بطاقات بحث
تصريحات عبد الرحمن الشهبندر لـ مجلة الرابطة العربية عام 1940
أدلى الدكتور عبد الرحمن الشهبندر خلال إقامته في القاهرة وقبل إغتياله بعدة أشهر بحديث صحفي لمجلة الرابطة العربية تطرق فيه إلى الحالة في سوريا ولاسيما الوضع الاقتصادي.
المجلة نشرت الحوار في العدد الصادر في العشرين من شباط عام 1940م تحت عنوان: (الزعيم يتحدث عن الحالة في سوريا).
نص الحوار:
استقبل معالي الزعيم الدكتور شهبندر في منزله في القاهرة مندوب مجلة الرابطة العربية وأفضى إليه بالتصريحات الآتية:
س- كيف الحالة الاقتصادية والتجارية في البلاد؟
حسب الناس عقب إعلان الحرب أنهم سيصابون بما أصيبوا به في أوائل الحرب العالمية من نقص في الحاجات وارتفاع في أسعار النفط والسكر والأرز وغير ذلك من المواد الضرورية فتهافتوا على شراء المعروض في الأسواق حتى ارتفعت الأسعار بصورة فجائية ارتفاعاً شديداً مما دعا الحكومة إلى التدخل إلى أن أيقن الناس أن الأحوال المحيطة هذه المرة غيرها في المرة الماضية فهدأ الغليان وعادت الأمور إلى الإستقرار النسبي وإذا كانت الأسعار تزيد اليوم عما كانت عليه قبل إعلان الحرب فإن هذه الزيادة محسوبة حساباً تجارياً مبنياً على العرض والطلب ولا دخل للهع فيها.
ومما لا شك فيه أن اتصال سوريا بالأقطار المجاورة في الشمال والشرق والجنوب وانفتاح باب البحر على مصراعيه في الغرب قد ضمنا للبلاد حاجاتها الضرورية، ووقفا سداً منيعاً في وجه الطامعين في جني الأرباح المفرطة التي تلازم الحروب عادة.
وغير نكير أن بعض التجار ممن كانوا يخزنون كميات من الحديد والورق والنسبج مثلاً قد استفادوا بعض الفائدة ولكن هذا كله لا يقاس بما حدث في سنة 1915 مثلاً.
س- كيف تسير سورية نحو أهدافها؟
يقال في بعض الأوساط أن الطوارئ التي طرأت من جراء إعلان الحرب تحول دون النشاط السياسي الوطني في سوريا وفي هذا القول غلو بل خطأ ذلك أن الحرب قد تكون الفرصة لإظهار النشاط السياسي والوطني ضمن الحدود المعقولة وقد رأت فرنسا بعينها ولمست بيدها ما في القطر السوري من وطنية صادقة على رغم ما ظهر في الدور الكتلي البائد من أعمال يندى لها الجبين ولا يسأل عنها إلا الأشخاص الذين ارتكبوها والبلاد في حل مطلق منها.
إن هذه الاخلاص المتجلى في جميع أوساط الشعب قائم على عقيدة أن مصلحة سوريا مثل مصلحة سائر بلدان العالم العربي متفقة مع مصلحة الحلفاء ولا يمنعنا من هذا الاعتراف الصريح ما ارتكبت إنكلترا أو فرنسا من الأخطاء في فلسطين وسوريا لأننا نعد هذه الأخطاء اعراضاً قابلة للشفاء متى عولجت معالجة أساسية في حين يكون المصير قضاء مبرماً إذا كانت الكلمة العليا لأية سلطة استعمارية تطمع في تسخير الخلق لمشيئتها وقصارى القول أن سوريا تعد البلاد الذي تعانية من جراء الأخطاء الماضية قابلاً للزوال متى تضافرت همم الوطنيين السوريين المخلصين على العمل المنتج القائم على الفهم الصحيح وبخلاف ذلك تتعقد المسائل وتدخل العناصر القتالة.
س- كيف وجدتم حالة البلاد المعنوية بعد عودتكم إليها؟
لو نزل بغير سوريا بعض ما نزل بها من البلاء الداخلي والخارجي لخبت فيه صوت الوطنية ولخمدت نار الحرية ولكن البرهان الناطق على ما في سورية من الحيوية الوثابة أن جميع هذه النوازل مازادتها إلا حزماً على رغم ما يشاهد فيها من الهدوء النسبي ولا يقتصر البلاء على العوامل الخارجية فقط في أطماع وسوء سياسة بل شمل أخطاء داخلية ذات خطر من الطراز الأول وحسبي أن يشير هنا إلى الدور الكتلي البائد وما جر على البلاد من مصائب فادحة ستئن منها الأمة ردحاً من الزمن ولا يعني هذا الأمر أن الخلاص منها غير ممكن، وإنما يعني الصعوبة التي ستعانيها قبل أن تعود الجهود الوطنية إلى مجاريها الطبيعية.
وإذا جاز لنا أن نصم هذا الدور البائد بوصيمة ولا افراط فيها ولا تفريط قلنا أنه أرخص قيمة الوطنية في أعين بعض المتفرجين أو إنزال مستواها ولولا ذلك مازال الحكم الكتلي بقضها وقضيضه من غير أن يرتفع صوت واحد في البلاد أو يضرب كف على كف من الندم.
البلاد تلتهب وطنية وتضطرم كشعلة من النار بيد أن هنالك إجماعاً بين العاملين على ضرورة تغيير الطرق التي ابتعت حتى الآن وعلى تقديم البراهين القطعية على أن الباعث في جميع الأعمال التي تعمل باسم الوطن وبالوطن وإلى الوطن وأن جميع الذين اندسوا بين العاملين لباعث نفعي ذاتي حقير أو لغرض أجنبي سخروا أنفسهم له إنما هم غرباء عن القضية العامة ولايمتون إليها بصلة أو نسب.