مقالات
نيقولاس فان دام : الفشل في اقتلاع الفساد من داخل النخبة العلوية
فان دام (نيقولاس)، الصراع على السلطة في سوريا- الطائفية والإقليمية والعشائرية السياسية 1961- 1995.
الفصل العاشر – استنتاجات
3- الفشل في اقتلاع الفساد من داخل النخبة العلوية
الفشل في اقتلاع الفساد من داخل النخبة العلوية
خلال عهد حافظ الأسد أخذت السياسات الإجتماعية الإقتصادية في التدرج نحو الواقعية والتحرر، تاركة وراءها الصرامة التي اتصفت بها خلال الفترة الأولى من حكم البعث والتي كان يسيطر عليها صلاح جديد اليساري الصارم.
وبعد عام 1970، وخاصة في الفترة التي بدأت بالتدخل السوري في لبنان عام 1976، استغلت النخبة السياسية والعسكرية سلطتها لتزداد ثراء، وأخذ الفساد يتفشى داخل الجهاز الحزبي والنظام. ولم يُكتب للعديد من الحملات التي كانت ترمى لإقتلاع الفساد إلا نجاح محدود جداً، حيث كان من الصعب النيل من العناصر الفاسدة من النخبة العسكرية العلوية وأيضاً غير العلوية التي كانت تتمتع بمراكز مرموقة والتي كانت تنتمي لحاشية الرئيس وما يتبعها. فاتخاذ أي إجراء تأديبي ضد أهم مؤيدي الرئيس كان من شأنه تقويض وضع السلطة ككل داخل النظام ذاته بشكل مباشر.
ولذلك، لم تتخذ مثل هذه الإجراءات. وقد كانت النخبة العلوية تشكل في الأصل إحدى القوى العظمى داخل النظام التي كانت تميل إلى التغيير الجذري. وبعد أن ازدادت ثراء وحصلت على شتى أشكال المزايا الحصينة، أصبحت هذه النخبة بعينها حجر عثرة كبيرة أمام عملية إصلاح التعسفات التي شملت الدولة. لقد كون الضباط العلويون الأثرياء وعائلاتهم نوعاً من الائتلاف مع البرجوازية الثرية من أهل المدينة، وبالذات مع الدمشقيين السنيين، وأيضاً مع آخرين، بما فيها مسيحيون. وتولد لدى الأخيرة رغبة مباشرة في الحفاظ على نظام البعث الواقع تحت سيطرة العلويين، طالما كان بإمكانهم الاستمرار في أعمالهم الناجحة.
إن الفساد والشعور بالسخط تجاه السياسات الإقتصادية كان يتسبب في أن تحجب الضغائن الطائفية ضد النظام بفعل الامتعاض الإقتصادي.
– الدين والطائفية
الدين في حد ذاته لم يلعب دوراً يضاهي في أهميته الدور الذي لعبته الطائفية. فالجهود التي بذلها المعارضون السنيون لحشد المعارضة ضد نظام البعث الواقع تحت سيطرة العلويين من خلال قنوات دينية ومناظرات لاهوتية تسببت في إثارة التضامن الجماعي العلوي أكثر من إثارة الجدل والخلاف الديني البحت، بل وجعلت العلويين يدافعون علناً ورسمياً عن مواقفهم من وجهة نظر لاهوتية، سواء كان ذلك في مرحلة متأخرة نسبياً في الثمانينات أو التسعينات. وعلى مر القرون، كان المشايخ العلويون يفضلون التزام الصمت، وعدم مناقشة أمور دينهم مع الغرباء. وفي ظل الظروف السياسية الجديدة بدأوا يتركون الصمت جانباً، مؤكدين أحياناً بشكل تبريري على الأبعاد التقليدية للدين العلوي “الجعفري”.
كما حاول الرئيس حافظ الأسد في العديد من المناسبات بناء صورة دينية تقليدية لنظام البعث العلماني، بالصلاة الجهرية مثلاً في المساجد السنية في معظم الأحيان (بما في ذلك الجامع الأموي الشهير بدمشق)، أو الظهور علانية في صحبة كبار رجال الدين السنيين، أو الاقتباس من آيات القرآن في خطاباته، وقد قام الأسد بتشييد مساجد، بما في ذلك في بلدته القرداحة. إلا أنه من المشكوك فيه أن تكون مثل هذه الأعمال قد بدت مقنعة لمعظم السكان السنيين. بغض النظر عن صدق نوايا الرئيس السوري.
وحتى إذا كانت المحسوبية والتضامن الطائفي تحفرهما الدوافع الإجتماعية والسياسية البحتة وليس الدافع الديني، فهذا لم يمنع السكان السنيين التقليديين وآخرين عير علويين من اعتبار حكم البعث الواقع تحت سيطرة العلويين كنوع من القمع شبه الديني، رغم أن الأمر لم يكن يبدو هكذا بالنسبة للبعثيين المسيطرين. وجدير بالملاحظة أن جزءاً من طائفة السنيين التقليديين كان يعتبر علمانية البعث بحد ذاته بمثابة موقف معاد للدين(1).
(1) للإطلاع على تفاصيل التوثيق وتوضيح بعض الأحداث أعلاه راجع:
فان دام (نيقولاس)، الصراع على السلطة في سوريا- الطائفية والإقليمية والعشائرية السياسية 1961- 1995، صـ 196 – 198
اقرأ:
من كتاب الصراع على السلطة في سوريا – الفصل الأول .. المقدمة :
1- العوامل التي ساهمت في الولاءات الطائفية والإقليمية والعشائرية في سورية
2- الإقليمية في سوريا خلال فترة الاستقلال
3- الأقليات الدينية المتماسكة .. العلويون
4- الأقليات الدينية المتماسكة .. الدروز والإسماعيليون
الفصل الثاني: ظهور الإقليات في القوات المسلحة السورية وحزب البعث
1- التداخل الطائفي والإقليمي والعشائري والإجتماعي الإقتصادي
2- التمثيل القوي لأعضاء الأقليات في حزب البعث
3- الحواجز الإجتماعية التقليدية أمام التوسع الطبيعي لحزب البعث
4- الشقاق الحزبي الإنصرافي داخل جهاز حزب البعث المدني
5- انتخابات حزب البعث المحلية عام 1965
6- أعضاء الأقليات في القوات المسلحة السورية قبل عام 1963
7- الاحتكار البعثي للسلطة في سورية 1963
الفصل الثالث: الإستقطاب الطائفي في القوات المسلحة السورية بين السنيين والإقليات الدينية
1- التكتل الطائفي والإقليمي والعشائري في النخبة العسكرية البعثية
2- التمييز الطائفي ضد السنيين في القوات المسلحة السورية
3- فشل سياسة الطائفية العلنية كتكتيك.. إبعاد محمد عمران
4- الاستقطاب الطائفي في القوات المسلحة السورية عام 1965
5- الاستقطاب الطائفي في القوات المسلحة السورية عام 1966
6- التنظيم السري للقيادة القومية المخلوعة عام 1966
الفصل الرابع: تصفية الضباط الدروز ككل منفصلة داخل القوات المسلحة السورية
2- الاستقطاب الطائفي العلوي – الدرزي وإنقلاب سليم حاطوم
3- الدعاية الطائفية ضد العلويين
4- التصفيات اللاحقة لإنقلاب حاطوم الفاشل
5- تصفية الجماعات الحورانية البارزة
الفصل الخامس – الصراع على السلطة داخل الطائفة العلوية
1- التنافس بين حافظ الأسد وصلاح جديد
2- الصراع على السلطة داخل الطائفة العلوية قبل عام 1970
3- الصراع على السلطة داخل الطائفة العلوية بعد عام 1970
الفصل السادس – الشقاق الحزبي الطائفي والإقليمي في نخبة السياسيين السوريين: تحليل إحصائي
1- تحليل إحصائي لمؤسسات السلطة السياسية السورية 1961- 1995
2- ثورة تاريخية في النخبة السياسية السورية 1963
3- الوزارات السورية والقيادة القطرية
4- العسكريون في القيادات القطرية السورية
الفصل السابع – التحريض الطائفي والمواجهة
1- التحريض الطائفي – مذبحة حلب
2- الدعاية الإعلامية المضادة للطائفة العلوية 1979
3 – تهديدات الحرب الأهلية الطائفية في سورية 1979 – 1980
4- الطائفية والفساد وغياب الانضباط الحزبي 1979- 1980
5 –الفشل البنيوي في كبح الطائفية في سورية 1979 – 1980
الفصل الثامن – المواجهة الطائفية – القضاء على الإخوان المسلمين
1 –تسليح البعثيين ومذبحة تدمر عام 1980
3- الدعاية الدينية السنية ضد العلويين
الفصل التاسع – نخبة السلطة في عهد الرئيس حافظ الأسد
1- الأخوة الأسد
2- نخبة السلطة العسكرية البعثية
3-جهاز حزب البعث المدني.. تحليل إحصائي ..
4- مسألة الخلافة.. أبناء الأسد
الفصل العاشر – استنتاجات
1- الطائفية في سورية والعوامل الإجتماعية الإقتصادية والإيديولوجية
2- القسمة الثنائية بين السنيين والأقليات في سورية منذ عام 1963