You dont have javascript enabled! Please enable it!
شهادات ومذكرات

من مذكرات أكرم الحوراني – انفجار الشعار الحاسم

من مذكرات أكرم الحوراني (11 /95)

من مذكرات أكرم الحوراني –  انفجار الشعار الحاسم:

كان التأييد الجماهيري يتعاظم بقدر ما كان موقفنا واتجاهنا يتحدد تحديداً قاطعاً من الطبقة الإقطاعية، كان الشعب في غاية الحساسية لكل كلمة تقال أو شعار يطلق. كان منفتح الذهن والقلب. مستعداً للبذل والتضحية، لاسيما بعد أن شعر بالأموال التي بذلها الإقطاعيون لشراء الضمائر.

وفي أحد اجتماعاتنا الانتخابية في جامع سوق الشجرة كنت أول الخطباء، وليس لدي الآن نص الخطاب ولكنني بأنني بدأته بما قاله الرسول عندما دخل مكة ظافراً وبدا يحكم الأصنام حول الكعبة قائلاً: “شاهت الوجوه” فقلت شاهت الإقطاعية.. وشاهت وجوه الإقطاعيين.

واعتبرت هذه الحفلة يوماً مظفراً للقائمة الشعبية على الإقطاع والرجعى، ونددت بما يفعله الإقطاعيون من شراء ضمائر المواطنين بالأموال التي جمعوها في ظروف الحرب من قوت الشعب وكد يمينه وعرق جبينه. وكان لهذه الكلمة أثر بليغ.

وعند انتهائي قدم رئيف الملقي صهره الجديد الدكتور فايز الأسود الذي ما لبث أن خرج في خطابه عن الموضوع نهائياً، ويعود ذلك لحادثة عائلية وقعت قبل يوم الحفلة بين أخيه وبين بعض شباب آل العلواني أودت بحياته. فنفث الدكتور فايز في خطابه جميع همومه وأحزانه وصب جام غضبه بعبارات نابية وشتائم جارحه وتهديدات يمجها الذوق العام. فكادت تحدث بلبلة في صفوف المجتمعين. وكان هذا الخطاب، في اليوم الثاني، سلاحاً بيد الإقطاعية منهزين ما ورد فيه للتدليل على أخلاقية.

القيادات الشعبية وانحدار مستواها الفكري والأخلاقي. وخسرنا هذا الخطاب انصارنا من آل العلواني ولم يقبلوا لنا عذراً، حيث أملوا أن نمنع الدكتور الأسود بالقوة من متابعة خطابه، الأمر الذي كان لا يوافق عليه حموه رئيف الملقي.

فجأة .. انفجر الشعار الحاسم

كان آخر هذه الاحتفالات الانتخابية وأضخمها اجتماع ليلي حول خيمة نصبها أبناء حينا في منطقة البياض غربي المدينة. وقد هرع الناس إلى مكان الاحتفال من كل حدب وصوب وكان أبناء كل حي يصلون متجمعين في عراضة خاصة حول راية حيهم. وكانت طبول العراضات وأهازيج القوالين المنتصبين على الأكتاف تهز ليل المدينة بصخب احتفالي عظيم.. ولكن كلمات الخطباء لم تكن بمستى ضخامة هذا الاحتفال ولا بمستوى الحراراة التي كانت تغلي في الصدور. بل كان جو الكلمات بارداً باهتاً. وقد روى الملقي في خطابه إحدى قصص كليلة ودمنة. ولا أزال محتفظاً بخطابي في ذلك الاحتفال، وقد قلت فيه:

“كم يكون سروركم عظيماً لو شاهدتم أبناء حينا يؤمون عشية كل يوم هذا البيت نافضين عن نفوسهم عناء كد النهار، لأنهم من العمال الذين يعيشون بكد اليمين وعرق الجبين. ويجتمعون في الليل للسمر البرئ والإرشاد والدرس والتوعية السياسية والاجتماعية.

أبها الرفاق.. أنكم قد تألمتم في الماضي وضحيتم كثيراً، ولم تجنوا ثمرة تضحياتكم ونضالكم. لأن للظروف الدولية تأثيراً عظيماً على معارك الشعوب الوطنية.

كانت الظروف مواتية. أما الآن فقد فتحت الحرب أمامنا طريق الخلاص، فلنمض قدماً إلى أهدافنا، ولنأخذ من الشعوب الأخرى مثلاً في التضحية والفداء. إن الظروف الدولية أصبحت مواتية. فلنجعل منها نقطة الابتداء في نضالنا التحرري كما جعلنا من تراثنا نقطة الابتداء في بعثنا القومي. إن نضالنا السياسي والقومي يجب أن لا يقتصر على انتخاب النواب الصالحين المؤتمنين، إنه يجب أن يكون بدءاً لجهادنا في سبيل حريتنا واستقلالنا وتحقيق أمانينا القومية. وعلينا أن نحشد في معاركنا المقبلة جميع مواهب الأمة العربية وكفاءاتها. وعلى الواثقين بأنفسهم والمؤمنين بأمتهم أن يتقدموا. إن جنة الوطن مفتوحة أبوابها للجميع.. إنني أقول لرفاقي الفقراء والجائعين إنهم يشعرون في جهادهم بأجمل ما في الحياة، ويسعون في نضالهم لأشرف ما يسعى إليه الإنسان وهو الحرية والاستقلال.. قولوا يا رفاقي لهؤلاء الاقطاعيين بأن مقصدنا يختلف عن مقاصدهم. فلسنا نطمع بالسيارات الفخمة والثروات الضخمة، وإنما نحتقر الفخفخة ونسمو على العجرفة، ولا نعمل للمصلحة العرضية الزائلة. قولوا لهم: ليتكم تشعرون بما نشعر، إذن لاحتقرتم ما أنتم تتنعمون”…

وعندما انفض الاحتفال الكبير، في الهزيع الأخير من الليل، وبدأ أبناء كل حي يتجمعون في عراضتهم ويرددون أقوالهم الذي صعد إلى الأكتاف، واشتد الصخب والهرج والمرج، انطلق فجأة شعار كان حاسماً في تلك المعركة، وكان أبلغ من جميع  خطاباتنا .

“هات القفة والكريك .. لنقش الآغا والبيك”

كان هذا هو خطاب الشعب. وهو تلخيص جامع مانع لكل ما تعبنا في شرحه وإيضاحه. وكانتشار النار في الهشيم أصبح هذا الشعار أهزوجة كل العراضات التي عادت كل منها إلى حيها وهي تردده طوال الطريق.

كان وقع هذه الأهزوجة الشعبية على الطبقة الإقطاعية كالصاعقة، كما قضى هذا الشعار على المساومات السرية التي كان يجريها رئيف الملقي معهم في اجتماعاته بهم في دار العلم والتربية، وهي اجتماعات كنت أسمع عنها من رفاقي ولكنني لم أكن متأكداً منها، وفي الوقت ذاته كانت الشبهات تحوم حول موقف الملقي بعد أن شجع عمر الترمانيني على ترشيح نفسه للنيابة وحول إخلاصه لقائمتنا الانتخابية.

وقد عاتب الملقي رفيقنا علاء الدين الحريري الذي أطلق هذا الشعار. فالتفت إليها قائلاً: إن علاء الدين لم يطلق هذا الشعار إلا بالاتفاق معنا. والحقيقة إن علاء الدين بادر من تلقاء نفسه بإطلاق هذا الشعار ليحبط المساومات الجارية مع الإقطاعيين على حسابنا، وهكذا يظهر بأن الشعب عندما يمتلك قضيته يصبح أكثر ذكاء وقدرة وامكانية للحفاظ عليها والاستماتة في سبيلها.


انظر 

من مذكرات أكرم الحوراني (94) – ترشيحي للانتخابات النيابية عام 1943

من مذكرات أكرم الحوراني (93) – ترشيح عثمان الحوراني لانتخابات عام 1943

من مذكرات أكرم الحوراني (92) – جولة شكري القوتلي الانتخابية عام 1943

من مذكرات أكرم الحوراني (91) –  بدء النفوذ البريطاني في سوريا

من مذكرات أكرم الحوراني (90) – القوتلي ينطلق من سياسة التعاقد مع فرنسا

من مذكرات أكرم الحوراني (89) –  عودة الحياة الدستورية للبلاد

من مذكرات أكرم الحوراني (88) – انهيار الكتلة الوطنية في عهد الشيخ تاج


 انظر ايضاً مذكرات أكرام الحوراني:

 مذكرات أكرم الحوراني



 أحداث التاريخ السوري بحسب السنوات


سورية 1900 سورية 1901 سورية 1902 سورية 1903 سورية 1904
سورية 1905 سورية 1906 سورية 1907 سورية 1908 سورية 1909
سورية 1910 سورية 1911 سورية 1912 سورية 1913 سورية 1914
سورية 1915 سورية 1916 سورية 1917 سورية 1918 سورية 1919
سورية 1920 سورية 1921 سورية 1922 سورية 1923 سورية 1924
سورية 1925 سورية 1926 سورية 1927 سورية 1928 سورية 1929
سورية 1930 سورية 1931 سورية 1932 سورية 1933 سورية 1934
سورية 1935 سورية 1936 سورية 1937 سورية 1938 سورية 1939
سورية 1940 سورية 1941 سورية 1942 سورية 1943 سورية 1944
سورية 1945 سورية 1946 سورية 1947 سورية 1948 سورية 1949
سورية 1950 سورية 1951 سورية 1952 سورية 1953 سورية 1954
سورية 1955 سورية 1956 سورية 1957 سورية 1958 سورية 1959
سورية 1960 سورية 1961 سورية 1962 سورية 1963 سورية 1964
سورية 1965 سورية 1966 سورية 1967 سورية 1968 سورية 1969
سورية 1970 سورية 1971 سورية 1972 سورية 1973 سورية 1974
سورية 1975 سورية 1976 سورية 1977 سورية 1978 سورية 1979
سورية 1980 سورية 1981 سورية 1982 سورية 1983 سورية 1984
سورية 1985 سورية 1986 سورية 1987 سورية 1988 سورية 1989
سورية 1990 سورية 1991 سورية 1992 سورية 1993 سورية 1994
سورية 1995 سورية 1996 سورية 1997 سورية 1998 سورية 1999
سورية2000

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى