You dont have javascript enabled! Please enable it!
مقالات

حدائق دمشق العامّة وخمّاراتها في نهاية القرن التاسع عشر 

هيثم قدح – التاريخ السوري المعاصر

وصف الرحالة شارل لالمان بعض تفاصيل زيارة الحدائق وتعاطي الكحول في الشام في كتابه “القدس ودمشق” الصادر 1893 – 1895م.

ومن خلال ترجمة النصّ الفرنسي الأصلي دون تعديل أو تجميل مع التحفظّ بأنّه لربّما بالغ في سرده لبعض تفاصيل تعاطي الكحول في الشام، نرى أنه ليس الخلاف هنا على توافر الخمر لمن رغبها فهذا كان ولا يزال موجوداً ولكن ممارسات العربدة التي ذكرها تتخلّلها على الأغلب بعض البهارات.

تعدّ زيارة العائلات المسلمة والمسيحيّة إلى العديد من الحدائق العامّة النضرة على ضفاف بردى شرق المدينة من أكبر مسرّات الدمشقييّن.

يهرع الندل (جمع نادل) فور وصول الزبائن إلى جلب الطاولات والأرائك والكراسي من مستودعاتها ويتبعون العائلات -التي تبدوا وكأنّها تنتقل من مساكنها- إلى الأماكن التي تختارها لفرشها بالأثاث وانتظار الطلبات. تجلس الأسرة تحت الأشجار الكبيرة التي تتدلّى أغصانها حتّى المجرى المندفع لنهر بردى الذي ترغي مياهه وتزبد. نرى مسيحيّات جميلات بيضاوات البشرة يؤطّر وجههنّ خمار أبيض جالسات حول الطاولات يدخنّ الأركيلة.

يوجد في دمشق -علاوة على هؤلاء المدنييّن المسالمين – عدد لا بأس به من الشباب المحبّين للملذّات منهم المسيحييّن ومنهم المسلمين. يفضّل هذا الشباب المخملي الخمّارات المبتذلة على هذه الحدائق التي يعتبرونها مرتادة أكثر ممّا ينبغي بشرط أن تكون هذه الخمّارات قرب حدائق صغيرة مع بحرة وفسقيّة ونافورة ماء حيث يستطيعون أن يسكروا فيها على راحتهم بعيداً عن الأنظار. من ناحيته لا بقصّر الخمّار في توفير كراسي منخفضة وطاولات يخدم عليها عرق زوق مكايل  اللبناني مع مختارات من المازة لهؤلاء الزبائن الجيّدين (المقصود “الدفّيعة”). تتشكّل هذه المازة من المقبّلات والخيار الأخضر الصغير الذي يطيب تناوله بعد كل كأس من العرق.

اعتاد هؤلاء الشبّان على الشرب تكراراً حتّى تلعب الخمرة برؤوسهم ويشتدّ الجذل حتّى الثمالة مع وصول الموسيقييّن والمغنّين عندما يبدأ القاصفون بنهشيم كل شيء من الكراسي إلى الكؤوس والقوارير. يعتبر هؤلاء المتأنّقين أنّ عاراً سيصيبهم إن لم تنته العربدة بالتكسير الشامل وفي يوم الخميس يستسلم جميع الملتذّين في دمشق إلى الفجور وتحطيم كلّ ما تطاله أيديهم.

بردى

ليس منظر دمشق كما تتجلّى لعينيّ للمسافر عندما يصلها من وادي بردى على هذه الدرجة من الجمال وإن كان المرج الواسع على الضفّة الجنوبيّة من النهر الهائج مغوياً إلى درجة لا بأس بها يغطّيه المتنزّهون والخيّالة الذين يتبخترون على صهوة خيولهم بأطقمها الفاخرة. تثير المقاهي على طرف الطريق اهتمامنا أيضاً وهي مليئة بمدخّني النارجيلة ولكنّنا لا نصادف إلّا مبان أوروبيّة وأرصفة قبيحة يتدفّق بردى بين جدرانها بأمواجه المزبدة الثائرة منذ اللحظة التي تجتاز العربة فيها الجسر لتدخل في باحة الشركة الفرنسيّة.

يختفي بردى تحت الساحة الكبيرة الأوروبيّة الطراز(1) وكأنّه يشعر بالعار من هكذا معاملة ونرى في هذه الساحة مباني سرايا الحكومة ومحكمة الجنايات والسجن والشرطة والبريد والبرق.

هناك مفاجأة تنتظرنا إذا أخذنا الطريق على اليمين إذ نرى أنفسنا بغتة -على بعد مائة متر فقط من الساحة الأوروبيّة- في وسط مدينة عربيّة صاخبة منهمكة بأمورها زاهية الألوان إلى درجة الإبهار. تقع شجرة دلب(2) في وسط المفترق الذي يشكّل مرحلة انتقاليّة بين المنطقتين ويحصل التغيير دون مقدّمات إذ يقبض علينا الشرق الخالص من كلّ شائبة. لم تتغيّر دمشق منذ آخر مرّة شهدتها فيها قبل ثلاثين عاماً.


(1) المقصود ساحة المرجة طبعاً.

(2) قطعت شجرة الدلب الضخمة بعد حوالي عشرين عاماً من هذا الوصف.



 أحداث التاريخ السوري بحسب السنوات


سورية 1900 سورية 1901 سورية 1902 سورية 1903 سورية 1904
سورية 1905 سورية 1906 سورية 1907 سورية 1908 سورية 1909
سورية 1910 سورية 1911 سورية 1912 سورية 1913 سورية 1914
سورية 1915 سورية 1916 سورية 1917 سورية 1918 سورية 1919
سورية 1920 سورية 1921 سورية 1922 سورية 1923 سورية 1924
سورية 1925 سورية 1926 سورية 1927 سورية 1928 سورية 1929
سورية 1930 سورية 1931 سورية 1932 سورية 1933 سورية 1934
سورية 1935 سورية 1936 سورية 1937 سورية 1938 سورية 1939
سورية 1940 سورية 1941 سورية 1942 سورية 1943 سورية 1944
سورية 1945 سورية 1946 سورية 1947 سورية 1948 سورية 1949
سورية 1950 سورية 1951 سورية 1952 سورية 1953 سورية 1954
سورية 1955 سورية 1956 سورية 1957 سورية 1958 سورية 1959
سورية 1960 سورية 1961 سورية 1962 سورية 1963 سورية 1964
سورية 1965 سورية 1966 سورية 1967 سورية 1968 سورية 1969
سورية 1970 سورية 1971 سورية 1972 سورية 1973 سورية 1974
سورية 1975 سورية 1976 سورية 1977 سورية 1978 سورية 1979
سورية 1980 سورية 1981 سورية 1982 سورية 1983 سورية 1984
سورية 1985 سورية 1986 سورية 1987 سورية 1988 سورية 1989
سورية 1990 سورية 1991 سورية 1992 سورية 1993 سورية 1994
سورية 1995 سورية 1996 سورية 1997 سورية 1998 سورية 1999
سورية2000

هيثم قدح

طبيب وكاتب سوري مقيم في الولايات المتّحدة الأمريكيّة منذ عام 1985

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى