شهادات ومذكرات
عزة وشجاعة .. من مذكرات محمد حسن بوكا (28)
عزة وشجاعة .. من مذكرات محمد حسن بوكا (28)
كان في مركز البريد والهاتف بالنبك خمسة موظفين لإدارة البريد وسبعة موظفين للهاتف وكنت أنا المسؤول عن شبكات الهاتف الآلي والاتصالات الخارجية ، والمسؤول عن البريد / رزق الله حارس ، وكانت العلاقة غير واضحة فيما بيننا حيث أن مؤسسة المواصلات السلكية واللاسلكية كانت قبل عام 1949 تسمى مديرية البريد والبرق والهاتف ، وقوة البريد أقوى من الهاتف حيث تغطى معظم المدن والقرى السورية ، أما الهاتف فكان نفوذه ضعيفاً ، ومن ذلك فكان مدير البريد يعد نفسه هو الأقوى إداريا والسلطة بيده ، ولكن بعد انشاء شبكة الهاتف الآلى والاتصالات الخارجية عام 1948 قويت مصلحة الهاتف على حساب مصلحة البريد ، وهنا بدأت تصارع السلطة ولا سيما أنها كانت غير موضحة بالقانون وبالنظام الداخلي ، بدأ مدير البريد يبسط سلطتة عليّ ومحاولة نسـب جميع الأعمال بالمركز لشـخصه وكنت أرفض ذلك واتصل بالإدارة الهندسية بدمشق مباشرة دون الرجوع اليه ، وهذا ما آلمه وبدأ يكتب بحقى تقارير الى مدير البريد بدمشق ، وفي أحدى المرات عند مراجعتي لإدارتي بدمشق وجدت بالصدفة كتاباً موجهاً ضدي من مدير البريد الى المديرية العامة يقول فيها :
إن السيد / محمد حسن بوكا موظف مغرور مفطور على الدس والإفتراء وأنه نمّ بي مرارا ….الخ
صورت هذا الخطاب واقمت دعوى قضائية في محكمة النبك على مدير البريد بالبنك بسبب الافتراءات والقذف والسـب ليّ …
ولمّا علم بذلك جنّ جنونه وبدأ يكتب الى المدير العام ومديره المباشر بدمشق ويشحذهم عليّ
وفي يوم من الأيام أخبرني مأمور الهاتف بالنبك بأن المدير العام / فؤاد الحلبي ، ومدير البريد / يوسف كناني ، ومدير الهندسة / صلاح فرعون يتناولون طعام الإفطار بالمنشية بالنبك برفقة مدير البريد ، وبعدها بحوالي ساعة وقفت سيارة الإدارة أمام باب المركز ونزلوا منها .
وبادرني مدير البريد / يوسف الكناني فور دخوله بسؤاله :
أين الحارس ؟ لماذا لم يقف أمام الباب ؟ ! , فأجبته بأنه ليس لدينا حارس ، وإنما لدينا آذن فقط يقوم بتنظيف البناء ، وعادة يكون الباب مغلقاً لأننا لانسـتقبل مراجعين .
وعند صعوده السـلم الى المكتب لمح بأن الحديقة مزروعة ثوماً ومساحتها حوالى 600 مترمربع فسألنى لماذا تزرعون الثوم بل يجب أن تزرعوها ورود وأزهار .
فرددت عليه قائلا : سيدى لقد كتبنا الى المديرية بتفويضنا بشراء أزهار وأشجار زينة ففوضتمونا بصرف مائة ليرة لهذه الغاية ، وصُرفت بما ترونه على المدخل الرئيسي فقط ، وإن زراعة الورود والأزهار في الحديقة الخلفية يكلف الفي ليرة . وإذا تركناها بدون زراعة فإن الغبار والأتربة تدخل الى غرف الأجهزة وتضر بها ، فشـاركنا موظفي المركز بزراعتها والإسـتفادة من المحصول . فسكت ولم يبد أى ردّ .
ولما دخلنا الى غرفة المكتب جلس المدير العام على مكتبي وجلس الباقون على الكراسي ولم يبق لي مكان فخرجت لأجلب لي كرسياً فبادرني المدير العام بالسؤال ليجبرني على الوقوف أمامه : أنت أقمت دعوى على مدير البريد بالنبك ؟
فأجبيته : نعم .
فقال : ولماذا تقيم الدعوى ؟
فأجبته بأن الكتاب موضوع الدعوى قد مرّ على أكثر من مدير ولا أحد منهم رده اليه ، ولايجوز الذم والقدح بموظفي الحكومة أثناء العمل .
فقال لي المدير العام : ومن أنت حتى تقيم الدعوى ضده ..أنت ابن رسول الله ؟
وهنا ثارت ثائرتي وفُرض عليّ أن انتصر لنفسي مهما كانت النتائج .
فقلت وبصوت عال : أنا أشرف منه ، فانا لا أسـرق ولا أنهب ولا أعتدى على الموظفين ولا أطلب هدايا من الناس . قذفت هذه الكلمات وأنا انظر الى مدير البريد أعنيه .
فسمع الموظفون في المركز صوتنا العالي ووقفوا أمام باب المكتب يشاهدون مايحدث ، وزوجتي خلف باب الدار الملاصق الى المكتب تسـتمع الى مايدور .
والتفت الى اللجنة التي حضرت من دمشق وقلت لهم : ماهذا ؟ إذا كان مدير البريد قد أفطركم فإني على اسـتعداد لأن أغديكم .
وهنا هبّ مديري المباشر مدير الهندسة / صلاح فرعون وأغلق فمي وحاول اخراجي من الغرفة .
ورد عليّ المدير العام أثناء خروجي : إذا لم يعجبك هذا فاترك العمل .
فقلت : إن هذه المديرية ليست مزرعة لك ، ولكني سأترك العمل الأن .
ودخلتُ على زوجتي لأجمع ملابسي وأترك المركز ، ولكن مدير الهندسة هدأني وتدارك الموقف وأعاد ادخالي الى المكتب وتأزم الموقف وتغيرت لهجات الجميع خوفاً من أن أترك العمل فتتعطل أجهزة الاتصال بين المحافظات ولا بديل عنيّ في العمل ، وبدأ المدير العام بتوبيخ مدير بريد النبك وطلب منه أن يقف ويعتذر مني . وهم يشـيدون بعملي وكفاءتي بالقسـم .
وبعد قليل ، قال المدير العام : إن مدير البريد بالنبك آتي الأن لزيارتك والإعتذار فالمفروض أن تسقط الدعوى وتزوره في مكتبه ، وكنت آنذاك مضطرباً وجمسي يرتجف وصوتي ملجلج ، ولم أقدم أي تنازل ولم أعط لهم أي وعود ، وانتهى اللقاء وخرجوا متجهين الى مدينة حمص .
في اليوم التالي كان موعد الجلسة في المحكمة وذهب مدير البريد على أمل أن اسـقط الدعوى لكنه فؤجىء بأننى لم أفعل ، فطلبني بالهاتف يريد منى انهاء الموقف .
فقلت له : بأننى لست أنوى الأن ، والإدارة حاليا هي الخصم .
وبعد عدة محاولات ووساطات من موظفي المقسم ذهبت واسقطت الدعوى وبقى كل منا بعمله دون أن يتدخل بعمل الآخر وكف مدير البريد عن الدس والتشهير .
انظر:
تعريف .. من مذكرات محمد حسن بوكا (1)
مرحلة الطفولة .. من مذكرات محمد حسن بوكا (2)
التاجر الصغير .. من مذكرات محمد حسن بوكا (3)
مجيد الفوال .. من مذكرات محمد حسن بوكا (4)
المرحلة الابتدائية .. من مذكرات محمد حسن بوكا (5)
مرحلة الشباب .. من مذكرات محمد حسن بوكا (6)
العرفان بالجميل .. من مذكرات محمد حسن بوكا (7)
التلميذ المدلل .. من مذكرات محمد حسن بوكا (8)
مقابلة الشيخ تاج الدين الحسني .. من مذكرات محمد حسن بوكا (9)
مرضي بذات الجنب .. من مذكرات محمد حسن بوكا (10)
الحياة العائلية ما بين 1940- 1950 .. من مذكرات محمد حسن بوكا (11)
رهان مقبوضة .. من مذكرات محمد حسن بوكا (12)
البطل الكردي أحمد البارافي .. من مذكرات محمد حسن بوكا (13)
النضال الوطني .. فترة المطالبة بالجلاء.. من مذكرات محمد حسن بوكا (14)
إلقاء القنبلة على هيئة الأركان الفرنسية.. من مذكرات محمد حسن بوكا (15)
مقابلة فارس الخوري .. من مذكرات محمد حسن بوكا (16)
هجوم الفرنسيين على المجلس النيابي .. من مذكرات محمد حسن بوكا (17)
وقف الاعتداء الفرنسي 1945 .. من مذكرات محمد حسن بوكا (18)
دراستي في مصر .. من مذكرات محمد حسن بوكا (19)
عيد الجلاء .. من مذكرات محمد حسن بوكا (20)
مستشفى بحنس .. من مذكرات محمد حسن بوكا (21)
بداية حياتي العملية .. من مذكرات محمد حسن بوكا (22)
إيفادي الى مصر .. من مذكرات محمد حسن بوكا (23)
افتتاح الهاتف الآلي بدمشق .. من مذكرات محمد حسن بوكا (24)
شريكة حياتي .. من مذكرات محمد حسن بوكا (25)
مقاطعة الاستفتاء .. من مذكرات محمد حسن بوكا (26)