شهادات ومذكرات
من مذكرات أمين أبو عساف (32): وضع المفرزة
من مذكرات أمين أبو عساف (32): وضع المفرزة
يوجد مخفر من جنود المفرزة جنوبي المحطي لتفتيش الداخلين إلى المدينة والخارجين منها عن السلاح. أطلق هذا المخفر النار في الهواء على مجموعة من الفلاحين خارجة من المدينة ومرت بعيدة عنهم إلى قراهم ولم تتوقف من أجل التفتيش.
وبما أن هذا المخفر القريب من المعسكر وإطلاق النار بكثافة شوش آمر المعسكر الذي أوفدني للتحقيق. أعطيتهم أوامر صارمة بعدم إطلاق النار بدون أمر، واقترحت على آمر المعسكر إبدال هذا المخفر، وتعيينه من وحدات أكثر انضباطاً ففعل.
كذلك مخفر المدينة المكلف بحراسة مقر المستشار أطلق النار في الهواء على مظاهر عن بعد ومنعها من المرور في الشارع العام الذي يبعد كثيراً عن مقر المستشار.
قلت لهم: لا أحد سواكم في الجيش.. يطلق النار على المتظاهرين. يجب التقيد بالأوامر! وأهالي حمص مواطنون سوريون وليسوا أعداء والمظاهرات تجري في كل المدن السورية.
في الوقت المعين عاد الحاج “سليمان المعصراني” بعد أن قابل رئيس الحكومة أخبرني أن الرئيس يشكرني على المشاركة في خدمة الوطن وأنه يطلب إلينا أي الضباط التريث وعدم الإقدام على أي حركة ريثما يصلنا إشعار وأن نبقى في أماكننا وألا نترك جنودنا إلى الفرنسيين لأن ذلك في مصلحة الحكومة السورية.
في كل المدن السورية تشكلت لجان للدفاع عن الاستقلال ومقاومة الفرنسيين وعدد كبير من الضباط يؤيدون هذه اللجان. في حمص كنا على اتصال معها بواسطة ضابط نسيت اسمه وهو ابن المقدم قائد درك المحافظة. نرسله ليلاً للاتصال مع والده نستوضح عن الوضع. في أحد الأيام وكان جنود المفرزة يحرسون الجهة المقابلة لمهاجعهم بدون أمر من أحد، ألقوا القبض على الملازم وهو يهم باجتياز المعسكر.
قال لهم : أنا ذاهب إلى حمص للاتصال بالوطنيين بمهمة مكلف بها من قبل المقدم “حمد الأطرش” والملازم الأول “أمين أبو عساف” ظناً منه بمجرد ذكر اسمينا يخلون سبيله! باعتبار أنهم من أبناء منطقتنا. هذا الخبر وذكر اسمينا زاد من حدة الموقف ولم يسمحوا له بالخروج.
على أثر هذا الحادث رجع الكمين وجمع كل عناصر المفرزة وصاروا ينددون بالاتصال بالمدنيين من دون علم الفرنسيين.
عند الفجر أيقظني الجندي “يوسف الشيباني” وهو من قريتنا “سُليم” وأخبرني عن الوضع. ذهبت إليهم وطلبت من رقيب الخدمة أن يجمعهم بالصف حسب الأصول. سألتهم ماذا بكم؟ ليتكلم أحدكم؟ استلم الحديث المساعد “يوسف أبو لوح” وسرد الحادثة وقال: نحن سنبقى على إخلاصنا للفرنسيين ولا نريدكم أن تتصلوا بالمدنيين الوطنيين من وراء ظهرنا! وإفادة الملازم تثبت ذلك. نرغب في عرض الموضوع على آمر المعسكر. وتكلم غيره من الرقباء والجنود بذات المعنى (وهذا يدلنا إلى أين وصلت الروح العسكرية والانضباط).
أجبت أن الملازم لم يرسل من قبل أحد. أظن أنه هارب إلى عائلته، وقد قال لكم: إنه ذاهب بأمرنا حتى يسلم منكم باعتبارنا أبناء منطقة واحدة. وسأعرض رغبتكم بالبقاء مع الفرنسيين على آمر المعسكر. قال “أبو لوح”: بل نشكل وفداً أنت على رأسه يضم مندوباً عن كل رتبة برئاستك يكون فيه / وكيل ورقيب وعريف وجندي/.. ونحن إذا بقيت امرأة فرنسية عوراء سنبقى بقيادتها!. قلت له: عوراء أو عمياء لا أحد يطلب منك ألا تبقى معها ولكني لا أوافق على الوفد؟ أنا آمركم وأتكلم باسمكم وكل مطالبكم ارفعها إلى القيادة وآتيكم بالجواب.
رفض هو وغيره ذلك وأصروا على تشكيل الوفد. قلت : أنا لا أذهب مع وفد إلى القيادة ومنذ هذه اللحظة لست آمراً سأطلب نقلي من هذه المفرزة قليلة الانضباط. ويوجد أماكن كثيرة في الجيش يسرها استقبالي وليس لي رغبة بقيادتكم.
عندها تكلم الجندي “سليم الحلبي” من المجيمر وقال : نحن نتمسك بقيادة “الملازم الأول أبو عساف” ويجب أن نمنحه ثقتنا، يذهب بمفرده ويأتينا بالجواب كفى ياشباب، آزره البعض وانتهى الاجتماع وصُرف النظر عن تشكيل الوفد.
كان عليّ أن أخبر آمر المعسكر عن صلاحية المفرزة لإتمام مهمتها أم لا. ذهبت لمقابلته. بدأ الحديث كيف وضع المفرزة؟ أجبته إن وضعها غير مرض. قال: هل هي معنا أم ضدنا؟ قلت: قسم معكم وقسم ضدكم. وبالنسبة للمهمة لا يمكنني الذهاب مع وحدة غير منضبطة. أظن أنه اقتنع وقال: لو تعلم الأخبار التي تصلنا وكان يتصل بهم الوكيل “يوسف أبو لوح” ولا أعلم إذا كان غيره يتصل؟. إن تعييني لهذه المفرزة المضعضعة كان بنظر قائد المعسكر أني في صف الفرنسيين. استلمت راتب شهر نيسان وقبل نهاية شهر أيار أتى معتمد المحاسبة من بيروت ليدفع المال. عرض عليّ المحاسب أن الوضع مضعضع، والفرصة مناسبة لنطلب مبلغاً كبيراً يكون من نصيبنا. وهم لا يسألون عن المبالغ المدفوعة. رفضت هذا العرض واستلمت المبلغ المطلوب بدون زيادة.
بعد عقد الهدنة في /8/ أيار 1945 واستسلام ألمانيا. صارت القوات الفرنسية تحتفل بالانتصار بتسيير دوريات آلية وإطلاق النار والتحرش بالأهالي. وقد زاد نشاطهم أيضاً. وصار التموين كي يصل المعسكر يجب أن يكون محروساً.
كان الفرنسيون يؤكدون للبريطانيين أن قوات الشرق الخاصة ستبقى مع فرنسا برغبتها. في أوائل حزيران اتصلت بنا القيادة الفرنسية وطلبوا منا أن تبقى قوات الشرق الخاصة تابعة لهم على وضعها الراهن. وإن لجنة مشتركة من ضباط بريطانيين وفرنسيين ستأتي، ولربما سألتنا رأينا، وطلبوا منا أن نبقى مع قطعاتنا.
اقرأ:
من مذكرات أمين أبو عساف (1): الثورة العربية الكبرى
من مذكرات أمين أبو عساف (2): بدايات الحكم الفرنسي في السويداء
من مذكرات أمين أبو عساف (3): أسباب الثورة السورية الكبرى 1925
من مذكرات أمين أبو عساف (4): اشتراك حوران وعرب اللجاة في الثورة السورية الكبرى
من مذكرات أمين أبو عساف (5): متابعة دراستي وانتسابي إلى الصف الخاص
من مذكرات أمين أبو عساف (6): الدخول إلى الكلية العسكرية
من مذكرات أمين أبو عساف (7): الدراسة في الكلية العسكرية
من مذكرات أمين أبو عساف (8): التخرج من الكلية العسكرية وتعييني في الكوكبة الثالثة
من مذكرات أمين أبو عساف (9): نقلي إلى كتيبة شمال سورية الكوكبة /25/
من مذكرات أمين أبو عساف (10): إجراءات السفر إلى “سومير”
من مذكرات أمين أبو عساف (11): مدرسة سومير للفرسان والمدرعات
من مذكرات أمين أبو عساف(12): زيارة باريس
من مذكرات أمين أبو عساف (13): إعلان فرنسا الحرب على ألمانيا النازية
من مذكرات أمين أبو عساف(14) : نقلي إلى الكوكبة الثالثة مدرباً لطلاب الكلية العسكرية
من مذكرات أمين أبو عساف (15) : محاضرة عن الدروز في “جبل الدروز”
من مذكرات أمين أبو عساف (16): الحرب عام 1941 بين قوات فيشي وقوات فرنسا الحرة والجيش البريطاني
من مذكرات أمين أبو عساف (17): ذهاب الكتيبة إلى الحدود الفلسطينية
من مذكرات أمين أبو عساف (18): معركة فيق
من مذكرات أمين أبو عساف (19):الانسحاب من تل الفرس
من مذكرات أمين أبو عساف (20): العودة إلى حمص بالقطار من محطة القدم
من مذكرات أمين أبو عساف (21): إعادة تشكيل الرعيل واستلامي مهمات دفاعية على طريق تدمر ودمشق
من مذكرات أمين أبو عساف (22): تعييني أمراً لرعيل المدرعات الثاني عام 1941
من مذكرات أمين أبو عساف (23): عودة الرعيل إلى ثكنته في اللاذقية
من مذكرات أمين أبو عساف (24): نقلي معاوناً لقائد الفرسان والمدرعات
من مذكرات أمين أبو عساف (25): نقلي إلى الكتيبة الخفيفة للمنطقة الشمالية آمراً للتشكيلات الآلية
من مذكرات أمين أبو عساف (26): تشكيل أول كوكبة آلية وتعيين قائداً لها عام 1942
من مذكرات أمين أبو عساف (27): نقلي إلى الكتيبة الدرزية
من مذكرات أمين أبو عساف (28): تعييني معاوناً لآمر المجتمع الرابع
من مذكرات أمين أبو عساف (29): إبعاد الضباط النظاميين إلى بيروت
من مذكرات أمين أبو عساف (30): عودتي معاوناً لآمر المجتمع الرابع
من مذكرات أمين أبو عساف (31): استلامي قيادة الكوكبة الخفيفة الرابعة