You dont have javascript enabled! Please enable it!
مقالات

هيثم قدح: هكذا تكلّم خالد العظم

هيثم قدح – التاريخ السوري المعاصر

كثيرون من السورييّن من يتغنّون على وسائل التواصل الاجتماعي بما يسمّونه “الزمن الجميل” ويقصدون به العهد السابق للوحدة وجمال عبد الناصر وحزب البعث. “البراهين” على نزاهة السياسييّن الأسطوريّة وقتها كثيرة والمصدر في أغلب الأحوال “منقول” وكفى (على مبدأ إذا بعدت الشقّة صعب التكذيب).

بعض الأمثلة:

– كيف طرد جميل مردم بك المندوب السامي الفرنسي (بعض الروايات تقول أنّه ضربه).

شكري القوّتلي يعتذر من جودت الهاشمي مدير التجهيز على استعمال سيّارة الرئاسة من قبل ابنه حسّان للذهاب إلى المدرسة.

–  فارس الخوري وشهادته أن لا إله إلّا الله من منبر الأموي وكيف هزّأ المبعوث الفرنسي في الأمم المتّحدة.

خالد العظم والطريقة التي قصّ بها شعر ابنته أمام الجميع في مدرسة الفرنسيسكان ليري الحضور أنّه لا يعرف في الحقّ لومة لائم وكياسته في الطريقة التي دافع بها عن نزار قبّاني بعد نشر قصيدة “خبز وحشيش وقمر”.

هذه الروايات مبالغ فيها إلى أبعد الحدود على أقلّ تقدير ولا أستبعد أن تكون مختلقة من أساسها وبالطبع لا ينفي هذا أنّ الكثيرون ممّن يتناقلونها يفعلون ذلك بحسن نيّة.

تبقى الطريقة المثلى للتعرّف على معدن شخص ما هي من خلال أفعاله وأقواله وليس ما يروى عنه ولحسن الحظّ ترك لنا خالد بك العظم مذكّراته في ثلاثة أجزاء يقارب عدد صفحاتها الإجمالي ألفاً وخمسمائة. كافّة ما أورده في الأسطر التالية مختارات مأخوذة من الجزء الثاني لهذه المذكّرات كما كتبها خالد بك نفسه ومن المعروف أنّه تبوّأ عدداً من أرفع المناصب في سوريّا بين الأعوام 1941 و 1963. ماذا جاء فيها؟

– العظم إنسان مستقيم وزاهد وذو شعبيّة  (صفحة 440) متواضع ويؤثر على نفسه (ص 442) وما كان له أن يسعى إلى منصب إلّا عندما اعتقد أنّه لم يكن بوسع غيره إنقاذ الموقف ولم يتردّد في مدّ يده لمن خذلوه (ص 443) والغفران لمن شتمه وأهانه (ص 107) وكان نصيبه من الحياة الدنيا نكران الجميل وجحود المعروف (ص 499).

– يفخر العظم بما اعتبره أحد أهمّ إنجازاته عندما فكّ الارتباط الجمركي مع لبنان ومنع سفر السورييّن إليه إلّا بإجازة “تعطى لدى الضرورة” وحدّد المبلغ الذي يمكن للسوري أن يخرجه إلى لبنان بخمسين ليرة. انهالت على خالد بك برقيّات التأييد بعد هذه المأثرة وكان “ارتياح الناس عظيماً” لهذا الإجراء (ص 47 – 60). الهدف بالطبع منع هجرة رؤوس الأموال السوريّة من قبل من “يصطافون ويقامرون في بيروت” (ص 99) وحماية التاجر السوري. بعبارة ثانية لربّما كان بذار القطيعة بين لبنان وسوريّا فرنسياً ولكن الإنجاز والتكريس عربيّان بامتياز.

نأتي الآن إلى النعوت التي أطلقها خالد بك ذات اليمين وذات اليسار على منافسيه وخصومه السياسييّن:

– رياض الصلح انتهازي وعقليّته عقليّة تاجر لبناني (ص 13).

– شكري القوّتلي داهية يعمل على الإيقاع بين الجميع للإبقاء على زعامته ( ص 181) وجبان يطأطىء الرأس أمام القوّة (ص ٥٠٧). قاوم العظم المحاولات لمصالحته مع القوّتلي مفضّلاً “الفشل وحدي على النجاح بمعيّته”.

– رشدي الكيخيا ليس لديه شهادة كفاءة (ص 241) وهو أيضاً حقود وحسود (ص 333).

– فوزي سلو بسمنته وتفكيره المحدود وكرشه.

– لطفي الحفّار تقاضى معاشاً شهريّاً من العراق قدره ألف ليرة (ص 314).

– صلاح الدين البيطار وضيع النفس فاقد للطموح (ص 315).

– جميل مردم بك وشكري القوّتلي أسوأ مثلين للقادة الذين تسيطر عليهم حاشيتهم (ص 292).

