بدر الدين تلجبيني – التاريخ السوري المعاصر
في القديم ..وحين تكون السماء ملبدة بالغيوم السوداء فوق جبل برصايا وقرى القسطل ومعرين الى الشمال من مدينة اعزاز يهطل المطر الغزير على الجبل فيشكل سيلاً جارفاً من المياه ينحدر من الجبل ويمر من وسط المدينة فيجرف كل ما يقف في طريقه من بشر وطين وحجر… وهو ما يسمونه (الزوده).
يروي لنا كبار السن عن زودة كبيرة مدمرة حصلت في شتاء عام 1911 ففي ذلك اليوم وبعد حلول الظلام كان المطر طبيعيا في المدينة لكنه كان غزيرا جدا في الشمال على جبل(برصايا) ففوجيء الأهالي يومها بعد الغروب بسيل قوي قادم من الشمال جرف البيوت الطينية الواقعة قريبا من مجرى السيل بما فيها من بشر وأثاث ومواشي ومن ضمن تلك الدور كانت دار (الحلو) التي تقع شرقي السوق مكان دكان سمعو الحلو ( دكان ابو العيس حالياً).
كما وجرفت المياه دارحماّده السيد علي …
ودار والد الحاج محمد حشيش .. وردد اهل البلد عداويات حول ما فعلت الزوده فكانوا يرددون :
(اجت الزوده يا دادو .. وأخدت دار حماّدو)
ويقولون : (أجت الزوده تخش خشيش …وأخدت دار ابو حشيش..)
كما وسحبت المياه الغزيرة دار الحاج حمدو عاشور جد الحاج زكي عاشور وكان من ضحاياها ولده عاشور ومستودع كبير يحوي اعدادا كبيرة من الأغنام ..فلحقت بالحاج حمدو يومها خسارة مادية ومعنوية كبيرة …
كما وسحبت المياه المدعو (محمود حج غازي كركج شقيق الحاج أبو فريد حج غازي ) الذي خرج في ذلك المساء من داره الكائنة شرقي المؤسسة الاستهلاكية ( خان عمر ظريف ) كان ذاهبا الى السهرة يحمل ولده فحاصرته المياه فصعد الى عربة خشبية مركونة في الشارع بقصد النجاة لكن المياه سحبته وولده مع العربة وسارت بهم الى سهل قرية كفر كلبين حيث وجدت جثثهم هناك …
فكانت سنة الزوده عام 1911 محطة لتقدير اعمار الأقدمين من أجدادنا فيسأل أحدهم الآخر : ( شقدعمرك ؟؟ ) فيقول له : بعدسنة الزوده بسنتين 1913 او قبلها بسنة .. 1910 وقاموا بتسمية العديد من البنات في ذلك العام باسم (زوده) ومنهم زوجة الحاج شحود الكوسا رحمهما الله ..
وفي الثلاثينات قام رئيس بلدية اعزاز المرحوم حج هادي بكار بتعميق مجرى نهر اعزاز للحد من أضرار السيل .
وفي عام 1956 حصلت زودة كبيرة داهمت السوق وعلى ارتفاع متر عن الأرض فسحبت ما قدرت عليه من الخضار وأثاث المنازل والدجاج والمواشي والبضائع من الدكاكين ..
فكانت الناس تذهب الى سهل كفر كلبين فتجد هناك معرضاً للبضائع والأدوات المنزليةوالأقمشةوالخضار … وهناك زودة حصلت في اوائل السبعينات حملت من حملته من بضائع السوق وخضاره…
وفي التسعينات حدثت زودة أخرى سحبت أكياس الزيتون من امام معصرة الشركاء ( غسان هدال ـ محمد حمدان كنو ـ فوزي هدال ـ حسين الزكي) على الجسر الشمالي على كتف (نهر اعزاز) ومشت المياه بأكياس الزيتون التي كانت مصفوفة خارج المعصرة ..وسحبتهم حتى حارة جامع الشيخ طاهر وما بعده …وقام أصحاب المعصرة بعد انحسار المياه بتعقب أكياس الزيتون والبحث عنها في الحارة القبلية وجمعوا ما استطاعوا جمعه من الشوارع وفقدوا اكياسا اعتبرها بعض اهل البيوت رزقا هبط عليهم من السماء !!
واليوم وقد أصبح لنهر اعزاز سقف ومصارف ..
وتهيأ الوضع لإستقبال الزوده ولكن اين الزوده ؟؟
اين المطر ..اين الخيرات ..
فقد بات مجرى النهر المسقوف مجمعاً للقوارض والحشرات …
يارب أعد الينا أيام البركات ..والزودة والخيرات ..
مع ما فيها من صعوبات ..
انك كريم مجيب للدعوات