شهادات ومذكرات
العرفان بالجميل .. من مذكرات محمد حسن بوكا (7)
من مذكرات محمد حسن بوكا (7) – العرفان بالجميل
في يوم كانت لدى أهلي مناسـبة عائلية بعد الظهر فطلبوا مني اصطحاب الأولاد الصغار – مروان واسامة وأمل وفاديا – الى بستان في باب توما ليلهوا هناك ، ومعى زوادة طعام لهم.
مضى اليوم وعدت مساءً منهكاً الى البيت ، ومازال بعض النسوة الزوار في الدار، وكنت اتضور جوعاً فصحت أطلب الطعام غاضباً فلم يهتم أحد بيّ ، فانزعجت أمي مني ولحقت بي لتضربني فدفعتها لاتحاشى ضربها ، فظنت منها أنني أدفعها رداً عليها ، فهربت من البيت أهيم على وجهي في شارع بغداد حتى المساء وامضيت ليلتي متقلباً على كراسي المارة وفي جيبي قليل من حبات الحمص – القضامة – اسدّ فيها جوع بطني الخاوية الى أن طلع الصباح .
توجهت الى المدرسة صباحاً فصادفني أخي محمد علي الذي كان يبحث عنى طيلة المساء ، وكنت ساخطاً عليهم جميعاً وقررت ترك المدرسة والبيت …عندها اصطحبني الى بيت الدسوقي – حمى أخي عزت – بسبب خلافي مع أهلي ونمت عندهم ليلتين تاركاً البيت متمرداً على وضعي .
كان أخي محمد علي يلعب دوراً كبيراً في حياتي فضمني اليه واهتم بي وأحبني وصادقني وشاركني همومي ومشاكلي ، كان له صديق متخرج من عدة سنوات من مدرسة الصنائع واسمه / أحمد جمّية من حماة يقيم في غرفة في سوق ساروجة , فأخبره بأنني سأترك المدرسة ، وطلب منه نصحي واقناعي للعودة الى الدراسة باتفاق خفي ، فاحضرني الى غرفته وبدأ يجاملني و يحترمني ويبدي اهتماماً بي ، شعرت بانسانيتي ومكانتي بالمجتمع ، بدأ يدخل معي بظروفي ومحاورتي لمعرفة أسباب فشلي بالدراسة ، وبشكل ذكي أقنعني بوجوب متابعة دراستي ، حيث أنني شاب نشيط ومن المؤكد أني سأنجح و بتفوق ، فتغيرت نفسيتي وشعرت بضرورة الاستمرار بالتعليم وتطوير حياتي الخاصة ، كان ذلك منعطفاً هاماً في حياتي ومستقبلي . فلأخي محمد علي وصديقه / أحمد جميه كامل التقدير والعرفان بالجميل .
اعادني أخي محمد علي الى المنزل وصالحني مع والدتي ووالدي واعتذرت منهم وعادت الأمور الى مجاريها .
أمضيت أربع سنوات نلت فيها المركز الأول أوالثاني أوالثالث في الدراسة و تغير كل شئ في حياتي وأصبحت الدنيا أمامي مستقبلاً مشرقاً …
في هذه السنوات الأربع باشرت بالنشاط الرياضي والفني والكشفي وكذلك السياسي . وتعلمت الرسم بالتكبير وأنشأت في المدرسة فريقاً لكرة السـلة ، وانتسبت إلى النادي الأهلي ، ولعبت كرة القدم كحارس مرمى ، وتعلمت الملاكمة ، وكرة الطاولة ، وكذلك اشتركت بتأسيس نادي الفتيان لكرة السـلة .
دخلت في فوج كشاف مدرسة الصنايع وعمل مخيم للكشافة العرب في بلودان دعيت اليه الفرق الكشفية العربية ، وأثناء تنقلنا بالقطار مع الفوج الفلسطيني الذى يركب معنا في نفس العربة ونحن ننشد نشيد موطني كان الكشاف / فريز الملك يحمل مسدساً ويلعب فيه وهو جالس بالقطار قبالتي أنا وخالد السعدى فإذا برصاصة تخرج من مسدسه تمر فوق رأسي فهرع أخي عزت الذي كان معنا خوفاً عليّ وأطمأن أننا بخير والحمد لله .
وفي أحدى ليالي السمر في مخيم الكشاف العربي ببلودان
حضر رئيس الوزراء السورى / جميل مردم بيك
وكان من الأعضاء البارزين في الكتلة الوطنية فوقف
يخطب بنا وأنا والكشاف خالد السعدى نحمل مشعلين
على جانبي رئيس الوزراء سمعنا صوت رصاص
وكان مرافق الرئيس الكشاف / فريز الملك من فرقة ميسلون
فأمره أن يتحرك ويلاحق من يطلق الرصاص وتابع خطابه .
جرى فريز الملك وبعض الكشافة لملاحقة مصدر الرصاص وعرفوا أن أهالي لبنان يحاولون الهجوم على المخيم رداً على انسحاب الفرق الكشفية السورية من مخيم ضهور شوير العام الماضي . فتم ملاحقة الأهالي حتى هروبوا الى الأراضي اللبنانية .
انظر:
من مذكرات محمد حسن بوكا (1) – تعريف
من مذكرات محمد حسن بوكا (2) – مرحلة الطفولة
من مذكرات محمد حسن بوكا (3) – التاجر الصغير
من مذكرات محمد حسن بوكا (4) – مجيد الفوال
من مذكرات محمد حسن بوكا (5) – المرحلة الابتدائية
من مذكرات محمد حسن بوكا (6) – مرحلة الشباب