من مذكرات أكرم الحوراني –  عودة الحياة الدستورية للبلاد

من مذكرات أكرم الحوراني –  عودة الحياة الدستورية للبلاد:

 بعد انهيار الكتلة الوطنية وانحلالها، وتفرق رجالها، فأصبح كل زعيم منهم يعمل منفرداً في نطاق مدينته وجماعته وعشيرته، ومنذ البداية كانت الحركة الوطنية بحماه منفرده عما سواها من المدن السورية الأخرى بأنها كانت في آن واحد نضالاً سياسياً وتحررياً ضد الاستعمار، ونضالاً إجتماعياً ضد الإقطاعية والعشائرية، وقد كان للطلائع الأولى في حماه، من الشيخ حسن رزق، إلى الدكتور صالح قنباز، إلى الدكتور توفيق الشيشكلي، دور في جعل الحركة الوطنية في هذه المدينة حركة شعبية تختلف عن فروع الكتلة الوطنية في المدن السورية الأخرى.

ثم جاء حزب الشباب والعربي الاشتراكي ليطرح لأول مرة في سورية وفي المنطقة العربية. موضوع تحرير الفلاحين من الإقطاع المادي والسياسي وذلك بالالتحام مع الحركة الشعبية في المدينة ضد طبقة “الذوات” الإقطاعية المسيطرة على الريف والمدينة معاً.

كان الدكتور توفيق الشيشكلي صلة الوصل – بشخصه- بين الحركة الوطنية بحماه والكتلة الوطنية كتجمع سياسي في سورية، رافعاً بذلك نطاق العزلة عنها، ولكن أواصر ارتباط الحركة الشعبية في حماه بمعظم رجالات الكتلة قد أصبحت واهية بعد وفاة الدكتور توفيق، مما سهل التحالف بين حزب الشباب وجماعة لملقي، لاسيما بعد أن حلت الكتلة نفسها بعد انهيارها رسمياً وفعلياً، فقد انطلق شكري القوتلي في معركة الانتخابات بدمشق من هذا القول خلال خطاب له في جامع دنكز:

“يجب أن تعلموا أنه لا حزبية ولا عصبية بعد اليوم، فليس عندنا سوى حزب واحد هو حزب الوطن”

لم يكن بمقدور القوتلي أن يقود البلاد لولا تنصله من الكتلة الوطنية التي أصبحت غير موثوق بها بنظر الجماهير الشعبية.

بعد وفاة الشيخ تاج الدين الحسني رئيس الجمهورية في السابع عشر من كانون الثاني عام 1943، مارست الحكومة البريطانية ضغطاً على “اللجنة الوطنية الفرنسية” في لندن لتعهد إلى مندوبها في سورية المفوض الجنرال كاترو بإعادة الحياة الدستورية التي أعلنت بتاريخ الرابع والعشرين من كانون الثاني عام 1943م.

ولما ظلت حكومة الألشي مستمرة في الحكم بعد وفاة الشيخ تاج أضربت البلاد لأول مرة في فترة الحرب احتجاجاً على استمرار العهد البائد، فاضطر الجنرال كاترو في الخامس والعشرين من آذار عام 1943  لإصدار قرارات تقضي بإعادة تطبيق الدستور السوري، وإقامة حكومة مؤقتة لتشرف على الانتخابات، فانتهى الإضراب، وتألفت الحكومة على الشكل التالي:

عطا الأيوبي لرئاسة الدولة، ورئاسة الحكومة. وزيراً للداخلية والدفاع الوطني مصطفى الشهابي للمالية والاقتصاد والأعاشة نعيم الأنطاكي للعدلية والمعارف والشؤون الاجتماعية.

وقد أوضح الجنرال كاترو الأسباب التي دعته لتشكيل حكومة مؤقتة حيادية لشترف على الانتخابات النيابية بقوله: (يجب ألا تكون للحكومة التي تشرف على الانتخابات صبغة سياسية، وأن تديرها شخصية معروفة بوطنيتها ونزاعتها عن كل تأثير، وباستقامتها وتجردها، وكل هذا ينطبق على معالي عطا بك الأيوبي، هذا ملخص التدابير التي اتخذتها، وهذه هي روحها، وكان من الممكن إيجاد حلول أخرى، منها التفكير في العودة إلى وضعية عام 1939 “أي عودة مجلس 1936 وعودة هاشم الأتاسي رئيساً” ومنها تكليف النظام الحاضر “حكومة الألشي” العودة إلى الحياة الدستورية.

أما الطريقة الأولى، فلو طبقت لكانت شرعية، فإنه بمقتضى الأوضاع الدستورية نفسها، كان من الممكن إرجاع السلطات التي كانت تتولى الحكم سابقاً، غير أن فخامة الرئيس هاشم بك الأتاسي قد رأى عندما استشرته في الأمر، بوجدان يدل على شرف أخلاقه وتجرده، أن من الواجب تجنب هذا الحل، واعتبر أنه قد لا يعبر عن إرادة الشعب التي يجب أن يترك لها ملء الحرية للظهور بواسطة انتخابات مباشرة.

أما تكليف الحكومة الحاضرة “الألشي” مهمة الإشراف على الانتخابات فيمنع ذلك عدم انسجامه مع المبادئ الدستورية.

إنه من الصعب تصور حكومة مؤلفة لتطبيق نظام مطلق الصلاحية، وقد طبقته في الواقع، أن يكون لها الصفة اللازمة لإنجاز العودة إلى النظام الدستوري الديمقراطي”.

 انظر:

 مذكرات أكرم الحوراني

انظر ايضاً:

 من مذكرات أكرم الحوراني (65)- الشهبندر يعارض من منفاه ويدافع عن عروبة لواء الاسكندرون

من مذكرات أكرم الحوراني (66) – تنازلات جميل مردم .. وتراجع فرنسا عن تصديق معاهدة 1936

من مذكرات أكرم الحوراني (67) – التجربة والخطأ في الحزب السوري القومي

من مذكرات أكرم الحوراني (68) – حملة في حماة ضد الحزب السوري القومي

من مذكرات أكرم الحوراني (69) – لبنان والحزب السوري القومي

من مذكرات أكرم الحوراني (70) – التجربة والخطأ

من مذكرات أكرم الحوراني (71) – إنشقاق في صفوف الكتلة الوطنية بحماه

من مذكرات أكرم الحوراني (72) – الشباب في حماه والكتلة الوطنية

من مذكرات أكرم الحوراني (73) – منهاج حزب الشباب

من مذكرات أكرم الحوراني (74) – تكوين حزب الشباب

من مذكرات أكرم الحوراني (75) – صدام مع الكتلة الوطنية.. أول مرة أدخل فيها السجن

من مذكرات أكرم الحوراني (76) – حكومة المديرين

من مذكرات أكرم الحوراني (77) – محاولة اغتيال بهيج الخطيب

من مذكرات أكرم الحوراني (78) – إغتيال الشهيد الشهبندر

من مذكرات أكرم الحوراني (79) – الحرب العالمية الثانية

من مذكرات أكرم الحوراني (80) – شعب سورية يهب لنصرة العراق

من مذكرات أكرم الحوراني (81) – فرقة من مجاهدي حماة تتوجه إلى العراق عام 1941

من مذكرات أكرم الحوراني (82) – فشل الثورة في العراق 1941

من مذكرات أكرم الحوراني (83) – حوار مع ضابط ألماني والتجمع في حلب

من مذكرات أكرم الحوراني (84) – الإنكليز في حماه وتغلغل مخابراتهم في سوريا ولبنان

من مذكرات أكرم الحوراني (85) – عهد الشيخ تاج الدين الحسني

من مذكرات أكرم الحوراني (86) – أزمة اقتصادية خانقة

من مذكرات أكرم الحوراني (87) – ذكرياتي في المحاماة

من مذكرات أكرم الحوراني (88) – انهيار الكتلة الوطنية في عهد الشيخ تاج