شهادات ومذكرات
من مذكرات أمين أبو عساف (37): وصول “راكان بن مرشد” وتحريض العسكريين
من مذكرات أمين أبو عساف (36): خلاف البدو الحضر في تدمر ودور البريطانيين
وصول “راكان بن مرشد” مع رؤساء قبائل آخرين وتحريضهم العسكريين التابعين لهم على الانسحاب
في الحادي عشر من أيلول عام 1945 في الآونة الأخيرة كثرت تحريات الضباط البريطانيين عن أسباب حادثة تدمر الشهر الماضي وعن إمكان بحثها في البرلمان السوري.
وعن مدى التأثير الذي سوف تحدثه، وعن إمكانية مهاجمة البدو لتدمر وهم يسألون مدير الناحية وقائد فيصل الدرك وضابط مراقبة البدو.
هذه التحريات أجراها ملازم من قبل ضابط ارتباط حمص وحماه “دردن” وأيضاً ما جرى في المقابلة التي تمت في مكتب رئيس الوزراء بين الشيخ “راكان بن مرشد” والسيد “حميد الصالح” من وجهاء تدمر.
وصل تدمر رعيل مصفحات بقيادة الملازم “طارق كيلاني” تحت تصرف قائد موقع تدمر. قّدم تدمر الشيخ “راكان بن مرشد” عضو المجلس النيابي السوري ورئيس عشيرة السبعة بطينات والشيخ “صالح بن هديب” رئيس عشيرة السبعة “عبده” والشيخ “محمد الباشا” رئيس عشيرة بني خالد و”محمود العبد الجادر” و”محمد الهويش” من وجهاء عشيرة بني خالد. وحلوا ضيوفاً على الوكيل “حميد حامد” والرقيب الأول “أحمد العبد الجادر “.زارني هذا الوفد بدائرة العشائر وطلب مني الشيخ “راكان” أن أسمح لجنود الهجانة البدو من حرس المستشار وسرية الهجانة بالانسحاب لأن لهم مطالب عند الحكومة. إذا لبتها يرجعون إلى الخدمة وإلا فإنهم يبقون في بيوتهم. أجبته من واجي أن أنبُه أن الجيش لا يشتغل بالسياسة أطلب إليكم أن تبحثوا المواضيع السياسية بعيداً عن الجيش خصوصاً وأن الشيخ “راكان” عضو في المجلس النيابي وبصفته نائباً يمكنه بحث مطالبه في المجلس النيابي حيث تبحث كل أمور الوطن. وباعتباره مسؤولاً يجب أن يترك الجيش بعيداً عن السياسة لأن أي مخالفة من قبل الجندي يطبق عليها القانون العسكري.
أضاف الشيخ “راكان” نحن لا نطلب وزيراً أو محافظاً أو قيادة إنما يجب على الحكومة أن تترك لنا البادية نحن نديرها. قلت : إن الوضع لا يسمح ببحث هذه المواضيع الآن والحكومة مشغولة مع الفرنسيين الذين نفضوا وعودهم باستقلال البلاد وتسليمها جيشها وأنتم يحق لكم المطالبة بكل شي مشروع تحت قبة البرلمان. إن الفرنسيين بعد 25 عاماً من الانتداب ماذا عملوا لكم! الجهل متفشي بين القبائل لم يعلموا أولادكم حتى يشاركوا في الحكم. أو ل شيئ يجب أن تطلبوه هو العلم وكل المواطنين سواسية أمام القانون بالعلم يمكنكم الوصول إلى الوزارة أو المحافظة ويمكن لشبابكم دخول الكلية العسكرية. أما تجزئة الوطن فهو مخالف للوحدة التي يسعى إليها المواطنون جميعهم. إن تجزئة التي صنعها الاستعمار في هذا الوطن لم تدم. وكان قد شكل حكومات في جبل الدروز – وجبال العلويين- السكان بذاتهم رفضوا هذا التقسيم وانضموا إلى سوريا الأم لولا هذا الانفتاح لما رأيتم ضابطاً من جنوب سوريا يقوم بواجبه في أنحاء سورية الحبيبة.
العشائر لها عشر نواب في المجلس النيابي هؤلاء يمكنهم المشاركة في سياسة الحكومة واختيار الطريق لتأمين حقوق عشائركم بصورة مشروعة لا تكونوا أول عقبة في طريق الحكومة في عهد الاستقلال وكل أجزاء سورية انضمت إلى بعضها البعض دون شروط. بقي مصراً على رأيه أرسلت برقية أعلم القيادة وأطلب إبعاد الشيخ “راكان” وأعوانه قبل أن تدب الفوضى في تدمر وفي سرية الهجانة وتأثير ذلك على الأمن. وأطلب توجيهاً عما يجب عمله.
في المساء حضرتُ مع الملازم “طارق كيلاني” آمر رعيل المدرعات وليمة العشاء التي حضرها كثير من عسكريي البدو وبعد الطعام بدأ “راكان” حديثه قائلاً: إني مفوض من قبل رؤساء العشائر كي أطلب جمع الهجانة وحرس العشائر البدو فقط في مؤسسة واحدة تحت إشراف ضباط وخبراء من البدو ما عدا بعض الضباط الذي يتفق على قبولهم ويما أن جنود الهجانة يلاقون من عسف التدمريين مالا يطيقونه فلذا أطلبُ منك أن تدع جنودنا ينسحبون، حتى يتم تلبية طلبنا فيعودون موفوري الكرامة. وتلاه بالحديث الرقيب “سلمان محمد الباشا” قائلاً: لقد تحملنا كثيراً من التدمريين ونخشى النتائج! ولا يمكننا الصبر على الذل وحينما نتذكر الماضي حيث كان الأهلون يخضعون لنا ويحترمونننا. لا يمكننا اليوم تحمل ازدرائهم وبغضهم. تبعه الرقيب “صفوق العيد” مؤيداً كلامه.
تابع النائب “راكان” حديثه أن التدمريين عرضوا على محافظ حمص تجنيد أبنائهم راتب بسيط بغية إبعاد البدو عن الهجانة. هذه قضية مدبرة وهم البادئون بالتحرش.
أجبتهم أن الحكومة تقوم بالتحقيق وعليكم انتظار النتيجة ومراجعة المسؤولين عند حدوث أي تقصير أو ظلم وكل إنسان يصل إلى حقه عن طريق القانون. ودعونا نبدأ صفحة جديدة بين البدو والحضر تتسم بالصدق والأمانة.
إن اقتراجات شيوخ البدو تعرض كلها في مديرية العشائر في دمشق أو البرلمان أو الوزارة وهناك يُبت بأمرها ويجب على الجنود أن يبقوا في مراكزهم لأن واجباتهم تجاه بلادهم وعلمهم تدعوهم إلى عدم التخلي عنها في الظرف الحاضر ومن يتمرد أو يطيع أوامر غير رؤسائه العسكريين تطبق بحقه الأنظمة العسكرية، والحكومة ستقطع دابر كل مؤامرة ودسيسة والقانون لا يرحم الخارجين عليه. وعلى الشيخ “راكان” وهو عضو في المجلس النيابي ومسؤول أن يسهل مهمة الحكومة والدولة المستقلة يكون لها جيش واحد وعلم واحد. لا عدد من الجيوش وأن لا يغرر بالعسكريين الذين يحكمهم القانون.
في 12 / 9 / 1945 الساعة الثامنة صباحاً جمعتُ حرس العشائر ونبهتهم إلى واجباتهم العسكرية والوطنية وبينت لهم المسؤولية التي يتحملونها في فجر الاستقلال.
رمى ثلاثة جنود من البدو بنادقهم على الأرض قائلين : نحن لسنا جنوداً بعد الآن! وكان قد سبقهم في الانسحاب جندي آخر في اليوم السابق حيث انسحب من مخفره في جب الجراح.
بعد ذلك ذهبت إلى سرية الهجانة. في الطريق قابلت الشيخ “راكان” و”صالح بن هديب” و”محمد الباشا”. سألني الشيخ “راكان” لماذا سحبتم بنادق ثلاثة من حرس العشائر وطردتموهم؟ أجبتهم أن الجنود رموا بنادقهم ورفضوا الخدمة وانصرفوا. قال الشيخ “راكان” : إن “بركات” هو الذي قام بالعمل.
“بركات المطلق” هو ملازم شرف في حرس العشائر من تدمر. أجبت : هذا غير صحيح لقد جرى الحديث بحضوري ولم يتدخل الملازم “بركات” بالأمر. وأعطيت أمراً بأن تودع البنادق في المستودع. تركوني وأكملوا طريقهم باتجاه المطار حيث يوجد البريطانيون.
في سرية الهجانة تبين أن عدد الذين انسحبوا في ذلك اليوم خمسون عسكرياً منهم أربعة صف ضباط. وهكذا فشلت خطة “راكان” لأنه كان ينتظر انسحاب عدد أكبر. لم تتخذ الحكومة أي إجراء بحق “راكان” ومن معه ولم تصلنا أية تعليمات أو أوامر.
في الليل منعت التحول والتجمعات في المدينة من المغرب حتى الفجر، وسيُرت دوريات آلية لمراقبة ذلك.
في الثالث عشر من أيلول 1945 انسحب عشرة من سرية الهجانة. طلبت برقياً تسريح المتمردين جميعهم وإحالتهم للمحاكم العسكرية وإبعاد “راكان” وأعوانه عن المنطقة.
لا جواب من القيادة! عندما كنت في طريقي إلى الثكنة لأحضر اجتماع السرية قابلة “راكان” فشكا إن المصفحات وقفت أمام المنزل الذي يقيم فيه.
قلت له: إن المصفحات تقوم بواجبها في شوارع المدينة وليس من مهمتها مراقبة بيته ومرورها بقربة شيئ طبيعي لأنه على طريقها! وتابع باتجاه المطار حيث يوجد البريطانيون.
زارني في مكتب دائرة العشائر وكيل مدير الناحية قائد فصيل الدرك وأخبرني أن النائب “راكان” قال له: إن المصفحات وقفت أمام المنزل الذي يقيم فيه وإنه يعتبر هذا تحدياً له ولا خوف على الأمن طيلة بقائه في تدمر وإن الإنسحاب سلمي.
قلت : إن “راكان” ليس مكانه هنا بل في دمشق حيث المجلس النيابي وهو عضو فيه وليس من حقه التدخل في أمور الجيش- وهو يعطي أمراً للجنود بالانسحاب ويفسره أنه انسحاب سلمى – إني أتلقى أوامر رؤسائي فقط.
علمت من نفس المصدر أن الميجر “دردن” كان سيأتي إلى تدمر لمقابلة “راكان” ولكنه عدلت عن ذلك وطلب مقابلته في بيوت الشعر غداً. طلبت من قائد الفصيل أن يكون حذراً في إجراءاته مع البدو وألا ينتقد رؤساءه مطلقاً أمامهم كما فعل أثناء الدعوة على العشاء وبإمكانه إعلان رؤسائه عن آرائه واعتبره مسؤولاً إذا عاد إلى ذلك.
في الثالث أيلول 1945 تحت رقم /271/ أرسلت كتاباً إلى آمر قوى البادية.
اقرأ:
من مذكرات أمين أبو عساف (1): الثورة العربية الكبرى
من مذكرات أمين أبو عساف (2): بدايات الحكم الفرنسي في السويداء
من مذكرات أمين أبو عساف (3): أسباب الثورة السورية الكبرى 1925
من مذكرات أمين أبو عساف (4): اشتراك حوران وعرب اللجاة في الثورة السورية الكبرى
من مذكرات أمين أبو عساف (5): متابعة دراستي وانتسابي إلى الصف الخاص
من مذكرات أمين أبو عساف (6): الدخول إلى الكلية العسكرية
من مذكرات أمين أبو عساف (7): الدراسة في الكلية العسكرية
من مذكرات أمين أبو عساف (8): التخرج من الكلية العسكرية وتعييني في الكوكبة الثالثة
من مذكرات أمين أبو عساف (9): نقلي إلى كتيبة شمال سورية الكوكبة /25/
من مذكرات أمين أبو عساف (10): إجراءات السفر إلى “سومير”
من مذكرات أمين أبو عساف (11): مدرسة سومير للفرسان والمدرعات
من مذكرات أمين أبو عساف(12): زيارة باريس
من مذكرات أمين أبو عساف (13): إعلان فرنسا الحرب على ألمانيا النازية
من مذكرات أمين أبو عساف(14) : نقلي إلى الكوكبة الثالثة مدرباً لطلاب الكلية العسكرية
من مذكرات أمين أبو عساف (15) : محاضرة عن الدروز في “جبل الدروز”
من مذكرات أمين أبو عساف (16): الحرب عام 1941 بين قوات فيشي وقوات فرنسا الحرة والجيش البريطاني
من مذكرات أمين أبو عساف (17): ذهاب الكتيبة إلى الحدود الفلسطينية
من مذكرات أمين أبو عساف (18): معركة فيق
من مذكرات أمين أبو عساف (19):الانسحاب من تل الفرس
من مذكرات أمين أبو عساف (20): العودة إلى حمص بالقطار من محطة القدم
من مذكرات أمين أبو عساف (21): إعادة تشكيل الرعيل واستلامي مهمات دفاعية على طريق تدمر ودمشق
من مذكرات أمين أبو عساف (22): تعييني أمراً لرعيل المدرعات الثاني عام 1941
من مذكرات أمين أبو عساف (23): عودة الرعيل إلى ثكنته في اللاذقية
من مذكرات أمين أبو عساف (24): نقلي معاوناً لقائد الفرسان والمدرعات
من مذكرات أمين أبو عساف (25): نقلي إلى الكتيبة الخفيفة للمنطقة الشمالية آمراً للتشكيلات الآلية
من مذكرات أمين أبو عساف (26): تشكيل أول كوكبة آلية وتعيين قائداً لها عام 1942
من مذكرات أمين أبو عساف (27): نقلي إلى الكتيبة الدرزية
من مذكرات أمين أبو عساف (28): تعييني معاوناً لآمر المجتمع الرابع
من مذكرات أمين أبو عساف (29): إبعاد الضباط النظاميين إلى بيروت
من مذكرات أمين أبو عساف (30): عودتي معاوناً لآمر المجتمع الرابع
من مذكرات أمين أبو عساف (31): استلامي قيادة الكوكبة الخفيفة الرابعة
من مذكرات أمين أبو عساف (32): وضع المفرزة
من مذكرات أمين أبو عساف (33): الانسحاب عن الفرنسيين
من مذكرات أمين أبو عساف (34): كيف سارت الأمور في دمشق والسويداء عام 1945
من مذكرات أمين أبو عساف (35): تشكيل مديرية العشائر وقيادة قوى البادية عام 1945م
من مذكرات أمين أبو عساف (36): خلاف البدو والحضر في تدمر ودور البريطانيين