You dont have javascript enabled! Please enable it!
عام

الأتاسيون وثورة حمص عام 1826

التأثيرات الاجتماعية والسياسية للعائلات في سورية العثمانية : آل الأتاسي في العهد العثماني

تولّى “محمد آغا ابن خير الله” حكم حمص عام 1826م، وأوعز إليه والي الشام صالح باشا أن يحصّل ضريبة “الفروة” من أهالي المدينة، الذين استثقلوا تلك الضريبة المستحدثة في وقت كانت فيه النفوس “حانقة ثائرة” لعوامل شتّى من أهمها شدّة المتسلّم المذكور وظلمه و”استباحته الحرمات” [إضافةً إلى إنهاك أهالي المدينة بضرائب الإعانة العسكرية وتقديم الدعم اللوجستي العيني للجيش، ومن المتوقع أن مؤونة الأهالي قد صودرت مصادرةً، كما جرت العادة، ولم يتم مبايعتها كما نصّ فرمان السلطان سليم الثالث، وكذلك مخصصات الدعم العسكري النقدية الضخمة المفروضة على أحمد باشا الجزار عن مقاطعات حمص وحماة، والتي ستؤدي كنتيجة طبيعية إلى زيادة الضغط على الأهالي في فترة قصيرة]، وهذا ما دفع الأهالي إلى الانتفاض في وجه المتسلّم وذهابهم إلى مقرّ المفتي عبدالستار الأتاسي مطالبين بفتوى لقتله، فأفتاهم بذلك، ليتوجّهوا بعدها إلى منزله ويقتلوه في 26 أيار 1826م.

وهذه الحادثة تظهر لنا المفتي عبدالستار بمظهر زعيم شعبي مُطاع، إذ إن ثورات الأهالي عادةً لا تبالي بآراء وقرارات الأعيان، لكن في هذه الحادثة نرى استئذان الأهالي، إن صح التعبير، من المفتي الأتاسي. ومن جهة أخرى نرى تفاعل المفتي مع أهالي المدينة بما يناسب ظروف الحادثة، فلو لم يكن واثقًا بشرعية فتواه، وبمدى دعم الأهالي له، لما أقدم على تلك الفتوى الجريئة[4]، وهذا الحدث هو من الأحداث الهامة التي توضّح لنا طبيعة منصب الإفتاء خلاف الاعتقاد السائد عن كون المفتي شيخًا كبيرًا يكتفي بالجواب على أسئلة العامّة في الأمور الحياتية، بل هو كما تم التوضيح سابقًا، الشخصية المدنية الأولى في مدينة حمص.

بعد هذه الثورة بأربعة أسابيع، وجّه والي الشام صالح باشا، قوة عسكرية إلى حمص بقيادة عزت بك لتأديب الأهالي الثائرين، لكن كتابًا وقع بيد أهالي حمص يوصي فيها الأخير قائد الجند المحلّي بانتهاز فرصة اجتماع الناس للصلاة يوم الجمعة وإطباق الحصار على المسجد لاعتقال كل من له صلة بتلك الثورة، أدّى إلى انتشار النبأ بين الأهالي وقيامهم بعصيان مدني تمثّل بإغلاقهم الأسواق، وعسكري تمثّل بتقلّدهم الأسلحة ومحاصرتهم لمعسكر قائد الحملة العسكرية عزت بك ورجاله لأربعة أيام، ولم ينفك الحصار عن المعسكر إلا بعد تدخّل بعض أعيان المدينة وإقناعهم الثائرين بتركهم، فغادر عزت بك وجنده المدينة بعد انفراج الحصار عنهم، إلا أنه عاد بعد بضعة أيام ومعه قوة عسكرية كبيرة نصبت خيامهم بالقرب من مقام خالد بن الوليد شمال المدينة، وعسكرت قوة أخرى غربي المدينة، وحوصرت حمص 24 يومًا أُطلق عليها 250 قذيفة مدفعية، إلا أن الأهالي بقوا على موقفهم الثائر، واختاروا لقيادتهم العسكرية حسن آغا الباكير الأتاسي، الذي عمد إلى تحصين المواقع الضعيفة من الأسوار وتدريب المقاتلين، ولحسن الحظ فقد صدر أمر سلطاني بعزل الوالي صالح باشا، فرحل عزت بك عن المدينة وانفكّ الحصار عنها، بينما بقي حسن آغا الباكير الأتاسي متسلّمًا لحمص خمسة أشهر، شهدت فيها المدينة صدور فرمان سلطاني يُبطل بموجبه ضريبة “الفروة” التي كانت السبب الرئيسي في قيام ثورة حمص، “فسرّ الناس سرورًا عظيمًا وأقاموا مهرجانات طال أمدها حتى أوائل شهر شباط من العام التالي”.

إن هذه الثورة الشعبية على جور وظلم الولاة، والدور القيادي لآل الأتاسي فيها، توضّح لنا التأثير والنفوذ القوي للعائلة الأتاسية على مستوى مدينة حمص، فبينما ظهر المفتي عبد الستار الأتاسي كمرجعية مدنيّة دينية، برز حسن آغا الباكير الأتاسي كزعيم شعبي عسكري، وأهمية هذا الحدث بالنسبة للمبحث الحالي هو التفاعل المميز لأعيان آل الأتاسي والذي نراه للمرة الأولى مع هذا النوع من القضايا، ومن محور آخر فإن ظهور شخصية قيادية أخرى من العائلة لا تحمل أي صفة أو منصب رسمي، هو نقطة تحول هامة في تاريخ الأسرة والتاريخ الاجتماعي لمدينة حمص، إذ أن ثقل العائلات المحلّية بحمص أصبح يعتمد على النفوذ التراكمي للسلالة وقدرتها الاقتصادية، وقد لا يمكننا الجزم حول وجود النزعة العائلية لآل الأتاسي في تلك الحادثة رغم التزامن بين القيادة المدنية والعسكرية لوجهين من وجوه الأسرة، إلا أن الأحداث التي ستأتي بعد فترة قصيرة ستظهر النزعة العائلية لآل الأتاسي بشكل جليّ وواضح.

المصدر
الأتاسي (فارس)، التأثيرات الاجتماعية والسياسية للعائلات في سورية العثمانية .. آل الأتاسي في العهد العثماني، صـ 208



 أحداث التاريخ السوري بحسب السنوات


سورية 1900 سورية 1901 سورية 1902 سورية 1903 سورية 1904
سورية 1905 سورية 1906 سورية 1907 سورية 1908 سورية 1909
سورية 1910 سورية 1911 سورية 1912 سورية 1913 سورية 1914
سورية 1915 سورية 1916 سورية 1917 سورية 1918 سورية 1919
سورية 1920 سورية 1921 سورية 1922 سورية 1923 سورية 1924
سورية 1925 سورية 1926 سورية 1927 سورية 1928 سورية 1929
سورية 1930 سورية 1931 سورية 1932 سورية 1933 سورية 1934
سورية 1935 سورية 1936 سورية 1937 سورية 1938 سورية 1939
سورية 1940 سورية 1941 سورية 1942 سورية 1943 سورية 1944
سورية 1945 سورية 1946 سورية 1947 سورية 1948 سورية 1949
سورية 1950 سورية 1951 سورية 1952 سورية 1953 سورية 1954
سورية 1955 سورية 1956 سورية 1957 سورية 1958 سورية 1959
سورية 1960 سورية 1961 سورية 1962 سورية 1963 سورية 1964
سورية 1965 سورية 1966 سورية 1967 سورية 1968 سورية 1969
سورية 1970 سورية 1971 سورية 1972 سورية 1973 سورية 1974
سورية 1975 سورية 1976 سورية 1977 سورية 1978 سورية 1979
سورية 1980 سورية 1981 سورية 1982 سورية 1983 سورية 1984
سورية 1985 سورية 1986 سورية 1987 سورية 1988 سورية 1989
سورية 1990 سورية 1991 سورية 1992 سورية 1993 سورية 1994
سورية 1995 سورية 1996 سورية 1997 سورية 1998 سورية 1999
سورية2000

فارس الأتاسي

بكالوريوس في الهندسة المعمارية، باحث وكاتب في التاريخ السوري بالحقبة العثمانية fares.atasizade@gmail.com

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى