You dont have javascript enabled! Please enable it!
وثائق سوريا

كلمة مصطفى السباعي بمناسبة الذكرى السابعة لثورة الجزائر عام 1960

كلمة مصطفى السباعي بمناسبة الذكرى السابعة لثورة الجزائر عام 1960والتي نشرت في مجلة حضارة الإسلام بعنوان: “الثورة التي ستغير مجرى التاريخ”


لم تعرف دنيا العرب والإسلام في عصرنا الحديث، ولا دنيا الشعوب المناضلة في سيل حريتنا واستقلالها، نضالاً أروع ولا أخلد ولا أدهش من نضال شعب الجزائر في سبيل انتزاع حريته واستقلاله من فرنسا أبشع دول الاستعمار حقداً وحماقة ولؤماً وخسة.

إن عهدنا بالثورات – كما حدث في الثورة السورية عام 1925 وكما حدث في غيرها- أن تخف حدتها بعد سنة أو سنتين من نشوبها، ثم تؤول غالباً إلى الفشل تجاه القوى الاستعمارية وأعداد جيوشها وقوة أسلحتها، ثم خبت دسائسها ومكرها للإيقاع بين رجال الثورة بعضهم ببعض، أو بينهم وبين جمهور الشعب الأعزل الذي يؤيد الثورة بقبله ولكنه يعجز عن حمل أعبائها الفادحة من تقتيل وتخريب وتشريد واذلال.

ولكن الثورة الجزائرية التي انطلقت في 1 من تشرين الثاني 1954 ما تزال بعد ست سنوات كاملة، شديدة الأوار، صلبة الإرادة،  منسجمة القيادة، تلف الشعب كله، وتنتقل من نصر عسكري إلى نصر أدبي، حتى دخلت الآن عامها السابع، وقد جعلت من جيوش فرنسا المستعمرة أضحوكة بين الجيوش، ومن قضية الجزائر العادلة حديث الشعوب قاطبة، تنتزع منهم الاعجاب والتأييد، بل تجعل من شعب فرنسا نفسه – وهو الذي ظل ست سنوات يؤيد حكوماتها في أعمال الاجرام والتقتيل والافناء الجماعي- يهب اليوم بمختلف فئاته المفكرة، وطلابه المتحمسين، وعماله الكادحين، ورجال دينه على اختلاف مللهم، ليطالب بإنهاء الحرب الجزائرية، وتخليص الفرنسيين أنفسهم من فظائعها وأهوالها، وأكلها لشبابهم واقتصادهم وكرامتهم وأمجادهم.

فما هو سر هذا النجاح الرائع للجزائريين، والاخفاق المشين للفرنسيين؟

أما اخواننا الجزائريون فهم من أمة سجلت أسفاراً من البطولات الخالدة منذ انبثق فجر الإسلام حتى عصرنا الحاضر، وماداموا عرباً مسلمين يدافعون عن حقهم في الكرامة والسيادة، ولا سلطان على ضمائرهم ولا موجع لأفكارهم وارادتهم الا الإسلام، فلن ينتظر منهم العالم الا هذه البطولات التي تكاد تلحق ببطولات الصدر الأول من أبناء الإسلام، والتي استطاعوا بها أن يغيروا وجه التاريخ.

أما المستعمرون الفرنسيون فهم كانوا يوماً ما أقوى دولة برية في أوربا، ثم انحدروا إلى أن أصبحوا في الحرب العالمية الثانية ينفردون من بين جميع الدول التي اشتركت في تلك  الحرب، بأنهم لم يستطيعوا تسجيل صفحة من صفحات الشرف والبطولة والرجولة، ولم يستطيعوا أن ينهضوا الا على أقدام حلفائهم، ومن هنا ركبهم هذا النقص المخجل، وخيل لرجالهم العسكريون المنهزمين في ميادين الدفاع عن وطنهم وشرف أمتهم يستطيعون أن يسترجعوا بعض ما كان لهم من سمعة عسكرية تمتعوا بها فترة قصيرة من الزمن، بإظهار البطش والجبروت الوحشي في صراعهم مع الشعوب التي عاقبها الله بالخضوع لحكمهم على ما فرطوا في جنب الله من اعداد واستعداد وظن هؤلاء العسكريون انهم يستطيعون بواسطة حلفائهم مرة أخرى أن تظل لهم امبراطورية، وأن تبقى لهم مستعمرات.

ولكن هيهات هيهات! إن الأمة التي حكمن على نفسها بأعمال أبنائها أن تنهار وتزول، لا يمكن لنفر مغرورين منتفخين بأوهام المجد الزائل ولو ساندتهم أقوى دول الأرض أن يوقفوا سقوطها، أو يردوا اليها الروح، بعد أن استسلمت للموت في ميادين الشرف خاسئة ذليلة كما فعلوا في الحربين العالميتين.

والتحليل النفسي الدقيق للشعب الفرنسي يثبت أنهم مازالوا يحملون في طوايا نفوسهم ما كان يحمله آباؤهم في الحروب الصليبية من حقد على العرب وكره للإسلام، وقد كانوا يومئذ من أشد الجيوش الصليبية تكالباً على احتلال بلادنا والسيطرة عليها، ومن أشد الصليبيين وحشية وغدراً ونكثاً بالعهود، وابتعاداً عن روح المسيحية السمحة التي كانوا يحملون شعاراتها غشاَ وتضليلاً، واستغلالاً للدين في سبيل الجشع والعدوان وانتهاب أموال الشعوب وتبديل آمنها قلقاً وسعادتها شقاءاً، وعمرانها خراباً.

وبذلك كان الرئيس جمال عبد الناصر على حق حين أعلن في خطابه التاريخي بمناسبة أسبوع الجزائر أن احتلال فرنسا للجزائر واستمرارها في الحرب العدوانية ضد شعب الجزائر، انما هو استمرار للحروب الصليبية الاستعمارية التي شنها الغربيون علينا ظلماً في القرون الوسطى، ومازالوا مستمرين فيها حتى اليوم.

إني أعتقد أن الله أدخر لشعب الجزائر العربي المسلم من الشرف الخالد مالم يكتب مثله لشعب عربي أو مسلم في عصورنا الأخيرة، وهو القضاء على دولة باغية فاجرة عرف تاريخها العسكري منذ أصبحت دولة لها وزن وشأن، بالغدر والخسة والظلم والتنكر لكل القيم والمبادئ الإنسانية. ولا شك عندنا في أن الخير كل الخير للعرب والمسلمين أن تزول مثل الدولة الحقودة على العرب والمسلمين كدولة ذات قوة وسلطان، أن الخير للعالم الإنساني كله أن تزول مثل هذه الدولة كدولة استعمارية لا تعيش الا على البغي والعدوان اللصوصية وانكار الجميل. فوجودها قوية انما هو عودة بالإنسانية إلى عصور الهمجية والحروب والمنازعات، وبقاؤها دولة من الدول الكبرى تأخير للإنسانية عن الوصول إلى عهد تسيطر فيه المثل العليا، ويعيش فيه الناس بأمن وسلام.

ودليلنا على ذلك أن أكثر الدول الاستعمارية بدأت تفكر – مكرهة- بالتخلي عن فكرة “الامبراطوريات” وتتظاهر – ولو خداعاً – باعترافها بحق الشعوب المستعمرة في استقلالها وإدارة شؤونها بنفسها، إلا فرنسا فما زالت تفكر بعقلية القرنين الثامن عشر والتاسع عشر الذين كانا العصر الذهبي للامبراطوريات الاستعمارية وأحلامها وجرائمها.

أما بعد فقد شاء الله أن تعود الفضائل العربية الإسلامية إلى الظهور بعد أن غابت عن مسرح الحياة بضعة قرون، وليست البطولات الجزائرية التي سطرتها الثورة الجزائرية القائمة الا عنواناً لظهور هذه الفضائل، وايذاناً بعودة شعبنا إلى حمل رسالته التحريرية الكبرى التي حملها أول مرة للعالم منذ أربعة عشر قرناً، ويومئذ يتغير وجه التاريخ وتتبدل معالم الطريق كما فعلت وثبتنا الأولى.

ولو أننا نحن العرب والمسلمين قدرنا حق التقدير الدور التاريخي الحضاري الذي يقوم به شعب الجزائر، واعتبرناه المرابط في خط النار الأول دفاعاً عن حرماتنا ومقدساتنا وعن المثل الانسانية العليا التي تؤمن بها، واعتبرنا معركته مع فرنسا معركة العودة إلى أداء رسالتنا الإنسانية إلى العالم كله، لاستطعنا أن نتمتع بالفجر المشرق منذ سنتين وأن نخلص الإنسانية من أكبر عوامل الشرور والحروب التي تهددها بالإنقراض والدمار.

وما يزال أمامنا متسع لتدارك الأمر، وتقريب يوم النصر، بأخذنا نصيبنا كاملاً من دماء المعركة الدائرة في الجزائر ومن ضحاياها وشهدائها، ونفقاتها ودمارها بل من شرفها وخلودها وربحها وعملها الإنشائي العظيم، فهل نحن فاعلون؟(1).


(1) مجلة حضارة الإسلام، العددان الخامس والسادس، تشرين الثاني – كانون الأول 1960م.



 أحداث التاريخ السوري بحسب السنوات


سورية 1900 سورية 1901 سورية 1902 سورية 1903 سورية 1904
سورية 1905 سورية 1906 سورية 1907 سورية 1908 سورية 1909
سورية 1910 سورية 1911 سورية 1912 سورية 1913 سورية 1914
سورية 1915 سورية 1916 سورية 1917 سورية 1918 سورية 1919
سورية 1920 سورية 1921 سورية 1922 سورية 1923 سورية 1924
سورية 1925 سورية 1926 سورية 1927 سورية 1928 سورية 1929
سورية 1930 سورية 1931 سورية 1932 سورية 1933 سورية 1934
سورية 1935 سورية 1936 سورية 1937 سورية 1938 سورية 1939
سورية 1940 سورية 1941 سورية 1942 سورية 1943 سورية 1944
سورية 1945 سورية 1946 سورية 1947 سورية 1948 سورية 1949
سورية 1950 سورية 1951 سورية 1952 سورية 1953 سورية 1954
سورية 1955 سورية 1956 سورية 1957 سورية 1958 سورية 1959
سورية 1960 سورية 1961 سورية 1962 سورية 1963 سورية 1964
سورية 1965 سورية 1966 سورية 1967 سورية 1968 سورية 1969
سورية 1970 سورية 1971 سورية 1972 سورية 1973 سورية 1974
سورية 1975 سورية 1976 سورية 1977 سورية 1978 سورية 1979
سورية 1980 سورية 1981 سورية 1982 سورية 1983 سورية 1984
سورية 1985 سورية 1986 سورية 1987 سورية 1988 سورية 1989
سورية 1990 سورية 1991 سورية 1992 سورية 1993 سورية 1994
سورية 1995 سورية 1996 سورية 1997 سورية 1998 سورية 1999
سورية2000

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى