسها في القاهرة المفكر الإسلامي الدمشقي محب الدين الخطيب، وما تحتوي عليه من معطيات ثرية ومهمة عن هذه المرحلة.

قراءة جديدة لتاريخ الحركة القومية العربية

يقدم غيلفين في هذا الكتاب، الذي يستند إلى أطروحة نال بها درجة الدكتوراه، منظوراً جديداً لموضوع القومية في البلدان العربية، متحدياً الصورة السردية ذات الطابع الأسطوري التي رسمها المؤرخون الرواد من أمثال جورج أنطونيوس لحركة قومية عربية يشكل التجانس سمتها البارزة، ونشأت عن النهضة الأدبية العربية في القرن التاسع عشر، ومن ثم مقاومة العرب لسياسات التتريك التي اتبعتها “جمعية الاتحاد والترقي” والتي كانت تعتبر بمثابة الحزب الحاكم في الدولة العثمانية في المرحلة المشروطية – الدستورية الثانية، أو الإحياء الإسلامي الوهابي، والدعاية التي نشرها محمد علي وولده إبراهيم إبان غزوهما لسوريا، فيبين أنها صورة مثالية محكومة بطابع نخبوي ولا تخلو من التضليل، مبرزاً الانقسامات داخل هذه الحركة، وما نجم عنها من صراعات، مما يجعل هذا الكتاب مساهمة مهمة في مشروع تفكيك القالب التاريخي المدرسي المتعلق بنشأة الحركة العربية الحديثة.

وعلى النقيض من المؤرخين السابقين له الذين انصب اهتمامهم على أنشطة جماعة صغيرة من النخب وأفكارهم، يعرض غيلفين بإسهاب للدور الذي أدته الجماعات غير النخبوية في السياسة القومية في مطالع القرن العشرين، ويوثق انبثاق شكل جديد من أشكال التنظيم السياسي ممثلاً في اللجان الشعبية – ويُقصد بذلك اللجنة الوطنية العليا ولجان الدفاع الوطني الجهوية المنبثقة عنها –  التي نشأت في المدن والقرى في جميع أنحاء بلاد الشام إبان العهد الفيصلي بعد أن وضعت الحرب العالمية الأولى أوزارها مباشرة؛ إذ عملت هذه اللجان على تمكين نمط جديد من الزعامة القومية، وجعلت السياسة القومية ظاهرة جماهيرية للمرة الأولى، معبرة بذلك عن نظرة للأمة والنزعة القومية ما زالت توجه سياسة المنطقة في يومنا هذا وتغذيها.

سوريا الفيصلية في خضم التحولات الكبرى

يرصد الكتاب التحولات الاجتماعية والسياسية العميقة التي شهدتها سوريا إبان العهد الفيصلي القصير الأمد، الذي كان ملمحه الأبرز الانتقال من “سياسة الأعيان” التي طبعت الحقبة العثمانية المتأخرة بطابعها إلى “السياسة الجماهيرية”، وهو التحول الكبير الذي ألقى بظلاله على المشهد السوري برمته طوال المئة سنة المنصرمة. كما يتناول بالعرض والتحليل الولاءات المتضاربة التي كان يدين بها السوريون في سياق عملية التحول من “العثمنة” إلى “العروبة”، وما شهده العهد الفيصلي أيضاً من بروز لنزعة قومية شعبية تحدت فيها هوية سورية “إقليمية” هوية عربية.

وعلى النقيض من العديد من المؤرخين والباحثين والدارسين الذين أولوا اهتماماً خاصاً للدور الذي اضطلع به العامل الخارجي المتمثل في التآمر الإنكليزي- الفرنسي في إخفاق تجربة الحكومة العربية بدمشق، يبحث غيلفين في العوامل الداخلية لهذا الإخفاق، مما يجعل كتابه المرجعي هذا يشكل رافداً معرفياً مهماً لإجراء مراجعة نقدية شاملة لتجربة الحكومة العربية الرائدة بعيداً عن المقاربة التبجيلية والتعظيمية لها، والتي نجدها ماثلة في العديد من الكتابات المعاصرة.

الولاء المنقسم بين قومية نخبوية وقومية شعبية

يرى غيلفين أن النخب القومية المدنية والعسكرية الملتفة حول الأمير/ الملك فيصل والمنظمات ذات النزعة القومية المرتبطة بها، ألا وهي “جمعية العربية الفتاة” وواجهتيها العلنيتين “حزب الاستقلال العربي” و”النادي العربي”، والتي تبنت خطاباً قومياً عربياً كانت هي المهيمنة على المشهد السياسي القائم في بداية العهد الفيصلي؛ فراحت تسير المظاهرات وتنظم الاحتفالات في الأعياد القومية المستحدثة (عيد الثورة في 27 نيسان/ أبريل، وعيد الفتح أو تحرير دمشق في 30 أيلول/ سبتمبر وسواهما)، التي كانت سمتها الأبرز رفع شعار “الدين لله والوطن للجميع” للإيحاء لدول الوفاق/ الحلفاء بأن الشعب السوري منسجم ومتحد خلف قيادته الجديدة، وذلك بالتزامن مع وصول لجنة كينغ – كرين، التي أقر مؤتمر الصلح المنعقد في باريس إرسالها في صيف عام 1919 للاطلاع على وجهات نظر سكان بلاد الشام تمهيداً لتقرير مصير المنطقة برمتها.

غير أنه بحلول خريف عام 1919 تغير المشهد السياسي بسبب التحولات التي أسفر عنها تضافر مجموعة من العوامل الدولية والإقليمية والمحلية، لعل من أهمها اندلاع ما يُسمى بـ”أزمة الاستبدال” تطبيقاً للاتفاق البريطاني الفرنسي المبرم في 15 أيلول/ سبتمبر 1919 لتعديل اتفاقية سايكس بيكو، والذي نص على سحب القوات البريطانية من سوريا، لكي تحل محلها القوات الفرنسية، وأدى إلى ضم الموصل إلى العراق؛ وتعمد البريطانيين تأخير دفعة المعونة الشهرية البالغة قيمتها 75 ألف جنيه التي كانت الحكومة العربية تعتمد عليها في تسيير شؤونها وأصبحت المعونة تلك بمثابة وسيلة للضغط على فيصل للقبول بالمشروع الصهيوني والانتداب الفرنسي؛ والآثار الاقتصادية السلبية المترتبة على انفصال حلب عن مجالها الاقتصادي الحيوي في كل من الأناضول شمالاً والموصل شرقاً، بينما كانت العاصمة دمشق ترزح تحت عبء أزمة اقتصادية حادة تبدت بعجز الحكومة المركزية عن دفع رواتب الموظفين والجنود، مما دفع بعدد من الجنود قبيل معركة ميسلون بأشهر إلى بيع معداتهم وأزيائهم الرسمية في أسواق دمشق من أجل شراء قوت يومهم؛ بالإضافة إلى تفاقم السخط الشعبي الناجم عن تدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، وبخاصة بعد ما زادت الحكومة العربية الضرائب بمعدل قياسي وصل حتى 100 % واتباعها سياسات تقشفية؛ وكذلك فرضها لقانون التجنيد الإلزامي.

لقد أدت هذه العوامل مجتمعة إلى إفساح المجال واسعاً أمام ظهور قوى قومية جديدة في الشارع السوري ممثلة في “اللجنة الوطنية العليا” بزعامة مؤسسها الشيخ كامل القصاب، والتي تبنت خطاباً قومياً شعبياً أو سورياً، ودخلت في منافسة محمومة مع النخب القومية العربية الملتفة حول الأمير/ الملك فيصل، وباتت “اللجنة الوطنية العليا” هذه هي التي تعبر على نحو متعاظم عن حاضنتها الشعبية والاجتماعية ممثلة بأحياء مدينة دمشق القديمة.

وهكذا كان لكل من هاتين القوميتين المتنافستين، ألا وهما القومية النخبوية الفيصلية العربية التوجه من جهة والقومية الشعبية أو السورية التوجه ذات الحاضنة الشعبية الدمشقية بصورة أساسية من جهة أخرى، مرجعيتها وأيديولوجيتها الخاصة بها بل ونظرتها المختلفة عن العالم. ولم يقتصر المجال الذي راحت تتنافس فيه هاتان القوميتان المتعارضتان على الشارع فحسب، وإنما اتسع نطاقه أيضاً ليشمل المقاهي والمسارح اللذين أصبحا بمثابة فضاءين مهمين لتثوير الجماهير الشعبية وحثها على المشاركة في الفعل السياسي.

القوميتان المتعارضتان من التنافس إلى الصدام

لدى عودة فيصل الثانية من باريس في شهر كانون الثاني/ يناير 1920، بدا أن الحماسة الشعبية لاستقباله قد تراجعت مقارنة بعودته الأولى من فرنسا في العام المنصرم (1919)؛ إذ خرجت مظاهرات احتجاجية استهدفته بصفة شخصية مرددة هتافات مناهضة له من قبيل “الموت لمن يخون فلسطين”، وذلك في إشارة لتوقيعه بالأحرف الأولى على اتفاق مع رئيس الوزراء الفرنسي كليمنصو بشأن القبول بالانتداب الفرنسي.

ومع هذا الانعطاف المهم، تزايد تأثير القومية الشعبية التي كانت تشدد على استقلال سوريا الطبيعية في المؤتمر السوري العام/ البرلمان. ولئن حاول الأمير فيصل في البداية عرقلة الدعوة للمؤتمر/ البرلمان للانعقاد بعد عودته، إلا أنه اضطر في ظل تصاعد الضغوط الشعبية إلى عقده. وفي أثناء الجلسة الافتتاحية للدورة التشريعية الثالثة التي عقدها المؤتمر/ البرلمان طلب من النواب اختيار نظام حكم مناسب لسوريا في المستقبل، من دون الإشارة إلى إعلان الاستقلال، تاركاً بذلك الباب مشرعاً للتوصل إلى حل وسط مع فرنسا وبريطانيا. ولكن الشيخ كامل القصاب مؤسس “اللجنة الوطنية العليا” باغت الأمير فيصل والنخب القومية العربية الملتفة حوله بما لم يكونوا يتوقعونه حينما رفع في خطابه الذي وجهه للمؤتمر/ البرلمان سقف المطالب إلى الاستقلال الكامل لسوريا ضمن حدودها الطبيعية، بما في ذلك فلسطين، وهو الخطاب الذي بادرت “اللجنة الوطنية العليا” إلى طباعته ونشره وتوزيعه في كافة أنحاء مدينة دمشق عشية قرار المؤتمر/ البرلمان في السابع من آذار/ مارس بـ”إعلان استقلال سوريا” باعتباره يعبر عن الأمة، التي هي مصدر الشرعية وليس الحكومة العربية.

بيد أنه على خلفية توجيه الجنرال هنري غورو إنذاره الشهير إلى الحكومة العربية في 14 تموز/ يوليو 1920 اتخذت الأحداث منحى تصاعدياً بعدما بادرت الحكومة إلى تعليق جلسات المؤتمر/ البرلمان وحل الجيش، وما لبث أن وقع صدام دام في العاصمة دمشق يومي 20 و21 تموز/ يوليو استخدمت فيه الأسلحة بين الطرفين المتنافسين، ألا وهما النخب القومية العربية الممثلة في الحكومة العربية من جهة والقومية الشعبية أو السورية الممثلة في “اللجنة الوطنية العليا” من جهة أخرى، مما أسفر عن سقوط المئات من القتلى والجرحى، وذلك عشية اندلاع معركة ميسلون.

لقد بدا جلياً أن القومية الشعبية أو السورية ممثلة في “اللجنة الوطنية العليا” هي التي انتصرت على النخب القومية العربية ممثلة في الحكومة العربية. ولكن هذا النصر كان مؤقتاً؛ إذ سرعان ما لحقت الهزيمة بالطرفين كليهما، المهادن والمقاوم، حين سقط يوسف العظمة وزير الحربية في معركة ميسلون غير المتكافئة أمام الجيش الفرنسي الغازي.

ويرى غيلفين أن الانتفاضات القومية التي اندلعت في مراحل لاحقة في بلاد الشام، ومن بينها الثورة السورية الكبرى (1925-1927) وثورة فلسطين الكبرى (1936-1939)، يمكن تلمس ارهاصاتها الأولى في الحقبة تحت الدراسة، فهي التي مهدت  الطريق لها كلها، مختتماً كتابه المرجعي بالقول إن الأحداث التي شهدها العهد الفيصلي، بعيدًا من كونها حالة فضول تاريخية منعزلة، كانت “تُعد إيذاناً بظهور سياسة قومية شعبية في الشرق الأوسط العربي، ظلت مستمرة، حتى يومنا هذا”.

الترجمة بين التحقيق والتوثيق

لا يسع القارئ إلا أن يلحظ مدى الجهد الكبير والعناء الطويل اللذين تكبدهما مترجم هذا العمل، الباحث عمرو الملاّح، لا سيما وأن هذا الكتاب في أصله الإنكليزي يتجاوز عملية التأريخ الكلاسيكي إلى الكتابة التاريخية الحديثة بالاعتماد على علوم الاجتماع والأنثروبولوجيا والاقتصاد والسياسة.

وأما المنهجية التي اعتمدها الملاّح في إنجاز ترجمة هذا الكتاب المرجعي فلم تقتصر على النقل والتعريب فحسب، وإنما كانت أقرب إلى التحقيق والتوثيق، وما يتطلب ذلك من الرجوع إلى المصادر العربية التي  اعتمد المؤلف عليها ونقل عنها، محاولاً تخريج النصوص التي استشهد بها من مصادرها العربية، بالإضافة إلى عمله على ضبط أسماء الأعلام الجغرافية والتاريخية والبشرية، وما أكثرها في هذا الكتاب، واعتنائه بالتحقق من التواريخ والأحداث ومقاطعة الروايات التاريخية، مبيناً بعض الأوهام التي وقع فيها المؤلف، منبهاً إلى ذلك في الحواشي، متوخياً الإيجاز والاختصار، ومعززاً النسخة العربية للكتاب بملحق يتضمن تراجم الأعلام الواردة في المتن بغية التعريف بأصحاب الأدوار في الفترة تحت الدراسة.

إن الملفت في عمل المترجم هو بعده عن “الذاتية”، الأمر الذى تبدى جلياً في توخيه الدقة والأمانة في الترجمة إلى جانب احترام طروحات المؤلف رغم أن بعضها قد يتعارض مع رأيه أو تحليله الشخصي، وهذا ما نجده على سبيل المثال عندما أدرج غيلفين حادثة حل وثاق جياد عربة الجنرال غورو ضمن الأعمال التخريبية المحدودة التي نفذها السوريون ضد محتليهم الفرنسيين، واضعاً إياها في سياق تاريخي مناقض تماماً لبعض السرديات الحكائية المحلية، فما كان من الملاّح إلا أن اكتفى بترجمتها كما وردت في الأصل الإنكليزي دون أن يفرد لها هامشاً يتضمن تحليله الشخصي، رغم أنه كان له رأي مخالف فحواه التشكيك في وقوع هذه الحادثة أصلاً مبيناً أنها لا تعدو كونها مجرد مروية شفاهية ينقصها السند العلمي والتوثيق التاريخي المتين، إذ تخلو تقارير الصحف السورية والفرنسية التي غطت زيارة غورو يومئذ وأخبارياتها من أي نص أو إشارة تثبتها، ونشره على شكل مقال في موقع “التاريخ السوري المعاصر” قبل بضع سنوات.

لا ريب بأن من شأن ضبط الأسماء، وتخريج الاقتباسات النثرية والشعرية، والإضافات، والتصويبات، والتحديثات التي تضمنتها النسخة العربية للكتاب أن تزيد من قيمته العلمية على نحو يمكن القول معه إن الترجمة العربية تشكل رفداً ومكملاً للكتاب في أصله الإنكليزي. وهنا لا بد من الإشادة بالرؤية العلمية المتكاملة الجوانب التي تتبناها سلسلة “ترجمان” في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، وتعد بمثابة نموذج يحتذى في عملية الترجمة الاحترافية في العالم العربي، وتقوم على حسن اختيار كتب مرجعية ذات فائدة للباحثين والدارسين والطلبة في العلوم الاجتماعية والإنسانية، وإخضاعها للترجمة، والمراجعة، والتحرير العلمي على أيدي مختصين، حتى تكون على سوية عالية من الجودة والدقة.

إن كتاب “الولاءات المتضاربة”، كتاب لا غنى عنه مطلقاً لكل من يرغب في فهم الحركة العربية الحديثة عموماً، والتعرف عن كثب على العهد الفيصلي الذي يمثل مرحلة مفصلية في التاريخ السوري المعاصر على وجه الخصوص.



 أحداث التاريخ السوري بحسب السنوات


سورية 1900 سورية 1901 سورية 1902 سورية 1903 سورية 1904
سورية 1905 سورية 1906 سورية 1907 سورية 1908 سورية 1909
سورية 1910 سورية 1911 سورية 1912 سورية 1913 سورية 1914
سورية 1915 سورية 1916 سورية 1917 سورية 1918 سورية 1919
سورية 1920 سورية 1921 سورية 1922 سورية 1923 سورية 1924
سورية 1925 سورية 1926 سورية 1927 سورية 1928 سورية 1929
سورية 1930 سورية 1931 سورية 1932 سورية 1933 سورية 1934
سورية 1935 سورية 1936 سورية 1937 سورية 1938 سورية 1939
سورية 1940 سورية 1941 سورية 1942 سورية 1943 سورية 1944
سورية 1945 سورية 1946 سورية 1947 سورية 1948 سورية 1949
سورية 1950 سورية 1951 سورية 1952 سورية 1953 سورية 1954
سورية 1955 سورية 1956 سورية 1957 سورية 1958 سورية 1959
سورية 1960 سورية 1961 سورية 1962 سورية 1963 سورية 1964
سورية 1965 سورية 1966 سورية 1967 سورية 1968 سورية 1969
سورية 1970 سورية 1971 سورية 1972 سورية 1973 سورية 1974
سورية 1975 سورية 1976 سورية 1977 سورية 1978 سورية 1979
سورية 1980 سورية 1981 سورية 1982 سورية 1983 سورية 1984
سورية 1985 سورية 1986 سورية 1987 سورية 1988 سورية 1989
سورية 1990 سورية 1991 سورية 1992 سورية 1993 سورية 1994
سورية 1995 سورية 1996 سورية 1997 سورية 1998 سورية 1999
سورية2000

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى