You dont have javascript enabled! Please enable it!
شهادات ومذكرات

من مذكرات أكرم الحوراني – موازنة الدولة

من مذكرات أكرم الحوراني (12 /113)

من مذكرات أكرم الحوراني – موازنة الدولة:

كانت المرة الأولى التي أطلع فيها عملياً على موازنة الدولة، وكنت في معهد الحقوق قد عرفت شيئاً عنها في علم المالية، ولكنها كانت معرفة نظرية فعكفت على مشروع الموازنة أقرأه قراءة الطالب المجد وأتفحص أرقام الموازنة والأسس التي قامت عليها، فاكتشفت أهمية الموازنة في إعطاء صورة دقيقة بالأرقام عن أوضاع البلاد عامة، فهمي المرأة التي تعكس فيها الصورة الحقيقية للدولة وللمجتمع. ولذلك فإن توجيه الموازنة يرسم مستقبل البلاد في جميع المجالات.

وبذلك خطوت خطواتي الأولى في هذا الميدان الذي صرفت له الكثير من عنايتي واهتمامي فيما بعد، فأخذت أطلاع كتب المالية والاقتصاد والتنمية، وأتباحث مع الاختصاصيين وأناقشهم حتى أصبحت لدي بعض الخبرة في الشؤون المالية والاقتصادية وقضايا التنمية، وتوليت فيما بعد عضوية لجنة الموازنة ورئاستها عدة سنوات.

غير أنني لم أجد الثقة في نفسي، عند مناقشة موازنة عام 1944، أن أطرح على المجلس كثيراً من الأفكار التي كانت تجول في خاطري، واكتفيت بالتوكيد على أسئلة كنت قد تقدمت بها قبل عرض الموازنة تتعلق بتوحيد أسعار الحبوب ومواد الأعاشة التي كانت أسعارها مختلفة في المحافظات السورية، مما كان يولد انعاكاسات سياسية ضارة. كما طالبت بضرورة طرح موازنة الأعاشة على المجلس مع موازنة الدولة العامة، لأنه لا يجوز دستورياً أن تظل موازنة الأعاشة- وهي من الموازنات الملحقة- محجوبة عن الرقابة المجلسية .. وسوف يتبين فيما بعد أية أهمية كبرى كانت لهذا الطلب الذي تكشف عن فساد وارتكابات هاتين المصلحتين (الميرة والأعاشة) واستغلال الحكم القائم لهما، والانعكسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية السيئة التي نجمت عنها في البلاد.

كانت واردات موازنة عام 1944 لا تتجاوز مليون ليرة. على أساس أن الليرة الذهبية تعادل 40 ليرة سورية بالسعر الرسمي. وكانت النفقات العامة48,5  مليون ليرة سورية.. إنني أذكر هذه الأرقام لأبين النمو الحالي والاقتصادي المعجز الذي حققته سوريا بعد الاستقلال.

ومن أهم الملاحظات على موازنة 1944، أنها المرة الأولى في تاريخ الموازنات السورية – كان الفرنسيون يضعونها سابقاً- التي يرد فيها ذكر لمشروع الخمس سنوات، وقد خصص له ستون مليون ليرة سورية من الاحتياطي المجممد، ومع أن هذه المبالغ لم تصرف جميعها على مشاريع انتاجية منهجية مدروسة فيما بعد فإن أهميتها أنها وجهت أنظار البلاد إلى ضرورة التخطيط في مشاريع التنمية.

درس اقتصادي .. من الاستعمار:

كانت الليرة الذهبية قبل الحرب تعادل 5.5  ليرة سورية، وكانت الضائقة الاقتصادية طيلة عهد الانتداب الفرنسي تأخذ بخناق البلاد رغم الرخص الشديد الذي لا يمكن تصوره لأسعار جميع الحاجيات، وأذكر أنني ذات مرة تغديت غداء كاملاً ممتازاً مع أجرة المقهى بفرنك واحد “خمسة قروش”. وكان النقد المتداول قليلاً جداً.

ثم حدثت الحرب، واحتلت الجيوش البريطانية البلاد، وكثرت أوراق العملة، وحدث الانفراج الاقتصادي الذي تحدثنا عنه في فصل سابق، وخاطب وزير المالية خالد العظم أثناء مناقشة موازنة عام 1944 البرلمان قائلاً:

“إن كثرة النقد المتداول أوجدت رخاء في البلاد رغم الغلاء المشاهد. وإن هذا الرخاء لن يستمر، فلا بد أن ينجم عن انقطاع  انفاق الجيوش وتدني الأسعار وعودة الحياة إلى مجراها الطبيعي أزمة تشبه أزمة ما بعد الحرب الماضية.. ورغبة في التغلب على ذلك وضعت الحكومة برنامجاً لخمس سنوات حرصت أن يكون شاملاً جميع النواحي العمراني كالمدارس ودور الحكومة والعناية بتجميل المدن وتشييد الودائر والبنايات .. الخ”.

والحقيقة أن الجيوش المحتلة لم تنفق في البلاد قطعاً نادراً. ومن أين لها القطع النادر في ظروف الحرب؟ إنها فعلت عكس ذلك إذ وضعت يدها على منتجات البلاد الرئيسية كالحبوب وغيرها لتموين قواتها. وسددت قيمة هذه المنتجات بالعملة الورقية مما سبب هبوط القوة الشرائية لليرة السورية. فأصبحت الليرة الذهبية تعادل أكثر من أربعين ليرة سورية.

