مقالات
بدر الدين تلجبيني: حديث عن مدرسة ابن المقفع في أعزاز
مرويات من التراث الشعبي - ريف حلب- أعزاز
بدر الدين تلجبيني – التاريخ السوري المعاصر
في الستينات من القرن الماضي لم يكن باستطاعة أهالي القرى والبلدات الصغيرة من محافظة حلب ان يشاهدوا فيلما سينمائيا سوى بالذهاب الى دور السينما في مدينة حلب ..
هي المدرسة الأم في مدينة أعزاز من محافظة حلب وتقع مقابل السراي الحكومية جنوبي القلعة ويعود تاريخ بنائها الى عهد الإحتلال الفرنسي في الثلاثينات من القرن الماضي وقد تم هدمها في الثمانينات بسبب تداعي بنائها .. احتضنت هذه المدرسة أجيالا من الطلاب على مدى الأيام ..
ودرس وعلم فيها ممن ترفع لهم القبعات من المعلمين الكرام ..
ففي الخمسينات وبداية الستينات من القرن الماضي قضينا فيها في المرحلة الابتدائية أجمل السنوات .. فحين يدخل الطالب الجديد المدرسة لأول مرة تنتابه مشاعر مختلطة من البهجة والرهبة معا ..
فهي حياة جديدة سيندمج فيها ويصنع من خلالها مستقبله ..
يبدأ الدوام في الساعة السابعة والنصف صباحا بالإجتماع الصباحي حيث يجتمع الطلاب في الباحة لتأدية تحية العلم ..
فيهتف طالب جهوري الصوت بالمجتمعين ( سلااام خذ !! ) فيقف الجميع بحالة الاستعداد ويتم رفع العلم الى الأعلى ويهتف الطالب ثانية ( يحيا علم سوريا ) فيردد خلفه الجميع معلمين وطلابا ( يحيا العلم ..يحيا العلم ..يحيا العلم ) بعد ذلك يرددون النشيد السوري ثم نشيد الجزائر ( قسما بالنازلات الماحقات ) نصرة للشعب الجزائري ..ثم يؤتى بالطلاب المتأخرين عن الدوام والطلاب المشاغبين ..والهاربين من المدرسة…فتربط رجلي الطالب بعصا ذات شريط جلدي وترفع الى الأعلى ويبدأ مدير المدرسة الأستاذ ( أحمد بدوي الشقة ) بضربه على كلتا رجليه بالعصا في ما يسمى ( الفلقة ) ويصرخ الطالب ( التوبه يا استاذ .. والله العظيم ما عاد أعيدا ..دخيلك يا استاذ ) ولكن استغاثاته تذهب أدراج الرياح فقد أعطى أولياء الطلاب لادارة المدرسة تفويضا صريحاً باستعمال القسوة مع أبنائهم ..اذ كانوا يقولون ( اللحم لكم والعظم لنا !!! )
وكان لكل معلم طريقته في ضبط وتوجيه الطلاب فبعض المعلمين كانوا يفرضون هيبتهم بمعزل عن استعمال العصا ..
أمثال الاستاذ صباح الدين كريدي وبعض من المعلمين
لكن الغالبية كانوا يقتنون العصي … فكان للعصا في تلك الأيام الدور الكبير في انضباط الطلاب وتقيدهم بالنظام وحثهم على الدراسة والتحصيل.
وإذا تحدثنا عن العصي في المدرسة انذاك ففي المقدمة تأتي ذائعة الصيت عصا المدير ( احمد بدوي الشقة) التي كان الطلاب يحذرون من التعرض لضرباتها الموجعة فهي رفيعة عند المقبض وعريضة المقدمة ولها صوت حين ارتطامها بكف الطالب وكان المدير يقفز عند كل ضربة عصا ..!!
بينما عصا الأستاذ أحمد شوا مثلا صغيرة يعاقب بها الطالب المشاغب بنوع من الرفق والعدالة ..!! وغيره يعاقب بشد السوالف ..واخر بالمجاوره وهي ضرب المؤخرة بالمسطرة
وكان يجمعهم في النهاية هدف واحد وهو انشاء جيل منضبط يتقيد بالنظام ..يفتح كتبه ويؤدي وظائفه ويحترم المعلم
و كان في كل صف من الصفوف مناوب يتم اختياره من أقوياء الشخصية في الصف ويفضل أن يكون طويل القامة جريئاً يحسب له الطلاب حسابا فيقوم في غياب الاستاذ بكتابة أسماء الطلاب المشاغبين بالطبشور الأبيض على اللوح الأسود ويضع بجوار كل اسم عدد من إشارات × تتناسب مع درجة شغب الطالب .وحين يدخل المعلم الصف يعتمد على كلام المناوب وينفذ العقوبة بأصحاب الأسماء المدونة على اللوح …
كان الدوام في المدرسة يتألف من ( 6 ) حصص مقسومة الى قسمين :
القسم الأول ويبدأ من الساعة الثامنة صباحاً وحتى الثانية عشرة ظهرا وتعطى فيه المواد الهامة مثل الحساب والإملاء والعلوم والقراءة .
وحين تبلغ الساعة الثانية عشرة ينصرف الطلاب الى منازلهم لمدة ساعتين يتناولون فيها طعام الغداء ثم يعودون في الساعة الثانية بعد الظهر الى المدرسة ليكملوا القسم الثاني من الدوام بحصتين أخيرتين تعطى فيهما على الأغلب مواد الرياضة والرسم والأشغال والنشيد …
وعند الإنصراف يصطف الطلاب في الباحة في سرايا وفق الحارات ولكل حارة سرية ويرافقهم طلاب تعينهم إدارة المدرسة ويسمون ( الضابطه ) يسجلون اسم الطالب الذي يترك يد زميله و( ينفرد ) قبل مرور مئتي متر بعد المدرسة …
والحقيقة أنه كان للمعلمين في تلك الأيام هيبة ورهبة ..
كان أغلبهم من أكفاء معلمي مدينة حلب والبعض من أبناء مدينة اعزاز ..
بعض معلمي المدرسة في العام الدراسي 1956 / 1957
1 ـ أحمد شيخ شوا
2 ـ فوزي جركوس
3 ـ حسن طياره
4 ـ عبد الله مصري طنطاوي
5 -الشيخ عيسى الخطيب
6 ـ محمود حنو
7 ـ بشير حمامي
8 ـ مدير المدرسة ( أحمد بدوي الشقّه )
تم تشكيل فرقة كشفية في المدرسة بمساعي الأستاذ عدنان ترجمان من مدينة حلب ..تكونت الفرق من ثلاث مجموعات كانت كل مجموعة منها تسمى ( رهط ) فكان هناك رهط الغزال بقيادة الطالب ( إبراهيم عبد الله داديخي ) ورهط الفيل بقيادة الطالب ( أحمد صالح زعموط ) ورهط أخر بقيادة الطالب ( طارق أدهم عكاش ) وكانت الفرقة الكشفية تشارك في المناسبات الوطنية وتقوم بأنشطة ورحلات الى قرى المنطقة سيرا على الأقدام ..
وكان من افرادها انذاك : ( عبد الحميد علوي . ومصطفى شمس الدين . وأبو العيس . ومحمود زعموط . ومصطفى صادق الصوفي . والشيخ عيسى الشيخ حسين . وزكريا خالد حج علي . وحسين مغربي . وبدر الدين تلجبيني )
ويحدثنا ابن مدينة اعزاز الأستاذ المحامي ( أحمد مصري ) الشقيق الأكبر للمرحوم الشاعر الدكتور عادل المصري عن الفترة مابين عام 1944 الى عام 1949 والتي عاصرها وعاش تفاصيلها وكان من ضمن طلابها …
يقول الأستاذ أحمد مصري :
قبل أن تسمى المدرسة باسم مدرسة ابن المقفع كان اسمها ( مدرسة انموذج أعزاز )
وقبل ان يستلم الأستاذ أحمد بدوي الشقه ادارة المدرسة كان هناك مدير قبله هو الأستاذ القدير ( محمود درويش ) أبو زياد الذي كان بقامته وهامته وهيبته يدير المدرسة باقتدار ، ويعلم اللغة العربية لأبنائها ، فكان من أقوى الأساتذة في الإعراب والنحو والصرف ..
وكان معه في تلك الفترة كادر من المعلمين الأكفاء من مدينة حلب وباقي المحافظات أذكر منهم الأساتذة :
( أنور سردار – صلاح نامق – علي معروف – محمد ايبش – مكرم حافظ ـ محمد الأميري )
وكان المعلمان الاستاذ مكرم حافظ ، والاستاذ محمد الأميري يحثان طلابهما على الذهاب يوميا الى المسجد لأداء صلاة الظهر ..فيذهب الطلاب الى المسجد في صف منتظم ويعودون كذلك ..
ونذكر من أسماء الطلاب الذين كانوا يتلقون العلم في المدرسة في تلك الفترة :
( هنانو وردة ـ صبري شبوك ـ أحمد ديموك ـ ديبو راجي ـ نافع شبوك ـ مصطفى حموش ـ صبري حاج غازي ـ فريد حاج غازي ـ غازي حاج غازي ـ محمود محيو كركج ـ محمود نوري كلو ـ محمود حنو ـ عبد الله الشيخ محمود الجمل ( الطنطاوي) الموجود في الصورة برقم ( 4 ) و رشاد كلو – وحسني كنو ـ ومحمود تلجبيني ـ عادل كيالي -اسماعيل عيسى ـ ومحمد اسماعيل ـ وشاهين مصطفى – والداعي أحمد محمود المصري ( الجمل )
وكان الطالب صبري الحاج غازي من الطلاب أقوياء الشخصية في المدرسة فكان جريئاً وذو تأثير على زملائه ..
كما وكان الطالب ( هنانو ورده ) مثالاً في الجد والاجتهاد فكان يحوز على الدرجة الاولى في صفه كل عام ..
ونعود لنقول انه كان للمعلم هيبة وتقدير واحترام من قبل الطلاب وذويهم فقد كانوا يؤدون له التحية اينما صادفوه في الشارع أو في أي مكان عام .. وكان ذوي الطلاب ينظرون الى المعلم نظرة احترام وتبجيل وينادونه ( أفندي ) ..
أما من كان يعتبر المدير الثاني للمدرسة فهو المستخدم ( أبو سليم المعراوي ) الذي كان المسؤول عن نظافة المدرسة وترتيبها .. والمسؤول أيضاً عن دخول الطلاب وخروجهم من الباب الرئيسي ..فكان ابو سليم العين الساهرة التي كانت ترعى الطلاب … يساعدهم ويقدم لهم النصح والإرشاد …
كما وكان يضبط زمن الحصص ..فيقرع الجرس النحاسي بيده كلما حان وقت انتهاء الحصة الدراسية ..ويقرعه ثانية حين انتهاء زمن الفرصة في باحة المدرسة …
وما زال صدى رنين ذلك الجرس النحاسي يتردد في اسماعنا ..فيشعرنا برهبة المدرسة ومتعتها معا ..
رحم الله من مات ممن ذكرت ، وأطال بعمر من بقي حيا . فقد كانوا عنواناً للإخلاص والتفاني وكانوا شموعاً تضيء و تحترق في سبيل إنارة درب الأجيال وايصالهم الى جنة العلم والمعرفة ..
انظر:
بدر الدين تلجبيني: دخول القوات الفرنسية إلى أعزاز عام 1920
بدر الدين تلجبيني: أيام شهر رمضان في أعزاز
بدر الدين تلجبيني: نجارة المحاريث القديمة في أعزاز
بدر الدين تلجبيني: السرايا الحكومية في أعزاز
بدر الدين تلجبيني: جولة في ليل أعزاز
بدر الدين تلجبيني: الزودة في قديم أعزاز
بدر الدين تلجبيني: المولد النبوي الشريف في أعزاز
بدر الدين تلجبيني: مقاهي أعزاز
بدر الدين تلجبيني: عيد الأضحى في أعزاز
بدر الدين تلجبيني: المصارعة الزيتية في أعزاز
بدر الدين تلجبيني: خان بيع الحبوب في أعزاز