من مذكرات أكرم الحوراني – قضية الجيش مرة أخرى
كان عرض الموازنة العامة في المجلس، في جلسة 11 / 1 / 1944 مناسبة أخرى لإثارة موضوع الجيش الذي تجاهلته الحكومة بالرغم من كل الأسئلة والاقتراحات والقرارات التي اتخذها المجلس، وقد أظهرت هذه المناسبة بشكل جلي انقسام المجلس بين أكثرية تؤيد الحكومة بشكل مطلق وبين أقلية وطنية معارضة ولكنها مائعة وغير متماسكة.
كان رشدي الكيخيا أول المتكلمين، فأعلن عدم موافقته على الموازنة سلفاً لأنها قائمة على مراسيم اشتراعية لم يقرها المجلس. فعقبت على كلمته قائلاً: “إنني اقتراح رد مشروع الموازنة من أساسه ليس للأسباب التي أوردها الزميل رشدي الكيخيا، وهي أن الموازنة مبنية على اتفاقات ومراسيم اشتراعية لم يقرها المجلس النيابي فحسب، بل لأن البلاد مقدمة على عهد جديد يتطلب جيشاً لحمايته. والجيش يتطلب موارد ونفقات لم تلحظها الموازنة. وتعلمون أن الحكومة استلمت المصالح المشتركة، وهذه المصالح لها نفقات ولها موارد لم تلحظها الموازنة أيضاً، وهناك الكثير من المواد درجت في الموازنة يمكن الاستغناء عنها إذا عدنا إلى وضع موازنة جديدة. ولذلك أرى أن نستمر في الدورة الاستثنائية هذه ونحن مستعدون للمكوث والبقاء، وللحكومة أن تأخذ الوقت الكافي لتضع موازنة جديدة على أسس جديدة وعلى ضوء العهد الجديد الذي نستقبله والمصالح التي استلمناها والجيش الذي تطلب الأمة بأجمعها، شبابها وشيوخها وأطفالها ونسائها، باستلامه”.
غني عن القول أن رد الموازنة من قبل المجلس يقضي، حسب الأعراف الدستورية باستقالة الحكومة، فوقع طلبي هذا كالقنبلة في وسط المجلس. فقال نجيب الريس ان “رفض الموازنة انما هو عرقلة للعمل الوطني وشل لعمل الحكومة، وهي في ظرف عصيب تمارس فيه الصلاحيات وأنه يؤدي إلى إيجاد خطر ويضرب الاستقلال في صميمه. نعم هذا ما قلته ولا أزال أصر عليه”.
وقد تولى وزير المالية خالد العظم الدفاع عن الحكومة وقال أنه سيجري تسلم تدريحي للمصالح المشتركة والجيش. وسيعرض كل ما يتعلق بهذا الاستلام على المجلس، فلا مجال لادخال موازنات هذه المصالح في الموازنة العامة، لأن لها اعتبارات خاصة من حيث الموارد والانفاق، وقد كانت لها موازنات خاصة فيما مضى خارجة عن الموازنات العامة. ثم قال متهماً: “بأن رد الموازنة بأجملها لا يمكن تفسيره إلا بتعطيل أعمال الدولة وعدم جبي الضرائب وعدم دفع الرواتب وبقية المصروفات الأخرى”.
وبذلك افتى خالد العظم بأمور ليس قانعاً بها ولا يقرها علم المالية. أما تدليله بأن هذه المصالح كانت لها موازنات خاصة مستقلة عن الموازنة السورية فلأن هذه المصالح – وعلى رأسها الجيش- كانت بيد الفرنسيين..
كانت هذه المناقشات تجري ورئيس الحكومة سعد الله الجابري مطمئن إلى أن الأكثرية المجلسية ستصوت إلى جانب الحكومة وتوافق على الدخول في مناقشة الموازنة، وعندما حدث ذلك فعلاً قال الجابري:
“كنت أريد أن أقول كلمة ولكنني لم أعد أرى لزوماً لها بعد ما وافق المجلس الكريم على قبول الموازن والدخول في مناقشتها إنما أريد أن أقول كلمة بشأن قضية الجيش، فحضرات النواب يعلمون جيداً أنه قد تم الاتفاق على نقل المصالح المشتركة وجميع الصلاحيات بما فيها الجيش الينا ولكن هذا النقل يتطلب أسلوباً عملياً وهذا الأسلوب يتطلب البحث مع الجانب الآخر وهذا الجانب الآخر ليس بجانب واحد فقط”.
واستطرد في كلامه على هذا النحو متجنباً تكذيب تصريح الجنرال. وهكذا تمكن من جعل قضية استلام الجيش قضية معلقة مائعة بدعم من الأكثرية المجلسية الساحقة.
انظر :
من مذكرات أكرم الحوراني (127) – المنطلقات المنحرفة لعهد شكري القوتلي منذ بدايته
من مذكرات أكرم الحوراني (126) – كل الصلاحيات، بلا جيش، لا تساوي بصلة
من مذكرات أكرم الحوراني (125) – أساس مفاسد النظام البرلماني الديمقراطي
من مذكرات أكرم الحوراني (124) – تشكيل لجنة العشائر (أواخر كانون الأول عام 1943)
من مذكرات أكرم الحوراني (123) – إستلام الحكومة السورية الصلاحيات عام 1943
من مذكرات أكرم الحوراني (122) – إقدام في لبنان وتخاذل في سورية
من مذكرات أكرم الحوراني (121) – لماذا وهبت سوريا الأقضية الأربعة للبنان؟
من مذكرات أكرم الحوراني (120) – دور المجلس النيابي في قيادة الحركة الوطنية
انظر ايضاً مذكرات أكرام الحوراني: