شهادات ومذكرات
هجوم الفرنسيين على المجلس النيابي .. من مذكرات محمد حسن بوكا (17)
هجوم الفرنسيين على المجلس النيابي .. من مذكرات محمد حسن بوكا (17)
في شهر نيسان من عام 1945 كان من المقرر اجتماع النواب في المجلس النيابي في الساعة الخامسة مساءً لعقد جلسة برئاسة سعد الله الجابرى ، وكان هرانت بك مانوليان قائدا للدرك قد علم بنية الفرنسيين المبيتة فأبلغ رئيس المجلس بذلك ، وتم تأجيل الإجتماع حرصاً على حياة نواب ممثليّ الشعب.
وكانت حامية المجلس مؤلفة من أربعين عنصر من عناصر الدرك ، وبالفعل هاجم العسكر السنغال التابعين للجيش الفرنسي البرلمان بالرشاشات والقنابل بقيادة ضباط فرنسيين وحطموا الأبواب والنوافذ وقتلوا جميع عناصر الدرك ، ومثلوا بجثثهم . وبعضهم كانوا من فريق كرة السلة بالدرك رحمهم الله .
أثناء هجوم الفرنسيين على مجلس النواب يوم 29/5/1945 كنت موجودا وقتها في ساحة المرجة حيث كنت متطوعا في الدرك مثلي مثل كثيرا من طلاب المدراس والجامعات بقيادة المناضل فخري البارودى .
فقررت الالتحاق فوراً بالقلعة لأقوم بواجبي . فوجدت أحد أفراد الدرك يقود دراجة نارية مجهزة بكبينة اضافية علمت منه أنه متوجهاً الى القلعة فرافقته ، وكان من الصعب دخول القلعة من الباب الرئيسي حيث كان العسكر الفرنسي محاصراً لها ، فقررنا الاتجاه الى باب القلعة من الجهة الشمالية من سوق العصرونية .
وعند محاولتنا الاتجاه الى العصرونية من جهة باب شرقي قابلنا ملازم من الدرك وأعلمنا بأن نبلغ هرانت بك مانوليان قائد الدرك بالقلعة عن تحرك بعض القوات الموجودة بأمرة الفرنسيين .
توجّب علينا الآن الوصول الى القلعة لتبليغ الرسالة مهما كلف الأمر ، وصلنا الى باب القلعة الخلفي فرفض رجال الحرس فتح البوابة . وعندها مرت سيارة فطلبنا منه ايصالنا الى القلعة عن طريق سوق الحميدية وكانت السيارة أفضل من الدراجة التى تحدث ضجيجاً عالياً ، ودخلنا حيّ المسكية وما أن وصلنا الى منتصف السوق حتى اكتشف الفرنسيين أمرنا وبدأ وابل من النيران علينا من كل صوب وحدب ونحن نخفض روؤسنا تفادياً لاصابتنا بطلقات نارية ، الى أن وصلنا سوق الخجا وكان مغلقاً باسلاك شـائكة ، ووصلنا الى باب القلعة وسألنا رئيس الحرس عن سبب دخولنا لمقابلة قائد الدرك ، فاعلمناه بأننا لدينا رسالة هامة نريد توصيلها اليه فأذن لنا بالدخول ، اتجهت فوراً الى غرفة مدير الدرك فوجدت هرانت بك مصاب بصدره وممسك به فخري البارودي لاسعافه ويطلب من الجميع اخلاء القلعة حيث أن القصف ينهال من كل جانب ابلغته عن هجوم الفرنسيين على البرلمان ومافعلوه وقد علم بذلك ، وبحلول المغرب كان الطيران يحلق فوق روؤسنا ويرمى بالصواريخ المضيئة لكشف مواقع الدرك ورميهم بالرشاشات وتحطيم قلعة دمشق التاريخية كانت الشهداء تتساقط مع كل هجمة جوية ومنظر الدمار في كل مكان وراحة الموت تهب من كل اتجاه ، ولم يبق من الدرك أحد سوى أنا وملازم ضعيف السمع ويضع سماعة طبية على أذنيه ، تحطمت بعض أسوار القلعة وحدث هرج ومرج وبدأ المساجين يفرون ويشهرون السكاكين بوجهنا خوفاً من القاء القبض عليهم ، ولمّا علموا بأنه لايوجد من يتتبعهم تركونا وشأننا .
عندها أشار عليّ الملازم أن أهرب ليلاً من القلعة حتى لا يطلع الصباح وأكون عرضة لاعتقال الفرنسيين ليّ ، أما هو فسـيبقى لأنه مريض وكبير بالسن ولاخوف عليه ، وارشـدني الى طريق الهروب عبر النهر القذر الموازى للقلعة الى الطرف الثانى من حيّ العمارة ومنه الى سوق ساروجة ، فخلعت ملابسي ورميتها الى الطرف الآخر واجتزت النهر .
ولبستها ثانية وتسللت ليلاً الى أن وصلت دارنا في حارة العبيد ووجدت أهلي ينتظروني على أحر من الجمر ولا يعلمون ما كان من أمرى ، فقصيت عليهم ما كان بيأس وخيبة أمل وما حل بالوطن على يد الغادرين ، ثم دخلت لأغتسل وأنا محملٌ بالإرهاق والتعب.
بدأ الفرنسيون يقصفون مدينة دمشق كاملة ويلقون بالقنابل الحارقة ومن ضمنهم حارة المغسلة أو سوق ساروجة من بوابة الصالحية فهب الأهالي ورجال الإطفاء باخماد الحريق بكسر انابيب مياة الشرب لإطفاء الحريق وهدم الجدران التي كانت من اللبن والخشب والطين لمنع انتقال الحريق الى الحارات المجاورة .
عندها كنت أنا وأخوتي محمد عزت ومحمد علي نقوم بمساعدة الأهالي في الاطفاء ، وعند هدم أحد الجدران المطلة على المستشفى العسكرى مقابل حارة المغسلة فوجئنا بالعسكر السنغال أمامنا شاهرين اسلحتهم بوجوهنا ففر أخوتي وبقيت أنا وحيداً مختبئاً في حفرة وحولي أتربة حارة جداً من مخلفات الحريق ، وأنا أتحينمقابلة فارس الخوري الفرصة للهروب وأخوتي يحذرونني من الرشاشات المصوبة نحوى .
بعد ساعة توقف اطلاق النار في هدنة مؤقته أعلن عنها بالمذياع فنادى عليّ أخوتي أن أتحرك نحوهم فلا خوف عليّ الآن وعدّنا الى البيت .
بعد أسبوع من العدوان قمت بجولة أصور أثار القذف على مدينة دمشق منها البرلمان والعصرونية ومدخل سوق ساروجة وزقاق رامى ومرفق صور عنها بآلة تصويري وتحميضي الخاص .
انظر:
تعريف .. من مذكرات محمد حسن بوكا (1)
مرحلة الطفولة .. من مذكرات محمد حسن بوكا (2)
التاجر الصغير .. من مذكرات محمد حسن بوكا (3)
مجيد الفوال .. من مذكرات محمد حسن بوكا (4)
المرحلة الابتدائية .. من مذكرات محمد حسن بوكا (5)
مرحلة الشباب .. من مذكرات محمد حسن بوكا (6)
العرفان بالجميل .. من مذكرات محمد حسن بوكا (7)
التلميذ المدلل .. من مذكرات محمد حسن بوكا (8)
مقابلة الشيخ تاج الدين الحسني .. من مذكرات محمد حسن بوكا (9)
مرضي بذات الجنب .. من مذكرات محمد حسن بوكا (10)
الحياة العائلية ما بين 1940- 1950 .. من مذكرات محمد حسن بوكا (11)
رهان مقبوضة .. من مذكرات محمد حسن بوكا (12)
البطل الكردي أحمد البارافي .. من مذكرات محمد حسن بوكا (13)
النضال الوطني .. فترة المطالبة بالجلاء.. من مذكرات محمد حسن بوكا (14)
إلقاء القنبلة على هيئة الأركان الفرنسية.. من مذكرات محمد حسن بوكا (15)
مقابلة فارس الخوري .. من مذكرات محمد حسن بوكا (16)