شهادات ومذكرات
من مذكرات أمين أبو عساف (23): مهمة أمنية في البادية
من مذكرات أمين أبو عساف (23): مهمة أمنية في البادية
بتاريخ 20 / 9 / 1941 انتقل الرعيل إلى قرية خناصر على حدود البادية كي يعيد الأمن إلى نصابه من جراء تصادم بين القبائل البدوية في تلك المنطقة (عنزة – حديديين – موالي).
استلمت الأمن في تلك المنطقة وكان تحت قيادتي بالإضافة إلى رعيل المدرعات رعيلان من الفرسان من الكوكبة الخفيفة /19/ ومجموعة من الدرك. كانت قيادتي في مخفر الدرك في خناصر مع هاتف وجهاز لاسلكي.
أما البدو الذين يسكنون القرى فقد كانوا نصف حضر منهم من يعمل بالزراعة وبعضهم يرعة المواشي ينتقلون في فصل الشتاء إلى البادية. ويعودون صيفاً إلى المعمورة.
أما القسم الآخر فقد بقي على طبيعته بسكن الخيام، يمضي الشتاء والربيع في البادية ويعود صيفاً إلى المعمورة طلباً للكلأ والماء.
كان الخلاف بين الفرقاء على الأراضي والآبار. في الماضي كان البدو يستخدمون هذه الأراضي للرعي والآبار للسقاية- الحدود غير واضحة تماماً. وعندما بدأ البدو في استثمار الأرض بالزراعة بدأ الخلاف بين القبائل.
منذ وصولي وضعت الفرسان والدرك في مواقع تفصل بين الفرقاء مع وسائل اتصال، ورعيل المدرعات في خناصر احتياط ويقوم بدوريات.
اتصلت بكل الفرقاء وطلبت منهم أن يكون البت بالقضايا المتنازع عليها من قبل السلطة مديرية العشائر أو المحافظ. كما هو جارِ في أنحاء سورية. إذ يوجد قضاء وحلول إدارية تشرف عليها سلطات مسؤولة وأن عادات البدو والغزو يجب أن تتوقف طالما يوجد قانون وهم يعملون بالزراعة.
في أحد الأيام علمت أن عشيرة “العنزة” جهزت غزواً كبيراً باتجاه عشيرة “الموالي” يقوده الشيخ “مجحم بن مهيد” منطلقاً من جب العلي حيث يوجد قصره وأملاكه وبين الشعر المسوبع (ذو الأعمدة السبع) التقليدي.
وضعتُ قوة في طريقه أوقفت طلائع الهجوم حتى اتصل بقائد الغزو. ذهبت مع دورية مصفحات لمقابلته. وكأنه شاء أن يظهر مدى قوته فهو على رابية مشرفة تحيط به جموع غفيرة.
عندما وصلت سألته ما هذا يا شيخ “مجحم”؟ أجاب” إليّ تشوفوا عينك. نفصد خصمنا لنأخذ حقنا!. أجبته إن خصمك سوف يدافع عن نفسه وإن الحكومة ستكون ضد المعتدي. أي إننا نمنعه بقوتنا من الوصول إلى خصمه، فإذا رغب تجنب شق عصا الطاعة على الحكومة، عليه الرضوخ للمفاوضات والحلول القانونية والتحكمية وأن يفرق جموعه. قال: حتى يعرف الحل..
قلت له التفاوض بعد تفريق هذه الجموع. وفعلاً تفرقت الجموع. وبعد يومين ذهبت إليه ووضعنا أسس المصالحة بعد المفاوضة مع عشيرتي “الحديدين – والموالي”.
جاء إلى خناصر الشيخ “عبيد بن غبين” زائراً وهو من قبيلة “عنزه” ودعاني إلى مضاربه في البادية. واستغرب كيف مضت كل هذه المدة ولم آزره، وعدته في أثناء إحدى الدوريات سأزوره. عندما جئت لزيارته تركت المصفحات مقابل البيت مع طاقمها جاهزة لإطلاق النار إن حدث ما يوجب.
بدأ حديثه بالهجوم على خصمه. أجبته إن الإتفاق قد تم مع الشيخ “مجحم بن مهيد” ووضعنا أسس الاتفاق لتسوية نهائية. ثار لهذا الكلام وقال إن الشيخ “مجحم” لا يمثله وهو صاحب الحق ويجب أن تحلّ الأمور كما يرغب! ولكن الشيخ “مجحم” وهو المعتَرف به من قبل السلطات. فلم يقبل وبقي على رأيه.
علمت فيما بعد أن جب “عبيد” كان المسؤول عن القبيلة في الماضي ولكن قد تغيرت الأيام ولن تعود إلى الوراء.
تركنا البيت بسبب هذا الاستقبال الجاف، بعد أن وقفنا طلب منا أن نبقى ليقدم لنا الطعام اعتذرنا وعدنا إلى خناصر.
بعد أيام أخبرنا رعيل الفرسان في منطقة “عبيد بن غبين” أن غزواً يقوده “عبيد” هاجم أماكن تخص “الحديديين” وبدأ النهب والتخريب.
ذهبت مع المصفحات ووجدناهم في الجرم المشهود، أوقفنا /15/ خمسة عشر رجلاً من المسؤولين ولم نجد “عبيد” الذي توارى. سقناهم إلى خناصر حيث حقّقّ معهم الدرك وأحلناهم إلى حلب. وقد ثبت على أحدهم بالصدفة جرم قتل أحد التجار في البادية، وقد رمى جثته في “جب” الماء. أخبرني محقق الشرطة عن ذلك وأن الحراسة ستشدد عليه لخطورته.
بعد قليل طلب هذا المجرم مقابلتي بدون حضور أحد. وعندما قابلته منفرداً عرض علي أن يشركني بما يربح. سألته وماذا يربح” أجاب إنه يسطو على المحلات التجارية والبيوت ويعترض طريق التجار في البادية. سألته كيف تصمت الكلاب عن النباح عندما يدخل البيوت التي تحرسها الكلاب؟ قال: يوجد سرّ مع حجاب كتبه لي خبير “تونسي” ومن يحمل هذا الحجاب لا تنبحه الكلاب. بعد إجراء التحقيق البدائي معم أحلناهم إلى حلب.
في اليوم التالي أتى الشيخ “عبيد” يتوسط للموقوفين أخبرناه أننا أحلناهم لإنهاء التحقيق معهم والبت بأمرهم إلى حلب.
اقرأ:
من مذكرات أمين أبو عساف (1): الثورة العربية الكبرى
من مذكرات أمين أبو عساف (2): بدايات الحكم الفرنسي في السويداء
من مذكرات أمين أبو عساف (3): أسباب الثورة السورية الكبرى 1925
من مذكرات أمين أبو عساف (4): اشتراك حوران وعرب اللجاة في الثورة السورية الكبرى
من مذكرات أمين أبو عساف (5): متابعة دراستي وانتسابي إلى الصف الخاص
من مذكرات أمين أبو عساف (6): الدخول إلى الكلية العسكرية
من مذكرات أمين أبو عساف (7): الدراسة في الكلية العسكرية
من مذكرات أمين أبو عساف (8): التخرج من الكلية العسكرية وتعييني في الكوكبة الثالثة
من مذكرات أمين أبو عساف (9): نقلي إلى كتيبة شمال سورية الكوكبة /25/
من مذكرات أمين أبو عساف (10): إجراءات السفر إلى “سومير”
من مذكرات أمين أبو عساف (11): مدرسة سومير للفرسان والمدرعات
من مذكرات أمين أبو عساف(12): زيارة باريس
من مذكرات أمين أبو عساف (13): إعلان فرنسا الحرب على ألمانيا النازية
من مذكرات أمين أبو عساف(14) : نقلي إلى الكوكبة الثالثة مدرباً لطلاب الكلية العسكرية
من مذكرات أمين أبو عساف (15) : محاضرة عن الدروز في “جبل الدروز”
من مذكرات أمين أبو عساف (16): الحرب عام 1941 بين قوات فيشي وقوات فرنسا الحرة والجيش البريطاني
من مذكرات أمين أبو عساف (17): ذهاب الكتيبة إلى الحدود الفلسطينية
من مذكرات أمين أبو عساف (18): معركة فيق
من مذكرات أمين أبو عساف (19):الانسحاب من تل الفرس
من مذكرات أمين أبو عساف (20): العودة إلى حمص بالقطار من محطة القدم
من مذكرات أمين أبو عساف (21): إعادة تشكيل الرعيل واستلامي مهمات دفاعية على طريق تدمر ودمشق
من مذكرات أمين أبو عساف (22): تعييني أمراً لرعيل المدرعات الثاني عام 1941