كان الحاج الرقيب/ المساعد الأول (الشاويش) من أبرز وأشهر رؤساء مخافر الدرك السوري في القرن الماضي.
ولد عبد السلام أفندي محمد رفعت حابوخ (لاش) عام 1903 في قرية مرج السلطان.
وينتمي لأسرة لاش المُهجرة من الوطن الشركسي (القفقاس) مع مئات آلاف الشركس الناجين من الإبادة الروسية، والتي حطت رحالها في (كوسوفو/ قوصوه: في الوثائق العثمانية) في يوغوسلافيا السابقة بين 1864 – 1878 أولاً، ثم هُجرت سنة 1878 ثانية إلى سورية حيث استوطنت مرج السلطان في السنة نفسها.
كان والده (محمد رفعت أفندي لاش) خريج ما يعرف اليوم بـ (معهد الدرسات الإسلامية) في سراييفو، عمل مرشداً دينياً وترجماناً في الجيش العثماني لأشهر معدودات، استقر بعدها في مرج السلطان وأسس أول مدرسة في منطقة المرج وعمل فيها معلماً للدين والحساب واللغة التركية، حيث تزوج وأنجب أربعة أولاد ثالثهم عبد السلام، الذي تعلم ودرس على يده.
عمل عبد السلام في الزراعة.
انتسب بعد ذلك في سن مبكرة إلى سلك الدرك السوري في بدايات زمن الانتداب الفرنسي حيث ترفع من جندي إلى عريف ثم إلى مرتبة نائب (رقيب) في زمن قصير، ليعين رئيساً لمخفر درك بلدة صيدنايا سنة 1929 . حيث كاد أن يسرح من الخدمة من قبل السلطات الفرنسية لمؤازرته الأقلية المسلمة في تلك البلدة المسيحية في بناء مسجد فيها. لكنها استبدلت التسريح بنقله منها إلى رئاسة مخفر عسال الورد في جبال القلمون.
وكان من أسباب نقله أيضاً، هو ماعرف عنه من جرأة وإقدام، ومن ثم تكليفه بمهمة قطع دابر عصابة من الأشقياء والمجرمين، ووضع حد لترويعهم سكان المنطقة. وكان على رأسهم شقي مشهور يعرف باسم (معيط)، من أعتى أشقياء القلمون يقطع الطرقات ويسلب الناس ما يملكون، والذي عجزت الدولة عن وضع حد له. وبعد معركة معه في معاصي جرود الجبال دامت عدة ساعات قتل فيها حصانا والدي، تمكن من اعتقال معيط، ومن ثم إيداعه سجن القلعة بدمشق حيث توفي فيه. وسرعان ما لمع اسم والدي في دوائر الأمن والدرك وعرف عنه أنه لا يهاب الموت، لتشدده وتهوره في مكافحة الخارجين على القانون.
نُقل بعدها إلى مخفر مدينة قطنا سنة 1936 ومنه إلى مخفر أم الشراطيط في مهمة ملاحقة خارجين على القانون كانوا يقطعون طريق دمشق – القنيطرة. وكان المخفر مؤلفاً من بناء وحيد منعزل قائم على مرتفع يشرف على الطريق المذكورة، لا بيوت أو مساكن حوله. وعشنا معه في خيمة نصبت لنا قربه.
بعد قطع دابر الأعمال الإجرامية، تم نقله إلى مخفر صوران ثم إلى مخفر مدينة النبك. ومع احتدام الصراع بين الفرنسيين الفيشيين والديغوليين على الأرض السورية ودخول القوات البريطانية إليها إبان الحرب العالمية الثانية، تم تعيينه رئيسا لمخفر القدم جنوب دمشق لحفظ الأمن وحماية طريق دمشق-الأردن وسكة حديد الحجاز. لينقل بعد ذلك إلى رئاسة مخفر داريا ومنه إلى رئاسة مخفر درك مدينة القنيطرة.
ترك عبد السلام أثناء خدمته في القنيطرة بصمة وطنية بوضعه لبنة متواضعة في صرح سعي سورية للإستقلال والتحرر من الانتداب (الاستعمار) الفرنسي، تمثلت بدوره الذي كاد أن يودي بحياته حين وقف سنة 1945 وحده درعاً فاصلاً بين القوة الرديفة للجيش الفرنسي في القنيطرة من جهة، وآلاف المهاجمين من الوطنيين والمندسين بينهم على ثكنتها من جهة ثانية، وقف كوسيط بين الطرفين، مما منع حدوث مجزرة كانت ستودي بأرواح أعداد لا تحصى، خاصة من المهاجمين، لعدم التكافؤ بالسلاح، والخبرة القتالية، ولغوغائية المهاجمين وبدائية تسلحهم. فتمكن بجرأته المتهورة، وحكمته في التفاوض مع الطرفين من إقناع القوة الرديفة على مغادرة القنيطرة إلى معسكرات تجمع الوحدات الرديفة للجيش الفرنسي في قطنا، دون إطلاق رصاصة واحدة، ليقوم بنفسه بإنزال العلم الفرنسي ورفع العلم السوري فوق الثكنة مكانه. وجرياً على المألوف الذميم في ثقافة الإقصاء….؟؟ لم يذكر هذا العمل وصاحبه في تقارير السلطة ومؤرخيها. بل تم تجيير تحرير القنيطرة لأحد شيوخ العشائر.
ومع تفاقم أعمال تهريب الحبوب والمحاصيل الزراعية من سورية إلى لبنان (في فترة فرض قرار الميرة) عبر ممرات جبال غرب قطنا واستشراء ظاهرة الرشوة المرافقة لها، نُقل والدي سنة 1946 إلى ئاسة مخفر قطنا مرة ثانية، حيث واجه إلى جانب مكافحة التهريب والرشوة، مشاكل من نوع آخر. إذ كانت قوات الحلفاء ما زالت تعسكر في ثكنات أقيمت شمال مدينة قطنا، في منطقة عرفت بالصوجة المحرفة عن كلمة (صولجر) الإنكليزية، وتعني الجندي. وكان الجنود يترددون على محل بيع للخمور في قطنا، فيثملون ويتجولون في أرجاء البلد معربدين، فتتصدى لهم عناصر الدرك بمساعدة الشرطة العسكرية للجيش البريطاني.
أعقب ذلك تكليفه سنة 1947 بمهمة تفتيشية خاصة في قلعة الترك في حلب. لينقل بعدها إلى مخفر أزرع في حوران. لكنه ما لبث ومع تصاعد الصراع بين سورية والصهيونية 1947سنة / 1948، أن تم تعيينه في قلعة الحصن قرب كفر حارب المطلة على بحيرة طبريا على خط المواجهة (وهي غير القلعة المشهورة)، حيث اكتشف عملية سرقة رئيسه لذخائر المقاتلين، نقل على إثرها إلى دمشق مديراً لسجن قلعتها.
أما آخر موقع خدم فيه وبرتبة مساعد أول فكان تعيينه سنة 1951 قائداً للحرس الجمهوري الذي كان عدد أفراده من الدرك مع قائدهم (المساعد الأول) عشرة عناصر فقط…؟؟؟؟؟؟(قارن ذلك بالحرس الجمهوري اليوم…)، طلب حينها احالته على التقاعد إثر خلاف بينه ورئيس الجمهورية فوزي سلو على مراسم تقديم السلاح له، التي لم تعجب الرئيس.
انصرف بعدها إلى الاهتمام بالأرض والزراعة والاستقرار في قريته مرج السلطان، أدى خلالها فريضة الحج، كما قام بزيارة أسرة شقيق زوجته، أيوب شاكوج (أمير أوغلو) في تركيا (1).
(1) د. عادل عبدالسلام (لاش): شاويش المهمات الصعبة .. عبدالسلام رفعت لاش