وبرغم هذا التضخم انتعشت البلاد انتعاشاً اقتصادياً هائلاً، وسبب ذلك وفرة أوراق العملة بعد قلتها في البلاد طيلة العهد الفرنسي، وكان الفرنسيون، رغم وضع يدهم على مصادر ثروة البلاد الرئيسية ونهبها والتصرف بها، شديدي الحرص على الاقتصادي بإصدار العملة الورقية، لاخوفاً من التضخم النقدي، بل لارتباط النقد السوري بالفرنك الفرنسي، لأنه كلما كثر النقد الورقي المتداول وجب على البنك السوري، صاحب امتياز الإصدار وممثل الرساميل الفرنسية، أن يوجد تغطية ذهبية أو من العملات الصعبة، وهذا مما ليس في مصلحة الرساميل الفرنسية صاحبة الامتياز.

وقد ظل النمو  الاقتصادي في البلاد صاعداً مستمراً على جميع المستويات الزراعية والصناعية والتجارية رغم تعثر مشاريع التنمية ولم يحدث ما توقعه وزير المالية من أزمات تصيب البلاد بعد الحرب.


انظر :

من مذكرات أكرم الحوراني – قضية فلسطين محور الوحدة العربية (112)

من مذكرات أكرم الحوراني (111) – على ضفاف بردى

من مذكرات أكرم الحوراني(110) – كيف بدأ تشكل المعارضة ضد عهد القوتلي؟

من مذكرات أكرم الحوراني (109) – عملاء المخابرات البريطانية المحليون

من مذكرات أكرم الحوراني (108) – المعركة التي لم تخضها سوريا يخوضها لبنان

من مذكرات أكرم الحوراني (107) – العائلة القوتلية

من مذكرات أكرم الحوراني (106) – احتفال تجار دمشق بانتخاب القوتلي رئيساً

من مذكرات أكرم الحوراني (105) – أداء رئيس الجمهورية والنواب يمين الإخلاص

من مذكرات أكرم الحوراني (104) – افتتاح البرلمان وانتخاب القوتلي رئيساً عام 1943

من مذكرات أكرم الحوراني (103) – في مجلس النواب.. متاعب .. إلى حدود الإغماء

من مذكرات أكرم الحوراني (102) – كيف كانت بنية المجتمع وشكل الاقتصاد في حماه عام 1943؟

من مذكرات أكرم الحوراني (101) –  منعطف حاسم في مسيرة حياتي

من مذكرات أكرم الحوراني (100) –  على هامش معركة الانتخابات النيابية عام 1943

من مذكرات أكرم الحوراني (99) –  شكري القوتلي يوافق ويبارك 

من مذكرات أكرم الحوراني (98) –  لجنة الإصلاح في حماة 1943

من مذكرات أكرم الحوراني (97) – موقف الكتلة الوطنية من انتخابات حماة عام 1943

من مذكرات أكرم الحوراني (96) – طبول فتنة دامية

من مذكرات أكرم الحوراني (95) – انفجار الشعار الحاسم

من مذكرات أكرم الحوراني (94) – ترشيحي للانتخابات النيابية عام 1943

من مذكرات أكرم الحوراني (93) – ترشيح عثمان الحوراني لانتخابات عام 1943

من مذكرات أكرم الحوراني (92) – جولة شكري القوتلي الانتخابية عام 1943

من مذكرات أكرم الحوراني (91) –  بدء النفوذ البريطاني في سوريا

من مذكرات أكرم الحوراني (90) – القوتلي ينطلق من سياسة التعاقد مع فرنسا

من مذكرات أكرم الحوراني (89) –  عودة الحياة الدستورية للبلاد

من مذكرات أكرم الحوراني (88) – انهيار الكتلة الوطنية في عهد الشيخ تاج


 انظر ايضاً مذكرات أكرام الحوراني:

 مذكرات أكرم الحوراني



 أحداث التاريخ السوري بحسب السنوات


سورية 1900 سورية 1901 سورية 1902 سورية 1903 سورية 1904
سورية 1905 سورية 1906 سورية 1907 سورية 1908 سورية 1909
سورية 1910 سورية 1911 سورية 1912 سورية 1913 سورية 1914
سورية 1915 سورية 1916 سورية 1917 سورية 1918 سورية 1919
سورية 1920 سورية 1921 سورية 1922 سورية 1923 سورية 1924
سورية 1925 سورية 1926 سورية 1927 سورية 1928 سورية 1929
سورية 1930 سورية 1931 سورية 1932 سورية 1933 سورية 1934
سورية 1935 سورية 1936 سورية 1937 سورية 1938 سورية 1939
سورية 1940 سورية 1941 سورية 1942 سورية 1943 سورية 1944
سورية 1945 سورية 1946 سورية 1947 سورية 1948 سورية 1949
سورية 1950 سورية 1951 سورية 1952 سورية 1953 سورية 1954
سورية 1955 سورية 1956 سورية 1957 سورية 1958 سورية 1959
سورية 1960 سورية 1961 سورية 1962 سورية 1963 سورية 1964
سورية 1965 سورية 1966 سورية 1967 سورية 1968 سورية 1969
سورية 1970 سورية 1971 سورية 1972 سورية 1973 سورية 1974
سورية 1975 سورية 1976 سورية 1977 سورية 1978 سورية 1979
سورية 1980 سورية 1981 سورية 1982 سورية 1983 سورية 1984
سورية 1985 سورية 1986 سورية 1987 سورية 1988 سورية 1989
سورية 1990 سورية 1991 سورية 1992 سورية 1993 سورية 1994
سورية 1995 سورية 1996 سورية 1997 سورية 1998 سورية 1999
سورية2000

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى