بدر الدين تلجبيني – التاريخ السوري المعاصر
في يوم من أيام بدايات الستينات من القرن الماضي، كانت خيوط الفجر تتسلل فتبدد ظلمة شوارع اعزاز، واصوات تكبيرات العيد تأتي من مئذنة الجامع الكبير.
كان يقوم رب الاسرة ويرتدي بدلته الرسمية ان كان موظفا، والصاية والطربوش إن كان تاجرا، والشروال والبريم والحطاطه ان كان مزارعا، وجلابية ومنديل وعقال إن كان من ابناء العشائر.
وكله جديد بجديد ، لم لا فاليوم يوم عيد ، ويخرجون واطفالهم قبل شروق الشمس قاصدين الجامع الكبير لأداء صلاة العيد ، يدخلون المسجد ويشاركون جوقة الجامع في التكبير ، فترى الجميع يكبّر ، ( الله اكبر لا اله الا الله ( ثلاثاً ) ثم الله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا وسبحان الله بكرة وأصيلا اللهم صل على سيدنا محمد ، وعلى آل سيدنا محمد ، رب اغفرلي وارحم والدي كما ربياني صغيرا).
بعد شروق الشمس بربع ساعة يحضر مدير المنطقة وكبار موظفي السراي والبعض من وجهاء المدينة فيتوقف التكبير وينادي إمام الجامع ثلاثاً (الصلاة جامعه) ثم يتبعها بعبارة (قوموا الى صلاتكم يرحمني ويرحمكم الله) ويؤدي الجميع صلاة العيد مقتدين بمفتي اعزاز الاستاذ يحيى الفاخوري أبو عبد السلام الذي يصعد بعد أداء الصلاة الى المنبر ويلقي خطبة العيد ، وتكون في الغالب عن سبب تسمية العيد بعيد الأضحى ، ويحكي قصة سيدنا ابراهيم والأمر الالهي بذبح اسماعيل ، وعندما تصل السكين الى رقبة اسماعيل تسمع اصوات التكبير ونحيب بعض المصلين تأثراً.
في هذه الأثناء يقوم خادم الجامع (علي الجوج) بالطواف على المصلين ليجمع العيدية له ولعمال الجامع .ويخرج بعض المصلين قبل انتهاء الخطبة بحجة الأضاحي.
بعد انتهاء الخطبة يخرج الجميع من الجامع الى سوق المدينة، فترى كل عائلة ولها مكان معروف للتجمع، ويذهبون سوية لزيارة المقابر ،فكل عائلة لها مقبرة.
بعد زيارة المقبرة يشكلون مجموعات من حوالي العشرين شخصا يطوفون على بيوت بعضهم البعض ففي كل بيت تكون سفرة الطعام حاضرة ، فلا بد من أن يأكل المعايد لقيمات والا اعتبرها صاحب البيت اهانة، بعدها يخرج (سفط الضيافة) الخشبي المزخرف والمصدف فيضيّفون المعايد قطعة سكر ناشد اخوان محشية بجوز الهند أخضر اللون ملفوفة بقطعة ورق كتب عليها بعض الحكم والعبارات مثل عيدكم مبارك والحسود لا يسود، يأكلها المعايد غالباً لكي لا تضايقه.
كان المعايدون يمرون على جميع بيوت العشرين المرافقين ويأكل كل منهم لقمتين من كل بيت، كبه بحامض او كبه سفرجليه او كبة باللبن او رز وفريكه، وفوقها سكرة الضيافه.
في بعض الأحيان كان يصاب البعض نتيجة ذلك بالتخمة وباضطرابات هضمية تستدعي احيانا حضور الدكتور مهران الله ويردى بطربوشه الاحمر وانفه المعقوف، فيعنف المريض ويلومه على فعلته، وينهزه في رأسه بسبابته قائلاُ : (انتي شلون بياكل هادا كلو سوا ياهو ..؟! مليح انتي ما بموت !) ويطرقه ابرة تخرج من قحف رأسه، ويحميه عن مأكولات العيد التي كان من المفترض ان يتنعم بها فيمضي أربعة ايام العيد جائعا بعد ان كان يمني النفس بمهرجان من لحوم الأضاحي !!
انظر:
بدر الدين تلجبيني: الزودة في قديم أعزاز
بدر الدين تلجبيني: المولد النبوي الشريف في أعزاز
بدر الدين تلجبيني: مقاهي أعزاز