– ميخائيل اليان عميل لنوري السعيد (ص 345).

 ناظم القدسي طيّب القلب ولكنّه ضعيف الإرادة (ص 334).

– هاشم الأتاسي حقد على العظم وأصيب بنوبة هستريا أمام صبري العسلي وتدحرج على أرض الغرفة (ص 401) ولم يجشّم نفسه عناء شكر العظم الذي أنقذ ابنه عدنان من عقوبة الإعدام (ص 498).

– فارس الخوري “صديقي” (ص 296) شخص ضعيف الإرادة (ص 288).

– صبري العسلي وعدنان الأتاسي ومعروف الدواليبي عملاء يبيعون ضمائرهم (ص 281).

– سامي كبارة مخلص لوطنه وطيّب القلب ولكن رأسه لا يستوعب كثيراً (ص 286).

– فيضي الأتاسي وأسياده في العراق (نوري السعيد) ص 330.

انتقد العظم أيضاً مؤسّسة الجيش الذي يرأسه شباب فشلوا في الحصول على شهادة مدرسيّة ممّا حملهم على الالتحاق بالمدرسة العسكريّة في حمص (يبدوا أنّ العامل الماديّ في هذا “الخيار” لم يخطر على بال خالد بك).

مع ذلك أبدى العظم إعجابه بالبعض:

– الحسين بن طلال عاهل الأردن الذي تمنّى لو كان زعيماً للعرب (ص 256) لما هو عليه من القدرة على المناورة والشجاعة (ص 504).

– الملك عبد العزيز آل سعود (ص 260).

– هتلر الذي “حرّر ألمانيا ووجّهها في طريق العلوّ والسؤدد” (ص 326).

باختصار ومع استثناءات محدودة للغاية (أوّلها وأهمّها بالطبع خالد العظم) كانت سوريّا في “الزمن الجميل” محكومة بطغمة من العملاء والخونة والأغبياء والخرفين.

ليس من المستحيل – من ناحية المبدأ – أن يكون القوّتلي جباناً يرمي الفتنة بين خصومه ولا أن يكون هاشم الأتاسي ورشدي الكيخيا حقودين ومن الممكن أن يكون فارس الخوري وناظم القدسي ضعيفيّ الإرادة وأن يكون فلان وعلتان عملاء مأجورين إلى آخر الأسطوانة.

هناك احتمال آخر لتفسير كتابات خالد العظم يثير تساؤلات على مصداقيّة المؤلّف والمنهج الذي اتّبعه. أترك للقارىء تبنّي أو نبذ آراء هذا السياسي المخضرم من خلال مذكّراته التي يمكن تحميلها بالمجّان وفي كلّ الأحوال يمكن لنا على أقلّ تقدير أن نستخلص منها أن “الزمن الجميل” لم يكن جميلاً إلى هذه الدرجة في وقت تقاذف فيه رجالات سوريّا وقادتها الاتّهامات والسباب كما يفعل المراهقون.



 أحداث التاريخ السوري بحسب السنوات


سورية 1900 سورية 1901 سورية 1902 سورية 1903 سورية 1904
سورية 1905 سورية 1906 سورية 1907 سورية 1908 سورية 1909
سورية 1910 سورية 1911 سورية 1912 سورية 1913 سورية 1914
سورية 1915 سورية 1916 سورية 1917 سورية 1918 سورية 1919
سورية 1920 سورية 1921 سورية 1922 سورية 1923 سورية 1924
سورية 1925 سورية 1926 سورية 1927 سورية 1928 سورية 1929
سورية 1930 سورية 1931 سورية 1932 سورية 1933 سورية 1934
سورية 1935 سورية 1936 سورية 1937 سورية 1938 سورية 1939
سورية 1940 سورية 1941 سورية 1942 سورية 1943 سورية 1944
سورية 1945 سورية 1946 سورية 1947 سورية 1948 سورية 1949
سورية 1950 سورية 1951 سورية 1952 سورية 1953 سورية 1954
سورية 1955 سورية 1956 سورية 1957 سورية 1958 سورية 1959
سورية 1960 سورية 1961 سورية 1962 سورية 1963 سورية 1964
سورية 1965 سورية 1966 سورية 1967 سورية 1968 سورية 1969
سورية 1970 سورية 1971 سورية 1972 سورية 1973 سورية 1974
سورية 1975 سورية 1976 سورية 1977 سورية 1978 سورية 1979
سورية 1980 سورية 1981 سورية 1982 سورية 1983 سورية 1984
سورية 1985 سورية 1986 سورية 1987 سورية 1988 سورية 1989
سورية 1990 سورية 1991 سورية 1992 سورية 1993 سورية 1994
سورية 1995 سورية 1996 سورية 1997 سورية 1998 سورية 1999
سورية2000

هيثم قدح

طبيب وكاتب سوري مقيم في الولايات المتّحدة الأمريكيّة منذ عام 1985

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى