You dont have javascript enabled! Please enable it!
عرب وأجانب

صلحي الوادي

الأب الروحي للموسيقى الكلاسيكية في سورية

هو الأب الروحي للموسيقى الكلاسيكية في سورية إن جاز التعبير، و هو صاحب الفضل الأكبر في تأسيس المعهد العالي للموسيقا في سورية، شاء له القدر أن يستقر في سورية كي يضع فيها حجر الأساس للمشروع الموسيقي و يرتقي بالفن الموسيقي فيها إلى المستوى الأكاديمي.

الموسيقار العراقي صلحي الوادي، ولد لأب عراقي (حامد باشا) و أم أردنية سورية (هدية برجاق) في بغداد في الثاني عشر من فبراير شباط لعام 1934، و عاشت أسرته في دمشق، كانت الأسرة تتكون من ثلاث بنات و شاب واحد، و قد نشأوا على تربية دمشقية تشبعوا فيها الفن و الثقافة، فوالدهم كان من المثقفين المعدودين في ذلك الزمن، كان كبير مرافقي الشريف حسين و شارك في الثورة العربية الكبرى، و رأس لاحقاً الديوان الملكي للملك الأردني عبدالله الأول، و كانت والدته هدية برجاق تعزف الأكورديون، لذلك تشرب الأبناء كلهم بالثقافة و الفن، فاهتمت الكبرى بالفن الموسيقي و الرسم و كانت تعزف البيانو، بينما كانت الوسطى هبة تعشق الأدب و أصبحت أديبة، في حين تعلمت الصغرى رقص الباليه.  درس صلحي الوادي المرحلة الابتدائية في دمشق، و تأثرت أذنه بسماع عزف والدته و كذلك بالاستماع المتكرر لأغاني أسمهان و أم كلثوم، و قد بدأ بتعلم الكمان في صغره، ومن ثم أرسله والده إلى الإسكندرية في مصر لمتابعة دراسته العليا في كلية فيكتوريا، و في الإسكندرية درس الموسيقى و عزف الكمان مع فرقة الكونسرفتوار المصري في الإسكندرية، و من بعدها غادر إلى بريطانيا للتخصص في الهندسة الزارعية، كان الهدف من ذلك إدارة أملاك و أراضي والده و أجداده، إلا أن عشقه للموسيقى أنبت فيه روحاً من التحدي، فأوقف دراسته و تحول إلى دراسة الموسيقى في الأكاديمية الملكية للموسيقى في لندن.

في عام 1957، خلال إجازته في سورية، جمع صلحي الوادي مجموعة من الموسيقيين (من بينهم موسيقيون من معهد الفنون و موسيقيون من الجيش و الدرك)، و أقام أول أمسية فنية كلاسيكية يعزف فيها عازفون سوريون، و ذلك في فندق أمية الجديد، و قدم فيها (افتتاحية ايغموند) لبيتهوفن و من ثم عزف السيمفونية الناقصة لفرانتز شوبرت و ختموا بسيمفونية فالس الامبراطور لشتراوس، و كان هذا الحفل هو أول أمسية سيمفونية يقدمها عازفون سوريورن في سورية . لاقت هذه الأمسية نجاحاً جماهيرياً،  إلا أن صلحي الوادي  بالمجمل لم يكن راضياً عن الآداء الفني المقدم، و رأى بأن الموسيقى في سورية تحتاج لتأسيس أكاديمي منهجي كي تخرج أجيالاً موسيقية رائدة، و كان لهذا الحلم أن يتحقق لاحقاً.

في عام 1960 عاد الموسيقار صلحي الوادي إلى دمشق حاملاً شهادات أكاديمية  في العلوم الموسيقية و في التأليف الموسيقي و في قيادة الأوركسترا، و قد كانت وزارة الثقافة السورية في ذلك الوقت قد استعانت بالموسيقار المصري أبوبكر خيرت، مؤسس الكونسرافتوار المصري لوضع خطط لتأسيس معهد أكاديمي موسيقي في سورية، و وقع اختيار أمين عام وزارة الثقافة الدكتور يوسف شقرا و الموسيقار أبوبكر خيرت على الموسيقار صلحي الوادي، الذي كلف بإدارة المعهد العربي للموسيقا، لتبدأ الدراسة في المعهد رسمياً منذ العام 1961، و هو المعهد الذي سيتغير اسمه لاحقاً و يصبح منذ عام 2004 معهد صلحي الوادي تكريماً له عن مجمل مسيرته و إسهاماته، و قد شاء القدر أن يرى المايسترو صلحي الوادي هذا المعهد و قد حمل اسمه قبل أن يتوفى، كما أسهمت زوجته البريطانية سينثيا الوادي أيفرت في جهوده الموسيقية في سورية، و تخرج على يدها أمهر عازفي البيانو في سورية. و لمعهد صلحي الوادي الفضل الأهم في إعداد جيل سوري موسيقي على درجة عالية من الأكاديمية، و خرجت منه أسماء وصلت للعالمية، منهم غزوان الزركلي (الذي درس أيضاً على يد سينثيا الوادي)، ميساك باغبودريان و أثيل حمدان. بدأ المعهد سنواته الأولى في بناء يقع في الحلبوني و انتقل لاحقاً إلى مقره الحالي في جادة نوري باشا بالعفيف.

تأثر صلحي الوادي بموسيقى الموسيقار المجري بيلا بارتوك، و يظهر ذلك في مقطوعاته التي ألفها خلال دراسته الأكاديمية في لندن، و سيفيده ذلك لاحقاً في تحويل الألحان الشعبية التي نقلها عن الأستاذ وفيق فوق العادة إلى ألحان عالمية معاصرة بتوزيع أوركسترالي، و قد قدم هذه الألحان في مسرحية (يوم من أيام الثورة) على خشبة مسرح معرض دمشق الدولي عام 1961.كما كان لموسيقا الموسيقار الروسي شوستاكوفيتش أثر كبير في أعمال صلحي الوادي.

كان العام 1966 عاماً حزيناً في حياة المايسترو، حيث توفيت أخته الأديبة هبة الوادي، و بعد 20 يوماً من وفاتها توفي والده، هذان الحدثان سينعكسان حزناً على عمله الموسيقي اللاحق (قصيدة حب)، و الذي سيلحظ المستمع له النمط المأساوي الحزين لموسيقاه، هذا العمل كتب للوتريات، و اشتمل على عدة حركات: بطيئة مأساوية، سريعة جدية مع موسيقا صاخبة للوتريات، إيقاع متكرر، و من ثم موسيقا بطيئة درامية.

أسس صلحي الوادي أول فرقة لموسيقا الحجرة في سورية، و قاد أمسياتها بنفسه على مسرح الحمراء، و من ثم تابعت هذه الفرقة تقديم أمسياتها على مسرحي الحمراء و القباني،كما تطور عمل هذا المعهد فيما بعد ليؤسس اوركسترا معهد صلحي الوادي عام 2008، و التي أحيت أولى حفلاتها الرسمية في العشرين من شباط عام 2008 في مكتبة الأسد الوطنية، و قادها آنذاك الموسيقار عدنان فتح الله، هذه الأوركسترا هي من الفرق الفريدة من نوعها في العالم العربي، حيث أن عازفيها هم من الشباب، و حملت على عاتقها وضع صبغة أوركسترالية على أعمال الموسيقى العربية، و لا زالت تقدم حفلاتها بانتظام.

مع تطور الأرضية الأكاديمية الموسيقية في سورية، أصدر الرئيس حافظ الأسد في العام 1990 مرسوماً جمهورياً بإحداث المعهد العالي للموسيقا و كلف الموسيقار صلحي الوادي بعمادته، و تطور لاحقاً هذا المعهد ليضم معهداً للباليه و قسماً للغناء، كما ساهم الموسيقار صلحي الوادي بإدخال آلات لم تكن في ذلك الوقت موجودة على المنهج الأكاديمي الموسيقي في سورية، مثل الباصون و الترومبون و البوق الفرنسي.

و مع تطور المعهد العالي للموسيقا، تأسست الفرقة السيمفونية الوطنية السورية، و ذلك كنتيجة طبيعية لإحداث هذا المعهد، الذي بدأ يرفدها بالكوادر منذ تأسيسها، و قد قدمت الفرقة أول حفل سيمفوني لها في العام 1993على مسرح قصر المؤتمرات (ايبلا) و عزفت فيه سيمفونية غوييسكاس للمؤلف الإسباني أنريكي غرانادوس.

عمل الموسيقار صلحي الوادي بعد ذلك على تحقيق حلم آخر، و هو تقديم أول عمل أوبرالي في سورية، و كان ذلك عام 1995 بالتعاون مع المركز الثقافي البريطاني، حيث قدمت أوبرا (دايدو و إينياس) للموسيقار البريطاني هنري بورسيل، و قد قدمت هذه الأوبرا في دمشق و تدمر و في المسرح الروماني في بصرى.

بلغ عدد حفلات صلحي الوادي التي قادها حوالي أربعين حفلاً فنياً و قدم أمسيات هذه الفرقة في عدة دول منها الكويت و عمان و تركيا و إسبانيا و أمريكا و ألمانيا و أرمينيا، و في كاليفورنيا الأمريكية عزفت الفرقة مقطوعة تأملات التي ألفها صلحي الوادي و التي استلهم فيها موسيقى محمد عبدالوهاب و صبغها بروح كلاسيكية أوركسترالية، هذا الحفل قدم في قاعة رويس في جامعة كاليفورينا لوس انجلوس (UCLA) و كذلك في مركز الفنون في أورنج كاونتي في لوس انجلوس، نال على إثرها الموسيقار الوادي شهادة تقدير من الكونغرس الأمريكي و من مركز الفنون.

في عام 2002، و في شهر نيسان، و حين كان المايسترو صلحي الوادي يقود الفرقة السيمفونية الوطنية السورية في قصر المؤتمرات، و خلال عزفهم كونشيرتو البيانو الثالث لبيتهوفن، سقط صلحي الوادي على خشبة المسرح مصاباً بسكتة دماغية، نقل على إثرها للمستشفى، و كم كان مؤثراً تواجد كل أفراد الفرقة في المستشفى بملابسهم الرسمية الأنيقة و بآلاتهم ينتظرون أخباراً عن صحة قائد الفرقة، لازم بعد ذلك المايسترو صلحي الوادي سرير المرض ليفارق الحياة في الثلاثين من سبتمبر أيلول من عام 2007، و بعد عامين من وفاته رحلت رفيقة دربه سينثيا الوادي.

حاز المايسترو صلحي الوادي عدة جوائز و تكريمات، من بينها وسام الاستحقاق السوري من الدرجة الممتازة عام 1992 و كذلك عدة جوائز و أوسمة و تقديرات منها الدكتوراه الفخرية من جامعة يريفان الأرمنية عام 1999 الدكتوراه الفخرية من الأكاديمية الروسية للعلوم و الفنون عام 2000 و وسام القديسين بولس و بطرس من بابا الفاتيكان عام 2001.

بالإضافة لأعماله الموسيقية، وضع صلحي الوادي الموسيقى التصويرية لعدد من الأفلام السينمائية في سورية وخارجها، وبدأ بتأليف الألحان والموسيقى التصويرية مع فيلم “سائق الشاحنة”، عام 1966، وألف الموسيقى التصويرية لفيلم “رجال تحت الشمس”، عام 1970، ثم فيلم “المخدوعون”، عام 1972، وفي العام نفسه وضع الموسيقى التصويرية لفيلم “السكين”، واستمر في العمل ذاته إذ ألّف، في عام 1974، الموسيقى التصويرية لفيلم “اليازرلي”، ثم فيلم “يوم آخر”، عام 1979، وفيلم “مطاوع وبهية”، عام 1982، وأنهى مشاركاته السينمائية في العام 1991 مع فيلم “طائر الشمس”؛ كما وضع صلحي الوادي الموسيقى التصويرية للمسلسل السوري “اللوحة الناقصة”، عام 1996

الفرقة السيمفونية الوطنية السورية التي أشرف على تأسيسها و قادها في عدة مناسبات، أظهرت وجه سورية الحضاري سواءاً في سورية أم في خارجها، و عزفت في عدة مناسبات منها حفل الافتتاح الرسمي لدار الأسد للثقافة و الفنون المجاورة لمبنى المعهد العالي للموسيقا، عام 2004، و قادها في ذلك الوقت المايسترو ميساك باغبودريان، كما أحيت حفلي الافتتاح و الختام لاحتفالية دمشق عاصمة الثقافة العربية عام 2008، و في هذا العام أيضاً تم تكريم صلحي الوادي بمبادرة مشتركة مع مؤسسة ايكوم للتبادل الثقافي في دول حوض المتوسط و عزفت أعماله على مدار أسبوع كامل، و قاد الفرقة في ذلك الوقت الموسيقار الإيطالي انجلو غورانيا، و الذي خلد صلحي الوادي بكلمات قال فيها: كان صلحي الوادي رجلاً واسع المعرفة موسيقياً حساساً،  نلمس في موسيقاه المثيرة إلمامه بعلوم الموسيقى الكلاسيكية والثقافة الغربية إضافةً للعربية مع براعة بين لغتين مختلفتين وإنني أحمل أشد الفخر والامتنان لكوني أشارك في تكريم موسيقي عربي كبير.

صنفته الأبحاث الموسيقية العالمية كأحد أفضل المؤلفين عرب للموسيقى الكلاسيكية في القرن العشرين (ضمت القائمة حليم الضبع و توفيق سكر و ضياء السكري)

لقد كان صلحي الوادي أيقونة حملت الموسيقا في سورية إلى أبعاد عالمية و لا زال أثرها شاهداً حتى اليوم(1).


(1) أنس غازي، موقع التاريخ السوري المعاصر

* الشكر للمايسترو ميساك باغبودريان على بعض ما ورد من معلومات و تفاصيل متعلقة بحياة الموسيقار الراحل صلحي الوادي


انظر:

الفنان الفراتي يوسف الجاسم

جواز سفر كريكور يوسف كركو مناشي للذهاب إلى القدس عام 1935

بطاقة ناجي غازي الحكم في الاتحاد السوري لكرة اليد

بطاقة دخول إلى محطة تل البيضا للنفط 1974- 1975

الفنان أيمن زيدان في الفيلم الروائي (الطحالب)



 أحداث التاريخ السوري بحسب السنوات


سورية 1900 سورية 1901 سورية 1902 سورية 1903 سورية 1904
سورية 1905 سورية 1906 سورية 1907 سورية 1908 سورية 1909
سورية 1910 سورية 1911 سورية 1912 سورية 1913 سورية 1914
سورية 1915 سورية 1916 سورية 1917 سورية 1918 سورية 1919
سورية 1920 سورية 1921 سورية 1922 سورية 1923 سورية 1924
سورية 1925 سورية 1926 سورية 1927 سورية 1928 سورية 1929
سورية 1930 سورية 1931 سورية 1932 سورية 1933 سورية 1934
سورية 1935 سورية 1936 سورية 1937 سورية 1938 سورية 1939
سورية 1940 سورية 1941 سورية 1942 سورية 1943 سورية 1944
سورية 1945 سورية 1946 سورية 1947 سورية 1948 سورية 1949
سورية 1950 سورية 1951 سورية 1952 سورية 1953 سورية 1954
سورية 1955 سورية 1956 سورية 1957 سورية 1958 سورية 1959
سورية 1960 سورية 1961 سورية 1962 سورية 1963 سورية 1964
سورية 1965 سورية 1966 سورية 1967 سورية 1968 سورية 1969
سورية 1970 سورية 1971 سورية 1972 سورية 1973 سورية 1974
سورية 1975 سورية 1976 سورية 1977 سورية 1978 سورية 1979
سورية 1980 سورية 1981 سورية 1982 سورية 1983 سورية 1984
سورية 1985 سورية 1986 سورية 1987 سورية 1988 سورية 1989
سورية 1990 سورية 1991 سورية 1992 سورية 1993 سورية 1994
سورية 1995 سورية 1996 سورية 1997 سورية 1998 سورية 1999
سورية2000

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى