شهادات ومذكرات
من مذكرات أمين أبو عساف (35): تشكيل مديرية العشائر وقيادة قوى البادية عام 1945م
من مذكرات أمين أبو عساف (35): تشكيل مديرية العشائر وقيادة قوى البادية عام 1945م، وتعييني – ضابط عشائر وآمر سرية الهجانة بتدمر
وعلى آثر حوادث أيار وحزيران 1945 ثار جنود الهجانة على رؤسائهم. وفي الضمير قُتل الفرنسيون كلهم برصاص الهجانة. وفي تدمر طوق البريطانيون الثكنة وأخرج الفرنسيون مع الأسلحة وتجهيزات السرية بأكملها.
وفي ذلك الوقت استلمت السلطات السورية المسؤولية على مراكز الهجانة وشكلت مديرية العشائر في دمشق برئاسة المهندس الزراعي “نوري الأيبش” وقيادة قوى البادية تابعة لها وكان العقيد “رفعت خانكان” آمراً لقوى البادية.
وتلقيت أمراً بتعييني تحت تصرف آمر قوى البادية إعتباراً من 20 / 6 / 1945 والتحقت بذلك التاريخ. وكنا أول ثلاثة ضباط يتسلمون مهمات هامة في خدمة العهد الوطني.
الرئيس “توفيق نظام الدين” استلم مركز دير الزور ضابط عشائر وآمر سرية الهجانة. الرئيس “محمود بنيان” ذهب لاستلام مركز تدمر ضابط عشائر وآمر سرية الهجانة.
الملازم الأول “أمين أبو عساف” بانتظار استلام مركز الضمير ضابط عشائر وآمر سرية الهجانة. قبل التحاقي بقيادة قوى البادية ذهب الرئيس “محمود بنيان” لاستلام مركز تدمر، عند وصوله وجد بعض العناصر تسعى لعودة الفرنسيين لتتسلم مرتباتها فلم يرضَ بذلك ووعد هذه العناصر وغيرها بأن الراتب سيسلم من قبل الحكومة السورية ولكنه اصطدم مع البريطانيين الذين طلبوا منه العودة وتعيين آخر مكانه.
كانت تدمر أصعب هذه المراكز الحساسة. إن دير الزور مركز محافظة، وفيها قوى أمن من شرطة ودرك، والمحافظ الذي يمثل الدولة إضافة إلى وجود فوج مشاة في الموقع وسكان عريقين في خدمة الوطن. الضمير وهي ضمن المعمورة وقريبة من دمشق مركز القوة. أما تدمر فكانت مركز ناحية بدون مدير تابعة إلى محافظة حمص تبعد عنها / 160/ كيلو متراً وتبعد عن آخر القرى حوالي مائة كيلو متر في قلب البادية حيث سيطرة البدو. الطريق المعبدة تقف على حدود المعمورة في القريتين وبعده طريق ترابي. عندما عاد الرئيس “محمود بنيان” عُين في الضمير. وعُينت في تدمر ضابط عشائر وآمر سرية الهجانة مكانه.
بتاريخ 29 /6 / 1945 ذهبت قوة آلية على رأسها آمر قوى البادية وأنا معها أحمل الرواتب ولأستلم قيادتي مع تعليمات بمسايرة البريطانيين وعدم الاصطدام معهم، وصلنا تدمر إلى مكتب المستشار السابق حيث وجدنا في استقبالنا بعض الرتباء.
أبلغهم العقيد أني رئيسهم وطلب منهم إطاعة الأوامر والمساعدة. وبعد استراحة تابعت القوة طريقها إلى دير الزور.
وبانتظار جمع السرية لدفع الرواتب، جمعت صف الضباط وبينت لهم مسؤولياتهم وأنهم في الماضي كانوا ينفذون أوامر الفرنسيين. أما الآن فإن عليهم مسؤولية قيادة جنودهم ومساعدة آمر السرية في عمله أي أخذ مكان الفرنسيين. وإني أعتمد عليهم لتوعية الجنود واستقبال هذا العهد الوطني الجديد بأمانة وإخلاص.
ثم لخصت لهم كيفية قصف المجلس النيابي مساء 29 أيار وكيف تعاون السكان جميعهم على مختلف ميولهم والطلاب وضباط الجيش على مقاومة الانتداب وإجباره على الجلاء.
عندما اكتمل العدد لاستلام الراتب جمعت السرية بأكملها. قلت لهم: إن فرنسا طردت من سوريا إلى غير رجعة. وقد شُكلت حكومة عربية سرية لكل أنحاء سوريا بما فيها البدو الذين يمثلهم شيوخهم في البرلمان وقد شاركوا في الحكم. إن كلّ المدن السورية قاومت ودافعت عن الكرامة العربية. ويجب على البدو أن يحملوا الراية العربية ويخدموا الحكومة التي هي حكومتهم.
إن الوضع في تدمر غير طبيعي إذ إني أستلم وحدات مضعضعة بدون انضباط ولا يوجد رتباء يعرفون واجبهم. هل يعادل فرحي بالوظيفة المسؤولية التي أتحملها؟
متى كانت خدمة الوطن حساب ربح وخسارة؟ إن القيادة وضعت ثقتها بي وقلدتني قيادة تفوق رتبتي رغم وجود من هي أعلى مني رتبة. خدمة الوطن تتطلب التضحية وأنا سعيد بهذه الثقة. إن الصعوبات التي أتعرض لها هي مراحل طريقي، الاستشهاد قمة خدمة الوطن. وفقني الله بخدمة وطني المفدى!.
إن سرية الهجانة يزيد تعدادها على /400/ جندي. إن هذا العدد يعادل أكثر من سريتين ولكن بدون سلاح فقد أخذه الفرنسيون بمساعدة البريطانيين مع كل تجهيزات السرية. أما حرس العشائر والعدد يزيد عن المائة فقد بقي سلاحه على حاله وهو يؤمن مخافر الأمن خارج تدمر، وحراسة دائرة العشائر بواسطة فئة. وآلياته جاهزة وسليمة وكذلك دائرة المستشار مع منزله وهو مؤثث من قبل الدولة بقيت سالمة أيضاً.
كان الفرنسيون يديرون هذه الوحدات بعدد لا يقل عن خمسة عشر ضابطاً وصف ضابط فرنسي والآن أستلمها منفرداً. والمشاكل كثيرة بين عشائر البدو، ثم بين جنود البدو أنفسهم، بين جنود البدو وجنود الحضر وبين هؤلاء والمدنيين. أيام الفرنسيين لم يكن أي شي ظاهراً.
كان الفرنسيون يديرون هذه الوحدات بعدد لا يقل عن خمسة عشر ضابطاً وصف ضابط فرنسي والآن أستلمها منفرداً. والمشاكل كثيرة بين عشائر البدو، ثم بين جنود البدو أنفسهم، بين جنود البدو وجنود الحضر وبين هؤلاء والمدنيين. أيام الفرنسيين لم يكن أي شئ ظاهراً.
في اليوم التالي درست الوضع على الطبيعة، واجتمعت مع العسكريين وتابعت تلقينهم واجباتهم بعد استقلال سوريا.
وفي اليوم الثالث ذهبت بجولة لأدفع رواتب جنود مخافر الأمن والاتصال ببعض شيوخ البدو حيث أخبرتهم عن الوضع ووضعتهم أمام مسؤولياتهم. وأخبرتهم عن ذهاب الفرنسيين نهائياً. وإنهم تابعون منذ الآن إلى الحكومة العربية السورية. وواجبهم نحو بعضهم ونحو الحكومة. وطلبت منهم نسيان خلافاتهم حتى يساعدوا على الهدوء والسكينة. بعد الإنتهاء من دفع الرواتب سلمت الباقي أي رواتب الغائبين في دمشق.
لقد لاحظت الآتي أيام الفرنسيين: كان الجنود البدو يسيطرون سيطرة تامة ويحصلون على ما يرغبون، بأيديهم ويفعلون ما يشاؤون دون معارضة. ويعتبرون التسلط حقاً مكتسباً لهم. أما الأهالي فكانوا يتحملون ما يفعله الجنود دون أدنى معارضة.
بعد ذهاب الفرنسيين شعر الشعب بحريته وارتفاع الظلم عنه فأخذ الأهالي يتحرشون بالجنود من أجل الانتقام، ويسمعونهم الكلام اللاذع ورفعوا أجور البيوت وامتنع التجار عن تسليف الجنود كما كان يجري في السابق باعتبار أن المستقبل غير واضح ومصير الجنود غير مستقر.
سارت الأمور سيراً طبيعياً . نظام عمل ودروس في الخدمة الداخلية للجيش، واجبات الجندي والطاعة لرؤسائه العسكريين وواجباته في الخدمة مع رفاقه، ومعاملة المدنيين، واجبات صف الضباط والعرفاء – الرقيب الأسبوعي – رئيس الحرس – آمر فئة، آمر حضيرة. كل هذه الأمور لم يكونوا يعرفون عنها شيئاً – لأن الفرنسيين كانوا يقومون بذلك ويستخدمون أبناء الوطن كمنفذين فقط!.
كذلك كنا أستفيدُ من دوريات الأمن التي أقوم بها أو حين الذهاب لدفع رواتب مخافر الأمن لأتصل مع المسؤولين في مضارب البدو وأعطي التوجيهات اللازمة.
وكنت أقوم بالاتصال أيضاً بوجهاء تدمر والمجلس البلدي فيها. حيث طلبت منهم توجيه الأهالي واعتبار العسكريين جنداً للوطن وهم من أبنائه وليسوا غرباء.
وطلبتُ إليهم أن تكون معاملة الجنود حسنة من قبل التجار وأصحاب البيوت التي يقطنونها. وأنهم أبناء وطن واحد والقانون فوق الجميع وكل يصل إلى حقه.
اقرأ:
من مذكرات أمين أبو عساف (1): الثورة العربية الكبرى
من مذكرات أمين أبو عساف (2): بدايات الحكم الفرنسي في السويداء
من مذكرات أمين أبو عساف (3): أسباب الثورة السورية الكبرى 1925
من مذكرات أمين أبو عساف (4): اشتراك حوران وعرب اللجاة في الثورة السورية الكبرى
من مذكرات أمين أبو عساف (5): متابعة دراستي وانتسابي إلى الصف الخاص
من مذكرات أمين أبو عساف (6): الدخول إلى الكلية العسكرية
من مذكرات أمين أبو عساف (7): الدراسة في الكلية العسكرية
من مذكرات أمين أبو عساف (8): التخرج من الكلية العسكرية وتعييني في الكوكبة الثالثة
من مذكرات أمين أبو عساف (9): نقلي إلى كتيبة شمال سورية الكوكبة /25/
من مذكرات أمين أبو عساف (10): إجراءات السفر إلى “سومير”
من مذكرات أمين أبو عساف (11): مدرسة سومير للفرسان والمدرعات
من مذكرات أمين أبو عساف(12): زيارة باريس
من مذكرات أمين أبو عساف (13): إعلان فرنسا الحرب على ألمانيا النازية
من مذكرات أمين أبو عساف(14) : نقلي إلى الكوكبة الثالثة مدرباً لطلاب الكلية العسكرية
من مذكرات أمين أبو عساف (15) : محاضرة عن الدروز في “جبل الدروز”
من مذكرات أمين أبو عساف (16): الحرب عام 1941 بين قوات فيشي وقوات فرنسا الحرة والجيش البريطاني
من مذكرات أمين أبو عساف (17): ذهاب الكتيبة إلى الحدود الفلسطينية
من مذكرات أمين أبو عساف (18): معركة فيق
من مذكرات أمين أبو عساف (19):الانسحاب من تل الفرس
من مذكرات أمين أبو عساف (20): العودة إلى حمص بالقطار من محطة القدم
من مذكرات أمين أبو عساف (21): إعادة تشكيل الرعيل واستلامي مهمات دفاعية على طريق تدمر ودمشق
من مذكرات أمين أبو عساف (22): تعييني أمراً لرعيل المدرعات الثاني عام 1941
من مذكرات أمين أبو عساف (23): عودة الرعيل إلى ثكنته في اللاذقية
من مذكرات أمين أبو عساف (24): نقلي معاوناً لقائد الفرسان والمدرعات
من مذكرات أمين أبو عساف (25): نقلي إلى الكتيبة الخفيفة للمنطقة الشمالية آمراً للتشكيلات الآلية
من مذكرات أمين أبو عساف (26): تشكيل أول كوكبة آلية وتعيين قائداً لها عام 1942
من مذكرات أمين أبو عساف (27): نقلي إلى الكتيبة الدرزية
من مذكرات أمين أبو عساف (28): تعييني معاوناً لآمر المجتمع الرابع
من مذكرات أمين أبو عساف (29): إبعاد الضباط النظاميين إلى بيروت
من مذكرات أمين أبو عساف (30): عودتي معاوناً لآمر المجتمع الرابع
من مذكرات أمين أبو عساف (31): استلامي قيادة الكوكبة الخفيفة الرابعة
من مذكرات أمين أبو عساف (32): وضع المفرزة
من مذكرات أمين أبو عساف (33): الانسحاب عن الفرنسيين
من مذكرات أمين أبو عساف (34): كيف سارت الأمور في دمشق والسويداء عام 1945