شهادات ومذكرات
مقابلة فارس الخوري .. من مذكرات محمد حسن بوكا (16)
مقابلة فارس الخوري .. من مذكرات محمد حسن بوكا (16)
في عام 1945 كنت رئيساً للجنة الطلاب في مدرسة الصنائع و كان وضع المدرسة الكائنة في حيّ البطيخ سيء جداً وخاصة في بعض الورش حيث كانت الأمطار تتساقط فوق رؤوس الطلاب أثناء العمل ، فقررتُ وزملائي مقابلة رئيس مجلس الوزراء فارس الخوري الذي يحمل حقيبة وزيراً للمعارف في ذلك الوقت .
قمنا بزيارته في مبنى وزارة المعارف بعين الكرش و شرحنا له الوضع ، وكان من السهل أثناء الحكم الوطني زيارة أي وزير أو مسؤول دون الحاجة إلى ساعي أو وساطات ، طلبنا منه إيجاد الحل لنقل المدرسة إلى مكان آخر، وزيارة مفاجئة للمدرسة للإطلاع على أوضاعنا .
وبالفعل وبعد عدة أيام فُوجئت الإدارة بزيارة رئيس الوزراء / فارس الخوري للمدرسة
فرافقه المدير/ حمدى الروماني والمعلمين في تجواله بين الورش ، بعد أن أسرعوا بوضع عدة يدوية جديدة و مواد أولية ، وكنت أتدخل بين الحين والآخر لأفهمه بأن هذه العدد والمواد وضعت اليوم فقط ، وكلما حاول المدير إبعادي من جهة ألف إلى الجهة الثانية وأشرح لسـيادة الوزير الوضع ، وهكذا حتى تمت الزيارة دون اسـتدعاء أحد من الطلاب للاسـتماع إلى شـكواهم.
و قرع الجرس و تجمع الطلاب والأساتذة والمعلمين بالباحة
لوداع السيد الرئيس ، فوقفتُ على الدرج وصحتُ بصوت عال
وقلت :لا تصفيق ولا كلمة إن هذه الزيارة كانت لإدارة المدرسة
فلتقم الإدارة بواجبها نحو سـيادته .
فتوقف الطلاب عن التصفيق و تجهم الوضع .
لاحظ سـيادته ذلك وأشار بيده أن أتقدم إليه ، فتقدمتُ منه وسـألني عن السبب ؟
فقلت بكل إحترام : بأننا دعوناكم لزيارة المدرسة يا سـيادة الرئيس لتسـتمعوا إلى شـكوانا ولنشرح لكم أوضاعنا ، ومع الأسف الشديد لم نُدع لمقابلتكم .
فابتسم وقال : لقد قام المدير والأساتذة بشرح مشاكل المدرسة ، وقاموا بالواجب وعموماً أنا بانتظاركم غداً بالوزارة الساعة التاسعة صباحاً للمفاهمة معكم .
فعمت الفرحة للجميع وبدأت أصفق فصفق الطلاب ، وألقى مندوب الطلاب زميلنا / محمود الحلاق كلمة الترحيب و ودع سيادته بكل تقدير واحترام .
بعد مغادرته فوراً عاتبني المدير/ حمدى الروماني على هذا التصرف ، فاعتذرت وقلت بأن شـرح مطالب الطلاب سـتدعم و تقوي مطالب المدرسين والمعلمين .
كانت علاقتي مع المدير وكافة المعلمين والمدرسـين جيدة جداً حيث كنت أجالسـهم كواحد منهم وأشاركهم الرأي حول ما سـنقوم به كطلاب لمقاومة الإستعمار .
و في اليوم التالي ذهبنا إلى الوزارة ووجدنا سعادته بانتظارنا ، وبادرنا القول بأنه لديه إجتماع هام في كلية الحقوق وإذا لم يكن لدينا مانع فلنتكلم ونحن سائرين إلى الكلية الكائنة جانب المتحف الوطني , وبدأنا الحديث و هو واضع يده على كتفي تارة وعلى كتف زميلي / محمود حلاق تارة أخرى وسيارته يقودها الشرطي بجوارنا من عين الكرش حتى كلية الحقوق في مبنى جامعة دمشق .
و بعد شرح مطالبنا جميعها بالإضافة إلى مطالب الإدارة ، ووعدنا سيادته بكل صدق أن هذه السـنة هي أخر سـنة تداومون فيها بهذا البناء وسـنجد بناءاً آخر مناسب متوفرا فيه جميع احتياجاتكم .
و بالفعل في عام 1946 تم نقل المدرسة إلى بناء كانت ثكنة عسكرية للفرنسيين خلف فندق المريديان الآن .
لمحة عن الرئيس فارس الخورى :
عندما قابلت فخامة الرئيس فارس الخورى عام 1945 كان بشوش الوجه ممتلىء الجسم ذو شعر أبيض يحمل معه وقاره واحترامه وكان بعمر حوالي سبعين سنة .
ولد فارس الخورى عام 1877م في قرية الكفير بمنطقة حاصبيا بلبنان وتعلم الابتدائية هناك ثم المدرسة الأمريكية بصيدا ثم دخل الجامعة الامريكية ببيروت وحصل على بكالوريوس العلوم عام 1898 .
وانتقل الى دمشق ليعمل مدرساً في مكتب عنبر .
وبعدها مترجماً في القنصلية البريطانية 1902- 1908
درس خلالها الحقوق بنفسه ونال الليسانس عام 1908
وانتسب الى جمعية الاتحاد والترقي وهو أول عهد له بالسياسة .
تعلم الفرنسية والانكليزية والتركية ، وكان مولع باللغة العربية وبالأدب .
لم ينجب إلا السيدة / كوليت خوري ابنته الوحيدة .
انُتخب نائباً عن دمشق في مجلس المبعوثان العثماني عام 1914 تولى وزارة المالية عام 1920 ثم عين وزيراً للمعارف 1926، انتخب عضواً في الوفد السوري المفاوض لعقد معاهدة مع فرنسا عام 1936 .
شغل منصب رئيس الوزراء لأول مرة زمن الرئيس شكري القوتلي من 14/10/1944 الى 1/10/1945 ثم للمرة الثانية في عهد هاشم الأتاسي 3/11/1954 – 13/2/1955 ، وترأس مجلس الأمن مرتين في شهر آب 1947 وفي شهر حزيران 1948 .
في احدى المناسبات العائلية وفي دعوة حمى حفيدي عمار الأستاذ / وليد منصور بقصر النبلاء وأثناء تناول طعام العشاء كان من ضمن المدعويين دكتور الصحة / داودى صديق والدكتور/ راتب كحالة وتم ذكر الرئيس فارس الخورى بالمجلس فقال الدكتور راتب للأمانة التاريخية :
عندما اشـتد مرض الرئيس فارس الخورى بسبب كبره في السن استضيف بمستشفى المواساة وحفاظاً على صحة وراحة سعادته منع الدكتور المشرف على علاجه زيارة أي أحد ، فأحب الدكتور/ راتب كحالة زيارة الرئيس فمنعته الممرضة المرافقة بأمر من الطبيب لكن الرئيس فارس سـمع صوته وقال للممرضة : من في الباب ؟
وكان يتكلم دوماً باللغة العربية الفصحى فردت الممرضة أنه الدكتور راتب كحالة .
فقال : فليدخل .
ولما دخل رفع الرئيس يده مسلماً عليه وقال أشهد يادكتور :
” أشهد أن لا اله الا الله وأشهد أن محمدا رسول الله ” .
ثم بعد فترة بسيطة توفي في تاريخ 2/11/1962 م عن عمر يناهز 85 عاما .
وبعد وفاته تم عمل عزاء له في منزله بمنطقة القصاع حضره مقرئين ومشايخ يتلون القرآن الكريم في العزاء ومن ضمن الحضور كان أخي نذير .
التقيت بأحد تلاميذ الشيخ أحمد كفتارو الأستاذ / علي الخرفان وذكر لي أنه كان يوماً في مجلس علم مع مفتي سوريا الشيخ / أحمد كفتارو وتجرى حينها انتخابات مجلس الشعب فقال الشيخ : دعونا نذهب لانتخاب السيدة / كوليت خورى ابنة الرئيس فارس خورى فاستغرب الجميع وسأله أحد الحاضرين : ماهو سبب لانتخابنا كوليت خورى مع أنها مسيحية ؟! فقال الشيخ : إن أباها رجل مسلم رحمه الله تعالى .
ملاحظة : هكذا كانت تتم الاتصالات والمحادثات مع رجال الحكم من أمثال الشيخ تاج الدين الحسيني وشكري القوتلي و فارس الخوري و رشدي كيخيا و معروف الدواليبي وسعد الله الجابري و خالد العظم وجميل مردم بيك وبقية رجال ومسؤولي الدولة .
كانت اتجاهات المدرسين مختلفة منهم المستقل و منهم الشيوعي والقومي السوري والإخوان المسلمين و لم يكن حزب البعث قد أنشأ في حينه .
وبما أننى رئيس لجنة الطلاب كان كل واحد من الحزبيين يدعوننى الى الانتساب الى حزبه ، وكنت أعتذر دائما لأننى قررت عدم الانتساب لأي حزب لعدم قناعتي بحزب من الأحزاب .
انظر:
تعريف .. من مذكرات محمد حسن بوكا (1)
مرحلة الطفولة .. من مذكرات محمد حسن بوكا (2)
التاجر الصغير .. من مذكرات محمد حسن بوكا (3)
مجيد الفوال .. من مذكرات محمد حسن بوكا (4)
المرحلة الابتدائية .. من مذكرات محمد حسن بوكا (5)
مرحلة الشباب .. من مذكرات محمد حسن بوكا (6)
العرفان بالجميل .. من مذكرات محمد حسن بوكا (7)
التلميذ المدلل .. من مذكرات محمد حسن بوكا (8)
مقابلة الشيخ تاج الدين الحسني .. من مذكرات محمد حسن بوكا (9)
مرضي بذات الجنب .. من مذكرات محمد حسن بوكا (10)
الحياة العائلية ما بين 1940- 1950 .. من مذكرات محمد حسن بوكا (11)
رهان مقبوضة .. من مذكرات محمد حسن بوكا (12)
البطل الكردي أحمد البارافي .. من مذكرات محمد حسن بوكا (13)
النضال الوطني .. فترة المطالبة بالجلاء.. من مذكرات محمد حسن بوكا (14)
إلقاء القنبلة على هيئة الأركان الفرنسية.. من مذكرات محمد حسن بوكا (15)