شهادات ومذكرات
نقل عملي الى حماة .. من مذكرات محمد حسن بوكا (29)
نقل عملي الى حماة .. من مذكرات محمد حسن بوكا (29)
في السابع عشر من تشرين الأول عام 1953 تم نقلي الى حماه نظرا لنشوب خلاف بين مدير المنطقة الوسطى للهاتف التى كانت تضم حمص وحماه مع موظف من حمص وأخر من حماه نقل هذين الموظفين الى مناطق أخرى ؛ اختارتني الادارة لأحل عوضاً عن أحدهم في حماه ، حاولت التوسط لبقائي بالنبك حيث كنت مرتاحاً فلم أوفق .
اسـتلمت العمل بمدينة حماه كرئيس لقسم المواصلات الخارجية ، وسـكنت أنا وزوجتي وابني حسان في الاستراحة المخصصة للمؤسسة .
وفي أول يوم لوصولي آتى الى مكتبي مدير البريد ومدير الحركة ورئيس ديوان البريد الذى كان يعمل بالاضافة الى عمله مراسلاً لصحيفة العاصي الحموية لتهنئتي بالوصول كما هو الواجب .
طلبت من زوجتي تحضير القهوة وبدؤوا الحديث بالتعليق على نقل الموظف الذى كان يشغل مكاني بالهمز واللمز وبأنهم أقوياء ويجب التعاون معهم كأصحاب نفوذ ، اسـتمعت اليهم بكل اهتمام ولمّا لمحوا في الكلام بأن مدراءهم في دمشق أقوى من مديري الذي لايستطيع الدفاع عن موظفيه ، توقفتهم عن التهديد الخفيّ ….وطلبت من زوجتي هاتفياً بأن لالزوم للقهوة ، وقلت لهم : شكراً وصلت الرسالة .
فما كان من مدير الحركة إلا أن وقف وبدأ يقبلني ويعتذرمني وبأن الحديث ليست الغاية منه التهديد ، وأنني فهمت الموضوع خطاً ، واعتذر الجميع وشربوا القهوة وانصرفوا . ولما خرجوا من المكتب سـمعهم أحد الموظفين يقولون : العمى هادا أصعب من سابقه ، الله يعيننا عليه .
وبما أن مدير البريد يسكن أيضا بنفس المبنى فجرى بيننا زيارات عائلية ولكن لا يزال المدير يطمح بأن يسيطر عليّ وعلى موظفي الهاتف وحصل عدة خلافات بسـيطة .
في يوم من الأيام كنت في دمشق بدون إذن رسمى ، وعندها ورد تعويض الإختصاص الى مدير البريد لتوزيعه على الفنيين ، فقام بتوزيعه على الموظفين واعاد تعويضي الى الادارة بدمشق بحجة أنني في دمشق بدون إذن رسمي وكأنها شكوى بشكل غير مباشر .
عدت مساءً الى المؤسسة واخبرني زميلي رئيس المقاسم بما حصل .
وفي صباح اليوم التالي دخلت غرفة مدير البريد وكان لوحده ..
فقلت له : أين تعويض الاختصاص تبعي ؟ قال : لقد اعدته الى دمشق لأنك لم تكن هنا .
فقلت : كان بإمكانك الاحتفاظ به لليوم التالي . قال : ما بعرف .
قلت له : كيف مابتعرف أنت حمار؟ !!.
فوقف محاولاً سـبّي .
فضربته على وجهه بمسطرة كانت أمامه وتركتها على الطاولة فوراً .
وعندها سمع الآذن صوت مديرالبريد وهو يشـتم ويسـب ، فدخل الغرفة ووجد المدير واقفا وينهال عليّ بالشـتائم وأنا لم اتفوه بكلمة كي لا أدان بأي عمل عليه شهود .
عدتُ الى صالة الأجهزة لأسمع شكواه ضدى على الهاتف لأنني أعلم بأنه سـيتصل بمديره والادارة بدمشق ليشـكيني اليهم.
وبالفعل طلب مدير البريد بدمشق وقص له ماكان وهدأه وقال له : سأقوم بالواجب .
وسأله : لكن لماذا فعل ذلك ؟! . فقال : لا أعلم ؟ .
ثم اتصل بمدير الهندسة وشكى له ماحدث …..
وقال له : إن زوجته طلبت من زوجتي اسـتعارة الغسالة فرفضت ، فقام هو كرد فعل بذلك
وكذلك اتصل مع المدير العام واخبره بأنه سيستدعى الشرطة .
فقال المدير العام : لا تفعل ..
ولما لم يجد الإهتمام الكافي من الإدارة لجأ الى مايلي :
كان رئيس ديوان البريد يعمل في كتابة مقالات بجريدة العاصي وكانت له علاقة مع آمر موقع حماه العسكري ، فاتفق مدير البريد وآمر الموقع ورئيس الحركة ورئيس الديوان بالإنتقام مني بكتابة مقال في جريدة العاصي يشرح فيها تسريب بعض المخابرات السرية والخاصة بين مسؤولين في حماه مع المسؤولين في دمشق .
لم يبلغني هذا المقال و لم أقرأ عنه ، فعند الساعة الثانية ظهراً من يوم الخميس آتى مساعد بالشرطة العسكرية وطلب مني الذهاب معه الى آمر موقع حماه فظننت بأنه يريد طلبي لأمر يتعلق بخطوط الجيش أو أي أمور اخرى .
وعند وصولي الى مبنى الشرطة العسكرية ادخلني الى غرفة مستودع الأثاث فيها طاولات وكراسي ومدفئة قديمة واقفل الباب وذهب .
وأنا لا أعلم سبب ذلك ، وبعد دقائق صرخ عليّ أحد الموظفين ورمى ليّ جريدة العاصي محاطاً المقال بخط أحمر لأهميته .
قرأته وعرفت القصد ، فطلبت منه الإتصال بوالدي بدمشق وبمديرالهندسة وإعلامه بما يجرى .
في هذه الأثناء كان موظف قسم الكوابل بالمؤسسة يجمع أصدقائه في حديقة منزله ويحتسون الخمرة . فذهب اليه جميع المتأمرين مع آمر الموقع وبقوا هناك يتابعون الوضع ، فلقد كان ينوى آمر الموقع أن يتركني الى صباح يوم السبت تأديباً .
لكن موظف المواصلات اتصل بوالدي وبالمحافظ وبمدير الهندسة شارحاً له خطر توقيفي لأنه اذا توقفت الأجهزة عن العمل بأى عطل لا يوجد من ينوب عني باصلاحها وهكذا تأزم الموقف أكثر .
فقام والدي بالاتصال بصديقه العقيد/ محمود شوكت الذى كان آمر المنطقة الوسطى وأعلمه بالحادثة . فحاول الإتصال بآمر موقع حماه فلم يوفق وكان يتهرب بالرد عليه ، فهدده بارسال قوة الى حماه والبحث عنه .
فعندها شعر آمر موقع حماة بخطورة ذلك فاخرجني على الفور وكان ذلك الساعة السابعة مساءً .
وعند عودتي الى المنزل الذى كان بنفس المبنى صرخ ابن مدير البريد على والدته وقال لها : جاء حسن . فأطلت عليّ من النافذة فشـتمتها بما تسـتحق ولم تكن امرأة محترمة .
وعند دخولى صالة الأجهزة وجدت مدير البريد وابن عمه مدير الشرطة المدنية في الصالة وأغطية أجهزة الاتصالات مفتوحه وموضوعة على الأرض فتجاهلت مدير الشرطة واتجهت الى مدير البريد طالباً منه الخروج من الصالة فوراً بعد أن كلت له مايستحق من الشـتائم ، وسـمعت مدير الشرطة يقول له أخرج هذا مجنون .
اتصلت بوالدي بدمشق لأطمأنه عليّ ، واخبرني بأنه يجب عليّ غداً أن أذهب الى حمص لمقابلة قائد المنطقة الوسطى العقيد/ محمود شوكت بناءاً على طلبه .
وكذلك اتصلت بمدير الادارة الهندسية وشرحت له الموضوع فطلب مقابلتي بدمشق .
وفعلا في اليوم التالي زرت قائد المنطقة الوسطى بحمص وشرحت له الموضوع ، وقرأ المقال الذى لم يذكر فيه اسمى لا من قريب ولا من بعيد .
فأدرك المؤامرة وطلب العودة الى عملي وهو سيقوم بعمل الواجب .
ثم سافرت الى دمشق لمقابلة مدير الهندسة والمدير العام وطلبت منهما نقلي من حماه لأنني لسـت آمناً على حياتي ، فاتصل المدير العام بالعقيد /عدنان المالكى معاون رئيس الأركان وأعلمه بالحادث فطلب مني العقيد /عدنان العودة الى حماه والاتصال به مباشرة على رقمه الخاص إذا حدث أي شي قد يزعجني ، وكان ذلك بعهد الرئيس / أديب الشيشكلي ، ووعدني المدير العام ارسال مفتـش للتحقيق بذلك .
عدت الى حماه وأنا مرفوع الرأس وأقول بنفسي زهوا (يا أرض اشـتدى ما حدى قدى)
وبعد عدة أيام حضر مفتش من المؤسسة وبدأ التحقيق مع مدير البريد وسماع الشـهود من الموظفين وبقية المتآمرين ، واستغرق ذلك يومين وتركني الى الآخير ولا أعرف السبب ، ثم دعاني اليه وبعد السـلام اعطاني ورقة وقلم عليها سؤال : أذكر لي عما حدث بينك وبين مدير البريد ؟
وكنت على علم بأن هذا المفتش له علاقة قوية مع مدير البريد ولايريد أن يضر به أو أن يعمل ضده ، كما أنه خبيث جداً لايؤمن جانبه ، فقلت له : لماذا السؤال والجواب ، أنا أعلم بأنك سـتلقي بالمسؤولية عليّ وتطلب معاقبتي أو نقلي الى موقع أخر، فكل هذا لا يهمني أي موقع أفضل من حماه والعقوبة محمولة حتى ولو كانت قطع الراتب لمدة سـنة
قال ماذا تعني ؟ قلت لا أريد أن أكتب أيّ افادة ، واكتب أنت مايروق لك وكفى المؤمنين شّر القتال . وكنت على علم بأن كافة الموظفين بحماه قد وقفوا بجانبي بكل جرأة وحماس حيث كانت تربطني بهم علاقة طيبة وحسنة .
فقال لي : ياحسن أنت تعرفني جيداً ، ولست أنا الذي يعود الى دمشق قائلاً لم أسـتطع الحصول على افادة موظف ، لذلك لن أعود قبل أن أخذ افادتك .
وبعد حوار طويل وأقسم لي بأنه استوعب كامل الخلاف ووعدني بأنه لايكتب أى شيء يضرني . فأخذت الورقة وطلبت منه املائي الإجابة . فأملاني إياها ، ووعدني بأنه سيطلعني على التقرير قبل تقديمه للإدارة .
وبعد حوالى أسبوع اتصل بي صديق من دمشق وأعلمني بأن التقرير قد أنجز فإذا أردت أن تقرأه فهو عندى . وبالفعل سافرت ليلاً الى دمشق وقرأت التقرير الذى كان لمصلحتي وفيه طلب المفتش نقل رئيس ديوان البريد ومدير البريد من حماه ، ولم يوقع عليّ أي عقوبه .
بعد قضاء سنة ونصف في حماه وبناءً على طلبي نُقلت الى دمشق في 5/2/1955 .
وبعدها تم فصل مؤسسة البريد عن الهاتف وسميت المؤسسة العامة للمواصلات السلكية واللاسلكية .
انظر:
تعريف .. من مذكرات محمد حسن بوكا (1)
مرحلة الطفولة .. من مذكرات محمد حسن بوكا (2)
التاجر الصغير .. من مذكرات محمد حسن بوكا (3)
مجيد الفوال .. من مذكرات محمد حسن بوكا (4)
المرحلة الابتدائية .. من مذكرات محمد حسن بوكا (5)
مرحلة الشباب .. من مذكرات محمد حسن بوكا (6)
العرفان بالجميل .. من مذكرات محمد حسن بوكا (7)
التلميذ المدلل .. من مذكرات محمد حسن بوكا (8)
مقابلة الشيخ تاج الدين الحسني .. من مذكرات محمد حسن بوكا (9)
مرضي بذات الجنب .. من مذكرات محمد حسن بوكا (10)
الحياة العائلية ما بين 1940- 1950 .. من مذكرات محمد حسن بوكا (11)
رهان مقبوضة .. من مذكرات محمد حسن بوكا (12)
البطل الكردي أحمد البارافي .. من مذكرات محمد حسن بوكا (13)
النضال الوطني .. فترة المطالبة بالجلاء.. من مذكرات محمد حسن بوكا (14)
إلقاء القنبلة على هيئة الأركان الفرنسية.. من مذكرات محمد حسن بوكا (15)
مقابلة فارس الخوري .. من مذكرات محمد حسن بوكا (16)
هجوم الفرنسيين على المجلس النيابي .. من مذكرات محمد حسن بوكا (17)
وقف الاعتداء الفرنسي 1945 .. من مذكرات محمد حسن بوكا (18)
دراستي في مصر .. من مذكرات محمد حسن بوكا (19)
عيد الجلاء .. من مذكرات محمد حسن بوكا (20)
مستشفى بحنس .. من مذكرات محمد حسن بوكا (21)
بداية حياتي العملية .. من مذكرات محمد حسن بوكا (22)
إيفادي الى مصر .. من مذكرات محمد حسن بوكا (23)
افتتاح الهاتف الآلي بدمشق .. من مذكرات محمد حسن بوكا (24)
شريكة حياتي .. من مذكرات محمد حسن بوكا (25)
مقاطعة الاستفتاء .. من مذكرات محمد حسن بوكا (26)
منعطف الموت .. من مذكرات محمد حسن بوكا (27)
عزة وشجاعة .. من مذكرات محمد حسن بوكا (28)